العالم يتغير، تربية أطفالنا كذلك، فتكثر التساؤلات: أي مكانة يجب أن تحتلها السلطة والانضباط أمام الحوار واحترام الطفل؟، ماذا عن الانفتاح على العالم..؟
تقدّم آن باكوس في كتابها «كيف يطيعكِ أولادكِ بلا صراخ ولا عنف؟»، 100 طريقة وطريقة على شكل بطاقات عملية؛ من أجل أن يحقق الأهل طاعة أولادهم لهم مع النسبة الصحيحة والمطلوبة من السلطة.
افهموا لعبة المعارضة عند أولادكم
«ابنتي في منتصف سنتها الثانية، تقول «كلا» لكل شيء، حتى لِما كانت تحبه من قبل، وهذا منهك!»
ما الأمر؟ يبني الطفل نفسه عبر المعارضة سواء أكان في سنته الثانية أو الخامسة عشرة، لقد فهم سريعاً قوة هذه الكلمة السحرية الصغيرة: «كلا». هي كلمة تستطيع أن توقفه عند حدِّه حين يلفظها الأهل، وهو حين يستعيرها يكبر ويصير قوياً بدوره، وهذا ما ينهك صبر الأهل.
هذه الـ«كلا» هي إعلان استقلال حقيقي، هو ليس موقفاً سلبياً من قبل الطفل، بل طريقة لتوكيد هويته، كما لو أنها لا تستطيع أن تتشكل إلا بالتناقض مع هوية أخرى، هوية أهله و حتى لا ينكر أحد عليه رغباته الخاصة، سيقوم بتوكيدها بشكل منهجي وعلى النقيض المباشر مع رغبات أهله.
لماذا؟، تمتلك كلمة «كلا» فضيلة أخرى بالنسبة إلى الطفل، هي أنها تسمح بالدخول في علاقات قوة، فالأهل كما الطفل سيحاولون، كلٌ من جانبه وبأسلحته وحججه الخاصة، أن يجعلوا الطرف الآخر ينحني أمام إرادتهم، أي أنهم يبحثون عن فوز.
والطفل الذي يريد أن يكون هو الطرف المقرر يعتبر أنه قد ربح في حال حصل على ما يريده، وفي حال استحصل على انتباه أهله لوقت لا بأس به، أي الوقت الأطول، حينما لا يريد أن يذهب إلى النوم، مثلاً، أو حينما لا يريد القيام بواجباته المدرسية، أو حينما لا يعود الأهل يهتمون بالطفل الرضيع!
ما هو رد الفعل الأنسب لرفض الطفل؟
الصبر والمرونة، على الأقل في المرحلة الأولى، إذا كان طفل السنتين «صلباً» فهذا لأنه يبلغ سنتين من العمر ويسعى إلى توكيد ذاته، وليس لأنه شرير، إذا ما استفزك برفضه، فهذا لأنه يسعى إلى فهم كيفية عمل الكبار وما الذي يجعلهم يردون بهذه الطريقة أو تلك، إنه بالتالي يبني فهمه للآخر بهذه الطريقة.
المرونة لا تعني العجز عن تحقيق الطاعة، بعد فترة مقبولة من النقاشات والصبر، يبدو معقولاً رفض المزيد من النقاش ووضع حدود للأمر. عليكم أن تقرروا بأنفسكم أن تكون الكلمة الأخيرة هي كلمتكم، حتى لو كانت معارضة الطفل شديدة، حين يتعلق الأمر بأمور مهمة ولا يمكن نقاشها.
إن مناسبات كهذه، حيث تُفهمون الطفل أنكم أصحاب القرار، يجب أن تكون الأكثر عدداً، لكن قد يكون من المستحسن أحياناً، من أجل تعزيز ثقة الطفل بنفسه، أن تتراجعوا، في هذه الحالة قوموا بالتراجع قبل أن تتحول كلمة «كلا» إلى نوبة غضب!
آلية المعارضة هذه، التي تمكِّن الطفل من أن يبني نفسه بتمايزه عنكم، تتضاءل مع السن ثم تعود وتظهر بالقوة ذاتها إبان أزمة أخرى، هي أزمة المراهقة بالطبع.
كل شيء في طريقة كلامكم للطفل
«لا أستطيع أن أفهم لماذا يطيع ابني والده برمشة عين في حين أنه يتجاهل أوامري.. »
يمتلك الأطفال رادارات شديدة الحساسية، يشعرون تماماً بأي حال ذهنية تكونون، إذا كنتم تتوقعون منهم الطاعة الفورية ويقيسون بشكل غريزي «هامش التفاوض» لديهم؛ حتى يقتنعوا أنكم لا تمزحون، تكمن الطريقة في:
النبرة: يجب أن تكون صارمة وقوية، من دون صراخ.
