04 يوليو 2022

العيد في الإمارات.. كيف نعيد إحياء عاداته ونشارك أطفالنا الشعائر الدينية؟

محررة في مجلة كل الأسرة

العيد في الإمارات.. كيف نعيد إحياء عاداته ونشارك أطفالنا الشعائر الدينية؟
العيد في الإمارات - وام

يحلّ عيد الأضحى المبارك وثمة تساؤلات عن افتقاد بعض العادات المرتبطة به.فالبعض لم يعد على تماس بذبح الأضاحي أو تأدية صلاة العيد أو حتى استعادة الرمزية الاجتماعية والدينية لهذا العيد وارتباطه بشعيرة الحج وما يرافقها من أيام التشريق ويوم التروية (الثامن من ذي الحجة) والاستزادة ليوم عرفة والتوجه بالدعاء الى الله، ومعايشة فرح العيد، كما قال تعالى «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون».

فهل لم تزل هذه العادات راسخة أم أن الطقوس المرتبطة بالعيد فقدت بعض وهجها؟

كانت فاطمة المغني، أم وجدة وخبيرة في التراث الشعبي، ترفد الأبناء والأحفاد بكل العادات والتقاليد الراسخة مجتمعيا وتعلمهم كل الشعائر المرتبطة بهذا العيد.

تقول «نطلب من الأبناء أن يولوا الواجبات الدينية الاهتمام الكافي وخاصة أننا نعيش عصر العولمة والابتعاد عن الثوابت، بحيث يجب الحرص على صلة الأرحام وعلى ذبح الأضحية أمام كل أفراد الأسرة ونحرص كأسرة على أداء هذه الشعيرة لتترسخ في ذاكرتهم البصرية ويحملونها للأجيال اللاحقة».

فالشعائر الدينية المرتبطة بهذا العيد تجسد موسماً من مواسم طاعة الله سبحانه وتعالى.

ينسحب هذا التوجه على صلاة العيد وتوزيع الأضحية على الجيران وبعض الأسر «أحفادي هم من يقومون بتوزيع الأضحية، كما نعلمهم كيفية تأدية صلاة العيد والتكبيرات والخطبة وأبعادها ونغوص معهم في الأبعاد الدينية والاجتماعية لهذا العيد وبالأخص ما يرتبط بصلة الأرحام والتكافل مع الأيتام والأرامل وتقديم بعض المبالغ المالية كعيدية لبعض الفئات المهمشة».

تدعو المغني إلى إعادة إحياء هذه الشعائر «حتى لو تم ذبح الأضحية في المقصب، يمكن اصطحاب الأبناء ليعايشوا هذه الشعيرة بأم العين»، وتصر على مطلب واحد وهو «ترسيخ هذه الشعائر والعادات لدى الأبناء وعدم التقاعس عن تعليمهم كل ما يرتبط بأعيادنا الإسلامية من صلاة، صوم، زكاة، ذبح أضاحي وغيرها من شعائر دأب عليها جيلنا وأورثناها لأبنائنا».

العيد في الإمارات قديمًا- وام
العيد في الإمارات قديمًا- وام

لم يبق من الزمن الجميل الكثير. تتحسّر شيخة الحاي، باحثة وكاتبة في مجال التراث الإماراتي، على عادات وتقاليد بدأت تختفي «كنا نسمي عيد الفطر «العيد الصغير» ونطلق على عيد الأضحى المبارك «العيد العود» لأهميته وأبعاده الدينية والاجتماعية، إلا أنه لم يبق من العادات المرافقة لهذا العيد الكثير حيث البعض منها اندثر أو تغير».

كان المواطنون وبعض أرباب المنازل يذبحون الأضاحي و يتسمون بالرحمة بالحيوان المذبوح

تشرح شيخة الحاي «كانت الأضحية تذبح في المنازل ولا أحد يقصد المقصب ومن يذبح هم من المواطنين ويتقاضون أجراً، أو بعض أرباب المنازل الذين يذبحون الأضحية أمام مرأى من أفراد الأسرة وعند الباب الرئيسي للمنزل، وكان هؤلاء يتسمون بالرحمة بالحيوان المذبوح، وهذا من واقع معايشتي لهذه التفاصيل حيث كانوا يسقون الأضحية قبل ذبحها ويمسحون على ظهرها ولا تجّر مكروهة إلى مكان الذبح، وحتى أن سن السكين يتّم بعيداً عن الأضحية وتكون الأضحية باتجاه القبلة ويسّمي القصاب باسم الله الرحمن الرحيم قبل الذبح، وهذا له أثر كبير في تهدئة الأضحية وينقي اللحم من الماء والميكروبات».

المصليات في الإمارات بين الأمس واليوم

مسجد
مسجد "البدية" في الإمارات

تغيرت الصورة الآن وباتت قاتمة بعض الشيء بالنسبة لشيخة الحاي التي ترصد أن ذبح الأضحية يتم في المقاصب وتجّر الأضحية على الأرض والصلاة باتت تؤدى في المساجد بدل المصليات «في الزمن الجميل، كانت صلاة العيد تؤدى في المصليات التي تستقطب أعداداً كبيرة من مناطق قريبة ونائية حيث يتجمع الأقارب والأصدقاء والجيران يؤدون صلاة العيد ويهنئون بعضهم البعض ويتبادلون الأحاديث وتتم دعوة البعيد منهم إلى منزل من يسكن قريباً من المصلى».

