العيد وطقوسه دائماً مصدر بهجة وفرحة ومتعة مهما مرت السنوات واختلفت الأيام، لكن ستظل التجمعات الأسرية ولمة العائلة أهم الطقوس على الإطلاق رغم أن ظروف الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس «كورونا» منعت الكثير من الأسر من هذه التجمعات واللمة خلال الأعوام الماضية، لكن نجحت التكنولوجيا بتطبيقاتها المتعددة في تقريب البعيد وتعويضنا ولو جزئياً عن اللمة التي افتقدناها كأحد أهم مظاهر الاحتفال بالعيد والتي لا تختلف عليها الشعوب.
غياب الحظر هذا العام في عيد الأضحى المبارك وتخفيف الإجراءات الاحترازية يعيد البهجة للعديد من الأسر التي حرمت من الزيارات العائلية في الأعياد في الأعوام الماضية.
سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء الأسرة والعلاقات الزوجية حول التأثير الإيجابي للزيارات العائلية على الأسر خلال العيد، وكيف يكون لتبادل التهاني تأثير إيجابي في العلاقات الأسرية؟ وكيف يكون العيد فرصة لتجديد المودة والمحبة؟
1- عيد الأضحى المبارك فرصة للعفو والتسامح والرحمة
في البداية، تؤكد الدكتورة نجوى الفوال، أستاذة علم الاجتماع والرئيس السابق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، أن الإنسان بطبيعته يبحث عن الفرح ليحقق السعادة ويحرص على توفير الأسباب التي تؤدي لذلك، ومن أهم هذه الأسباب «لمة العيلة» في العيد لأن هذه التجمعات يكون لها طعم خاص للاستمتاع بالأجواء الخاصة التي يصنعها الجو الأسري خاصة خلال عيد الأضحى المبارك.
وتقول «دائماً ما أستمتع بمتابعة طقوس العيد التي لا تختلف النساء في الحرص عليها بكل تفان، ومنها حالة الطوارئ لتنظيف المنازل وشراء الأواني الجديدة وأدوات الشواء وتحضير البيت لاستقبال الأسرة والتجمع معاً قبل نحر الأضحية، كما يتولى الرجال أمر شراء الأضحية لتجهيزها إحياء السنّة وإدخال الفرحة إلى قلوب الجميع».
علينا أن نتخلص من كل الأحقاد والضغائن وأن نتواصل مع من قطعنا ونصل أرحامنا
ولفتت د. نجوى الفوال إلى أنه بغض النظر عن طقوس وأجواء الاستعداد والتحضير بين كل بلد وآخر، بل أيضاً بين كل بيت وآخر، يبقى أهم عامل في العيد هو رسم البسمة وطبع الضحكة على الوجوه للصغير والكبير، مشيرة إلى أن العيد جميل ولكن باتت مبادرات النسوة بالمشاركة في التحضير قليلة مقارنة بما سبق، إلا أنه لدى بعض العائلات ما زالت هذه الطقوس مستمرة عندهم حتى في ظل الرفاهية التي جعلت كل ما يحتاجه الفرد متوافراً خصوصاً أنه مهما تغيرت مظاهر الاستعدادات تبقى مناسبة العيد غالية على الجميع.
وتشدد أستاذة علم الاجتماع على أن إظهار الفرح في العيد شعيرة من شعائر الله يجب تعظيمها، ودائماً ما تنصح الأسر بأن يعبدوا الله بصناعة الفرح لهم ولأبنائهم، فإن لم تستطيعوا فليتصنعوه على الأقل.
وتطالب د. نجوى الفوال الأسر العربية بانتهاز فرصة عيد الأضحى المبارك ليفتحوا صفحة جديدة من المعاملات مع بعضهم البعض «علينا أن نتخلص من كل الأحقاد والضغائن وأن نتواصل مع من قطعنا ونصل أرحامنا ونتقرب إلى خالقنا بفضيلة صلة الرحم، فما أجمل وأروع أن نتسلح بالعفو والتسامح والرحمة في هذه الأيام المباركة».
2- المناسبات والأعياد فرصة لتخطي الخلافات الزوجية
ويتفق معها الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية بالقاهرة، في أن عيد الأضحى له مكانة خاصة عند كل المسلمين، وعلى مدار التاريخ تتغير شكل الاحتفالات والتعبير عن الفرحة من فترة لأخرى، لكن تظل للأعياد مكانتها وتقديرها عند الجميع حتى الآن، ويبين «رغم أن شباب هذه الأيام يحتفلون بطريقة مختلفة عن شباب الخمسينات أو الستينات لكن هذا لا يعني أن هناك جيلاً يحتفل بالعيد وآخر لا، العيد له مكانته عند كل الأجيال لكن الصورة الخارجية فقط هي التي تتغير».
ويؤكد استشاري العلاقات الأسرية هو الآخر أهمية أن نحرص جميعاً على تبادل التهاني بقدوم العيد مع الأهل والأصدقاء والمعارف خاصة الذين لم تتحدث معهم منذ فترة طويلة «يجب عليك أن تحث أولادك على تهنئة أصدقائهم بالعيد والتواصل معهم خلال العيد وعلينا ألا نفسد عيدنا بالتفكير في أمور تسبب لنا الإحباط والملل».