الصياغة: أنتم لا تقترحون، أنتم لا تطلبون رأي الطفل بالموضوع، أنتم تؤكدون وتصدرون أمراً.
اختيار الكلمات: يجب أن تكون دقيقة وملموسة وخالية من أي التباس حتى يفهم الطفل بوضوح ما هو مطلوب منه.
أزيلوا أي شكوك خاصة بإرادتكم: حين تعطون أوامر واضحة، لا تتركوا أي شك يحيط بتصميمكم على تطبيق هذه الأوامر! ستوفرون على أنفسكم الوقت والطاقة، تخيلوا مثلاً طفلاً في العاشرة من عمره يماطل في تنفيذ أمر والدته في إقفال التلفزيون.
الأم «أ»، بنبرة ضيق: «هل ستقفل التلفزيون في النهاية، نعم أم لا؟»
الأم «ب»، بهدوء وتصميم: «أطفئ التلفزيون حالاً واذهب إلى النوم، وسيكون لدينا الوقت الكافي لقراءة قصة معاً».
أعتقد أن الأم «ب» ستنجح في الوصول إلى طاعة الطفل، لأنها تُظهر من ناحية أنها لا تشك ولا لحظة واحدة بأن طفلها سيطيعها بسرعة، ولأنها، من ناحية أخرى، تُظهر للطفل ما سيكسبه من إقفال التلفزيون.
كونوا ثابتين ومنسجمين أمام الطفل
من المؤكد أن طفلكم يختبركم بشكل دائم، وإذا ما تمكّن في أغلب الأحيان أن يحوِّل كلمة «كلا» إلى كلمة «نعم» عن طريق صراخه أو بكائه أو شكواه، لن يتمكن أبداً من معرفة أين تكمن حدوده، لكن لن تتمكنوا من إرساء انضباط إيجابي وناجح ما لم تتبنّوا موقفاً كامل الانسجام والمنطق في عيون الطفل.
رسائل واضحة: يتعلم الأطفال أن سلوكهم مقبول أو غير مقبول بحسب رد فعل أهلهم، لذا من الضروري أن يكون رد الفعل هذا هو ذاته، سواء أكان مع الأم أو مع الأب، وسواء أكنَّا في يوم عمل أو في عطلة، أو سواء أكان في المنزل أو عند أصدقاء.
السلوك الجيد؟، تظهرون موافقتكم أو سعادتكم به.
السلوك السيئ؟ تشيرون إليه وتطلبون من الطفل أن يتوقف عن القيام به.
بالطبع، الطفل سيستمر أو سيعيد الكرة في وقت آخر، هو «يختبركم» باستمرار، هو بحاجة ماسة إلى معرفة القاعدة، هل هي صالحة لكل وقت ومكان؟ أو في بعض الحالات فقط؟ وما هي هذه الحالات؟ وهل يمكن للاستثناء أن يصير هو القاعدة؟
من أجل أن يكفَّ الطفل عن القيام بسلوك يشبه الاستفزاز، يحتاج إلى إجابات واضحة وبسيطة وصالحة للمستقبل.
خيارات تربوية تطبق بشكل مستدام
أفصحوا بالكلام عمّا قرّرتموه، افعلوا ما تقولونه واستمروا بفعله مع مرور الزمن، هذه هي الطريقة الوحيدة حتى تتمكنوا من الوصول إلى نتيجة مفيدة.
كثيراً ما أستقبل أولياء أمور يجدون صعوبة في حمل أطفالهم الصغار على النوم، قبل أن أعطي أي نصيحة، يؤكدون لي أنهم «جربوا كل شيء»، بما فيها الطرائق التي عثروا عليها في الكتب أو التي يطبقها أصدقاؤهم.
لا تستعجلوا تغيير الحل
حتى ينعم حلٌّ ما بفرص نجاح، يجب أن يندرج في الاستمرارية الزمنية، كثيرة هي الحلول التي تنجح لمواجهة الصعوبة ذاتها، شرط ألا يغير الأهل الحل كل يوم، لأنه ما من حلٍّ يعطي نتيجة فورية.
كثيرون هم الأهل الذي يتخذون قراراً بألا يرجعوا إلى غرفة الطفل بعد أن يكونوا قد قبلوه في السرير مثلاً، يقولون هذا للطفل بوضوح، لكنهم يتراجعون بعد مرور عشر دقائق عند سماع النداءات المتكررة للطفل التي يرق لها قلبهم. وفي هذه الحالة، ماذا علّموا طفلهم؟
علَّموه أن الإلحاح ينتصر على كل القرارات التي يتخذها الأهل.. ، لا أظن أن هذه هي النتيجة المرجوة!
اقرأ أيضاً:
- أسرار التربية الصحيحة.. كيف تنتقدين أولادك وتوجهينهم دون أن تفقدي محبتهم؟
- كيف تكسب طاعة وانضباط الطفل؟.. القواعد الرئيسية لأسس التربية الناجحة