يوم شاهدت صورة السيدة فيروز وهي تدفع كرسي ولدها في الكنيسة، تزاحمت في رأسي عشرات التعليقات والمشاعر وعبارات الإعجاب. لكنني في النهاية قلت لنفسي: هي الأم... وكفى.
وهو ليس ولداً؛ بل كان رجلاً من ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة. نزل من رحمها ضعيفاً يعتمد على رعايتها وواصل الاعتماد لعدة عقود من السنين. لم يكن أحد يدرك كمية الألم والتعب والدموع والأحزان التي غرقت فيها فيروز طوال تلك الفترة. عمر كامل وهي تحمل صخرة القدر على كاهلها وتمضي بها دونما شكوى.
في بيتها ومع أولادها، لم تكن الفنانة التي استحقت التقدير في كل بلاد العرب، ولا المغنية التي يفتتح الملايين صباحاتهم بصوتها الملائكي؛ بل كانت الوالدة التي لا تأكل إلا إذا شبع الأولاد ولا تشرب إلى بعدما يرتوون.
الطفل المريض هو وسام الاختبار لكل أم. إن تجربتها في رعايته تجلو إنسانيتها وتحيلها ذهباً. وهي لن تتمكن أن تضحك من قلبها، ولا مرة، طالما أنه هناك، حبيس عضلات ضعيفة وكرسي متحرك ولسان عاجز عن الكلام السليم. ثم يكون عليها، على الرغم من كل ذلك، أن تتأنق وتواجه جمهورها وتحفظ كلمات أغانيها وتتدرب على الألحان وتحافظ على موهبتها وتتعايش مع متطلبات شهرتها وصيتها.
فيروز حالة استثنائية. وأقول إن كل أم على هذه الأرض هي مخلوقة استثنائية. هل يمكن للعلم، مهما بلغ من تقدم، أن يحل لغز الأمومة التي تجعل صاحبتها تقدم أبناءها على نفسها؟ أي أولئك الذين تسميهم فلذات كبدها؟
بين يدي رواية لكاتبة مصرية عن فتاة تفقد والدتها في سن مبكرة بالمرض الخبيث. كانت الأم تقسو على ابنتها وتضربها وتعاقبها بحجة تربيتها تربية قويمة. وفي أشهر المرض الصعبة تصطلح الاثنتان وتسهر البنت المراهقة عند سرير والدتها ولا تكف عن تقبيل يديها الباردتين ومسح التعرق عن جبينها المرهق. تموت الأم ويصبح البيت ظلاماً. وتحتفظ البنت بقنينة من عطر الراحلة، تدنيها من أنفها في لحظات الافتقاد والاشتياق.
مع الاحتفال بعيد الأم، تمتلئ مواقع التواصل بصور الأمهات والمنشورات التي يكتبها رجال ونساء بالغون. إن كلاً منهم يرى والدته الأجمل والأروع والأشد تضحية وحناناً. ولو أردنا الحق، فإن كل امرأة هي أم مثالية في أعين أبنائها وبناتها. لذلك لا أحب المسابقات التي تقام في هذا المجال لا الألقاب والهدايا التي تمنح للفائزات. يكفي كل واحدة لقب «أم» وهو الوسام الأرفع.