كان المصلى أمام منزل الحاي «كانت المرأة الحائض تخرج وتسمع الخطبة ولا تدخل المصلى، وكانت ملابس العيد تجهز قبل شهر من موعد العيد، كما يسبق العيد تنظيف وترتيب المنزل وتنظيف «السكيك» و«نخل» الرمل، وتتوالى الزيارات بعد صلاة العيد بين الأرحام والجيران والأقارب، وتجهز النساء الأطباق الشعبية قبل ليلة العيد، ويشتغل التنور على الهريس والعيش واللحم ويعمدن إلى إعداد البلاليط والخبيصة والثريد وغيرها».

كل تلك الملامح طرأ عليها التغيير، وهو تغيير يقود الحاي إلى إصدار حكم نهائي وقاس «أصبحت الأعياد ميتة لا طعم لها ولا نكهة بعد أن غابت نار التنور وأصبحت الوجبات السريعة هي الحل كما الملابس الجاهزة».

وتدعو شيخة الحاي إلى:

  • تعويد الأهل أبناءهم على ذبح الأضاحي وتأدية صلاة العيد وزيارة الأرحام.
  • تعزيز وجود المصليات لاستقطاب أعداد كبيرة من المصلين وتعزيز الجانب الاجتماعي للعيد.
  • إعادة السماح لذبح الأضاحي داخل المنزل لترسيخ هذه العادة لدى الجيل الحالي.

الأسر الإماراتية متمسكة بالشعائر الدينية

في الجانب الآخر، ترى إيمان عزيز، باحثة في التراث، أن الأسر الإماراتية لم تزل متمسكة بهذه الشعائر، حيث لم تزل تحافظ على أدائها وإن تغيرت السبل «كانت الأضاحي تذبح داخل البيوت وأمام مرأى الأطفال ويشرح الأهل الأسباب وراء ذبح الأضحية كتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وكإحياء لسنّة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام حين أمر بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه السلام في يوم النحر، وكان لزاماً على الابن أن يتواجد مع أبيه ليتعلم وكان يجهز للأضاحي قبل فترة من العيد ومنذ دخول العشر الأواخر، كانت النساء يتجهزن للعيد من دخون وبخور واستنفار داخل الفريج لخياطة ملابس العيد وكان يطلق على عيد الأضحى «عيد الحج».

تلفت إلى تماس الشعائر مع الرحلة الشاقة التي كان يقطعها الحجاج على المطايا من المناطق الشرقية إلى الموانئ وعبر السفن إلى البحرين ومنها إلى السعودية على المطايا للوصول إلى الكعبة المشرفة «كانت رحلة طويلة وشاقة ويسبق انطلاق القافلة احتفال كبير وولائم وأهازيج، ولكن تحولات الزمن أثرت على بعض هذه المناحي حيث باتت الأضاحي تذبح داخل المقصب وتتولى الجمعيات الخيرية توزيعها مع افتقاد دور العائلة الممتدة في ترسيخ هذا الجانب».

تشدد عزيز على «أهمية تعزيز الوازع الديني لدى أبنائنا والتمسك بالعادات والتقاليد المستقاة من الشرع الإسلامي وتعزيز دور الجد والجدة في السرد وتعليم الأحفاد السنع الإماراتي، كما ترسيخ دور الآباء في شرح أبعاد العيد ومعانيه واصطحاب أبنائنا للمقصب ولصلاة العيد وتعريفهم بمناسك الحج وما يرافق عيد الأضحى من شعائر دينية، إلى دور المدارس في هذا الجانب، وكأم، أشتري لأبنائي ملابس الإحرام وأرافقهم إلى مدرستهم لحضور عرض لكيفية أداء مناسك الحج».

العيد في الإمارات قديمًا- وام
العيد في الإمارات قديمًا- وام

الفرح بالعيد من تعظيم شعائر الدين

العيد مظهر من مظاهر الدين‏، ‏ وشعيرة من شعائره المعظمة‏، ‏والفَرحُ باِلعيدِ والاسْتِعدَاد لَهُ مِن تعظيم شَعائِر الدين، بهذه العبارة يتوقف الدكتور سالم بن أرحمه الشويهي، رجل دين، عند معاني العيد مستنداً إلى قوله تعالى: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ»، وقال النبي ﷺ «إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا».