وعن الأمور التي تقلل من الإصابة بالإحباط والملل خلال العيد، يقول الدكتور فرويز «من الأفضل أن نستيقظ مبكراً ونوقظ أولادنا ونصلي العيد معاً جماعة ونعرفهم قيمة صلاة العيد وقيمة تكبيرات العيد ونرددها سوياً.. كما أن الحرص على لمة العائلة يقلل كثيراً من الملل خلال العيد لكن هذا الأمر أصبحت الأسر العربية تفتقده في العصر الحالي نتيجة التكنولوجيا وتوافر أدوات الاتصال بسهولة ليستعين بها الأفراد لصلة الرحم بدلاً عن التواجد البدني، مشيراً إلى أن الجميع يجدون في الاتصال التلفوني والإنترنت سهولة بالإضافة لعدم وجود تكلفة مادية».
وفي اتجاه آخر، يؤكد الدكتور فرويز أن المناسبات والأعياد تكون فرصة جيدة لكي يتفق الزوجان على تخطي الخلافات ولكن بشرط ألا يكون هناك جرح لكرامة أحد الطرفين إذا حدثت مشكلات حتى لا تتسع الهوة بين الطرفين، فالعيد حقا فرصة طيبة ينبغي أن تستغلها الأسرة المسلمة للاستمتاع بإجازة من النكد طوال فترة الإجازة.
3- الزيارات العائلية في العيد تحافظ على صلة الرحم والود بين الأقارب
ومن جهتها، تشدد الدكتورة إيمان كشك، استشاري العلاج النفسي والعلاقات الأسرية بالقاهرة، على الأسر العربية بضرورة استغلال مناسبة عيد الأضحى لفتح صفحة جديدة بعيداً عن الخلافات وأن يعاهدوا بعضهم البعض على تقبل الاختلاف وعدم تضييع الفرصة السنوية التي تأتينا من العام للعام لاجتماع كافة أفراد العائلة الكبيرة، خاصة في ظل ظروف أفراد العائلة وانشغالهم في أعمالهم وحياتهم مما يجعل اجتماعهم كافة أمراً صعباً خلال الأيام العادية إلا في المناسبات.
وتستطرد «على الرغم من أن التكنولوجيا وتبادل التهاني الإلكترونية أمر ضروري ولا غنى عنه إلا أنه خلال الأعياد يكون من الأفضل التلاقي الحقيقي الذي لا يضاهيه أبداً أي تلاق إلكتروني، فالتكنولوجيا على الرغم من إيجابياتها لكنها تزيد من الحواجز وتقلل من التفاعل والتواصل الحقيقي والتلامس بين البشر مما قد يمنحنا الدفء الأسري والطاقة الإيجابية لاستكمال مشوار الحياة».
وتوصي الدكتورة إيمان كشك الأسر بالحرص على تعليم أبنائها ضرورة وحتمية صلة الرحم خاصة في الأعياد وعدم التغيب عن التجمعات العائلية والأسرية والتي يتولاها غالباً الأجداد والجدات ويحرصون عليها، لكن للأسف الأجيال الجديدة لا تحرص عليها ولا تلتزم بها كما كان الأمر قبل ذلك بسبب مشغوليات الحياة الكثيرة، لكن حتى وإن كان ذلك حقيقياً فإن العيد يظل الفرصة الأفضل والأنسب لصلة الرحم والحفاظ على الود بين الأقارب.
وتلفت الاستشارية الأسرية إلى أن الأمر تحول عند الكثير من الأسر إلى إجازة مناسبة للسفر والتنزه والتصييف رغم أن ذلك في الحقيقة أضاع ملامح العيد وجعله فرصة للمصيف وقضاء الإجازة بالاسترخاء والاستمتاع والاكتفاء التهاني والمعايدات الإلكترونية «في رأيي أن هذا الأمر يفقد العيد عند هذه الأسر حلاوته وهدفه، فأين نحن من التواصل الفعلي مع الأقارب؟ وأين الاستمتاع بصلاة العيد والذبح في وسط الأهل والأحباب والحرص على إطعام الفقراء وتوزيع الأضحية عليهم؟».
4- مشاركة الأبناء في أجواء العيد تؤثر إيجاباً في صحتهم النفسية
ويلتقط الدكتور أمجد خيري، استشاري الطب النفسي والعلاج الأسري، خيط الحديث مؤكداً أهمية المناسبات والأعياد في تجمع الآباء مع أبنائهم، يتبادلون الحديث وذكريات الماضي كما أنه فرصة لتعليم الأبناء صلاة العيد ومعايدة الأهل والأقارب وحثهم على ذلك لنغرس فيهم هذه القيم الإسلامية والعادات المجتمعية الجميلة.
ويوضح «يجب أن نشعر أبناءنا بفرحة العيد وأن نجتمع معهم ومع أفراد العائلة على مائدة واحدة ووضع خطة لقضاء العيد ليشعر الأبناء بدفء العائلة ومن ثم ينشأون بصحة نفسية جيدة. خاصة أن مشاركة الأبناء في الأجواء الاحتفالية الخاصة بالعيد تؤثر إيجاباً في صحتهم النفسية مما ينعكس على أدائهم الدراسي وسلوكهم مع الآخرين مستقبلاً».
ويطالب الاستشاري الأسري الأسر بالحرص على تعليم أولادهم السعادة والفرح في المناسبات وعدم تضييع أوقات الإجازات الخاصة بالأعياد في السفر أو النوم أو الجلوس على الهواتف المحمولة وشاشات التلفزيون، كما أنه ليس الوقت المناسب لتمضية هذه الأيام مع الأصدقاء، بل إنه الفرصة الأهم والأعظم لصلة الرحم والتواصل العائلي وتبادل الزيارات للأهل والأقارب والجيران لتقديم التهاني.