يرصد الدور المحوري للوالدين في تهيئة الأطفال لاستقبال العيد، حيث يزودنا بأفكار لإحياء شعائر العيد بما يتناسب مع عقولهم وإدراكهم:

  • إقامة حوار أسري معهم قبل قدوم العيد حول العيد وشعائره، وإخبارهم لما شرَع الله العيدين في كل سنة، وأن يوم العيد يوم التسامح وصفاء القلوب وإظهار الفرح واستشعار أن العيد عبادة وقربة إلى الله.
  • التخطيط معهم ليوم العيد، وتطبيق أفكارهم المُحببة لهم والاستمتاع بتحقيق رغباتهم.
  • شراء ملابس جديدة للأبناء، ويفضل إتاحة الفرصة لهم في اختيار ملابسهم.
  • الاستعداد ليوم العيد وتزيين المنزل معهم وإشاعة المرح في أجواء المكان.
  • تجهيز الهدايا لهم ولإخوتهم، وربطها بالعيد وتسميتها «هدية العيد» أو«العيدية»، ما يحمسهم ليوم العيد.
  • تجهيز بعض الهدايا أو الحلوى، لتوزيعها بأنفسهم على الأطفال في المسجد أو في اجتماع العائلة، ليشعروا بالسعادة مقابل ما قدموه وإخبارهم بحديث الرسول الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا».
  • تطبيق أهم شعائر العيد أمامهم، وحث الأبناء على التكبير يوم العيد ابتداء من ليلة أول ذي الحجة وحتى غروب شمس ثالث أيام التشريق (13 من ذي الحجة)، ونعلمهم صيغة التكبير وهي (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد).
  • استثمار الفرصة لنحدثهم عن العبرة من الذبح وقصة سيدنا إبراهيم الخليل مع ابنه إسماعيل، ليكون العيد ذا قيمة معنوية ودينية للأبناء منذ صغرهم، وإن أمكن شهودهم لذبح الأضحية وإشراكهم في توزيع لحم الأضحية على الأهل والجيران والفقراء وأكلهم من الأضحية تطبيقا للسنة فقد (كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يُفْطِرُ في الأضحى حتَّى يأكلَ مِنْ أضحيتِه).
  • الحرص على اغتسال الأبناء والبنات لصلاة العيد، وأن يلبسوا أحسن الثياب، وهذا من السنّة.
  • الاحتفال بالعيد وتهنئتهم وتعليمهم تهنئة العيد، فقد كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض (تقبل منا ومنك) أو غيرها من عبارات التهاني المتداولة مثل: عيدكم مبارك.
  • تعليم الأبناء على بذل الخير والعطاء ومساعدة المحتاج، مثل أن يوزع الأبناء اللحم على العائلات المحتاجة.
  • استقبال وزيارة الأهل والأقارب معهم، وإخبارهم بأهمية معايدة الأقارب وتعويدهم على صلة الرحم.

العيد في الإمارات.. كيف نعيد إحياء عاداته ونشارك أطفالنا الشعائر الدينية؟

كيف نعلّم أبناءنا العبادات والطاعات المرتبطة بعيد الأضحى المبارك؟

يشرح لنا الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتيين- قسم الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، الأبعاد الدينية لعيد الأضحى المبارك :«عيد الأضحى أحد العيدين في الإسلام، وهو يوم الحج الأكبر، أفضل وأعظم أيام العام، قال النبي صلى الله عليه وسلم «أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر»، يشترك فيه الحجيج وغيرهم، وهو العيد الكبير، فيوم النحر ويوم القرّ الذي يليه وسائر أيام التشريق كلها أيام عيد وأكل وشرب وذكر لله تعالى.

ويلفت إلى عبادات وشعائر دينية في هذه الأيام:

  • تكبير الله تعالى وذكره: «واذكروا الله في أيام معدودات» [البقرة: 203]، والتكبير المطلق في جميع الأوقات، ويتأكد التكبير المقيد بعد الصلوات المكتوبة.
  • الخروج لصلاة العيد وحضورها مع المسلمين، في المصلى أو المسجد الجامع.
  • الأضحية سنة مؤكدة لمن كان لديه سعة، ويأكل بعضها، ويهدي بعضها، ويطعم الفقراء بعضها: «فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير» [الحج: 28].
  • السنة للمضحي ألا يقص شعره أو أظافره إلى أن يضحي، لحديث: «فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا».
  • السنّة أن يؤخر الأكل إلى أن يرجع من صلاة العيد ويأكل من أضحيته.
  • التوسعة على الأهل في المأكل والملبس دون إسراف أو خيلاء.
  • زيارة الأرحام والجيران وتبادل التهنئة والهدايا.

ويوجز د. الكبيسي «ينبغي تعليم الأولاد بعض الأحكام الشرعية المرتبطة بالعيد والأضحية وقصة إبراهيم وآله عليهم السلام، ويمكن اصطحابهم عند شراء الأضحية ومستلزمات العيد، وعند توزيع الأضحية والهدايا، ونربيهم على المعاني العظيمة لهذه الشعائر وتعليمهم أن الإسلام دين البهجة وأن الفرح بالعيد عبادة نؤجر عليها ويحبها الله تعالى، وأن نشكر الله على نعمه وأن الإسلام دين الطهارة والنظافة ظاهراً وباطناً، وأهمية الاغتسال ولبس الجديد واستخدام الطيب خاصة في العيد والمناسبات، وأهمية صلة الأرحام وزيارة الجيران وتهنئتهم والعلاقات الاجتماعية النافعة، فهذه كلها من أبواب الخير والبركة التي يحبها الله تعالى ويثيب عليها».