أسرار التربية الصحيحة.. كيف تنتقدين أولادك وتوجهينهم دون أن تفقدي محبتهم؟
لا يحتاج الأبناء إلى أم مثاليّة؛ لأنها قد تضرّهم دون قصد بسبب سعيها الدائم نحو تحقيق الكمال، لكنهم بلا شك في أمس الحاجة لأم جيّدة، تظلّ دائماً على مقربة منهم حين يحتاجون إليها، تفهمهم دون أن ينطقوا، وتتقبّل عيوبهم وتحاول إصلاحها معهم، وتنشئهم بصورة طبيعيّة في مجتمع يتقبّلهم.
هذه المهمة ليست سهلة على الإطلاق، لكنّها ليست مستحيلة.. هي فقط تحتاج منكِ بعض المهارات والعديد من المقوّمات لتتم على أكمل وجه، وأهم ما يساعدك في ذلك هو أن تتقبلي مشاعرك السلبيّة وتعبري عنها وأن تطلبي العون والمساعدة في الوقت المناسب حتى لا تنهاري في منتصف المشوار.
سألت «كل الأسرة» مجموعة من الخبراء في التربية والعلاقات الأسريّة والزوجيّة حول هذه المهمة الصعبة التي تسعي إليها كلّ أمّ: كيف تصبح فقط أمّاً جيّدة لأبنائها بما يكفيهم؛ ليكونوا على الطريق الصحيح؟ وهل يجب على الأمّ أن تنسى متطلباتها الشخصيّة مقابل متطلبات أطفالها؟ أم أن تنسى احتياجاتها وتفكّر فقط في كل شيء يخصّ أولادها؟
حذاري من هذه الأخطاء أيتها الأم!
في البداية يشير الدكتور أحمد هارون، مستشار العلاج النفسي وعضو الجمعية العالميّة للصحة النفسيّة والمتخصص في الشؤون الأسريّة في مصر، إلى أن هناك من يخطئون عندما يريدون من الأمّ دائماً أن تبقي في جانب واحد وهو التضحية كي تصبح أمّاً مثاليّة..
ويحدّد مجموعة من الأخطاء تجعل مهمّة المرأة كي تصبح أمّاً جيّدة صعبة ومستحيلة ومنها:
- الأمّ المثاليّة ليست دائماً أمّاً معذّبة ومهضومة الحق ومسلوبة الصحة والإرادة، إلا أصبحت أمّاً سيّئة لا تعطي لأولادها الاهتمام الكافي.
- أحياناً تكون المرأة من النوع الذي يعتبر العمل بالنسبة لها هو سفينة النجاة من بحر الكآبة والشعور بالفشل، فلا يجب حينها أن تتخلى عن عملها من أجل الأطفال لأنّها بذلك لن تشعر بالرضا والراحة أبداً، والأفضل لها أن تتعوّد التوفيق بين عملها وبيتها وأولادها؛ حتى إن لم تؤدِ كل الأمور على أفضل ما يكون، لأنه في كل الأحوال سيكون أفضل بكثير من صورة المرأة المضحية التي لن ترضيها أجلاً أو عاجلاً.
- البعض يرى أن الأمّ الجيّدة هي تلك التي لا تبحث عن سبل الراحة ولا تدّخر كل ما في وسعها من أجل راحة وسعادة أولادها، حتى وإن كان ذلك حقيقة فمن قال إن هذا الأمر يتعارض مع كونها تبحث عن سبل الراحة لنفسها؟
- وفي المقابل، تخطئ بعض السيدات عندما يتخلين عن مهمتهن الأولى والأهم وهم الأبناء، فلا يجب أن يكون عمل المرأة على حساب أبنائها وبيتها الذين يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام، وفي حالة تعارض المهمتين فأنصح دائماً المرأة بأن تتفرغ لرعاية زوجها وأولادها، لكن يجب أن يتم ذلك برضاها ودون ضغط وإصرار من الزوج حتى لا تشعر أنها تعيش حياة مفروضة عليها وأنها ليست صاحبة القرار في ما يخصّ مستقبلها.
- هناك تصوّر خاطئ لدى الكثير من الأسر أن تربية الأبناء مسؤولية المرأة وحدها وأن الأب عليه فقط المتابعة من بعيد، ما يصيب المرأة بالقلق والتوتُّر في مشوارها مع الأبناء، بلا شك فإن كثرة المسؤوليات والأعباء تجلب التوتُّر والنكد؛ لذلك يجب على الزوج ألا يترك زوجته تواجه هذه الأعباء منفردة، فمثلاً مهمة تربية الأبناء هي مسؤولية مشتركة بين الطرفين، والأبناء في سنٍّ معيّنة بحاجة إلى وجود الأب ومتابعته والقيام بواجباته دون الاعتماد على المرأة فقط.
6 خطوات تساعد الأم على النجاح بامتياز في مهمّة تربية الأولاد
وتتفق معه الدكتورة أميرة يوسف، استشاري طب نفسي أطفال ومراهقين بجامعة عين شمس، في أن هناك الكثير من التصورات الخاطئة التي تجعل الأم تفشل في مهمتها في تربية الأبناء و تصيبها بالتوتّر والقلق.
ولكنها ترى أن هناك بعض الخطوات التي تساعد الزوجة والأم في أداء مهمتها على النحو الأمثل، تساعدها في توجيه أولادها دون أن تفقد محبتهم، ومنها:
- قبل كل شيء توقفي أيتها الأم فوراً عن الصراخ والعصبيّة كوسيلة لفرض سطوتكِ وسيطرتكِ على أولادكِ؛ لأن هذه هي الطريقة الأفشل في تربية الأبناء، ومع ذلك هي الأكثر شيوعاً بين الأسر، ما قد يصيب الأبناء بالإحباط والاكتئاب وتجعلهم دائماً ما يفضلون الابتعاد عن طريق الأم من أجل راحة البال والسلام النفسي.
- احرصي على تعلميهم منذ الصغر كيف يعتنون بأنفسهم حتى ولو كانوا صبية.. واحرصي منذ عامهم الأول أن تعلميهم كيف يغيّرون ملابسهم، كيف يحملون طبق الطعام من وإلى الطاولة، كيف يعتنون بنظافتهم الشخصيّة دون مساعدة.
- عودي زوجكِ على مشاركتكِ في الأعمال المنزلية، كي لا تشعري بحمل مضاعف وربما تنهاري، ويمكنكِ أيضاً إعطاء الأطفال بعض الواجبات التي عليهم الاهتمام بها، فهذا سيخفّف عنك بعض الأعباء الصغيرة.
- ضعي خططاً بديلة لتوفري لنفسكِ بعض الوقت، من خلال تعليم أولادكِ مساعدتكِ في أعمال المنزل، وأن تقومي كذلك بإعداد طعام يكفي لأكثر من يوم لتخففي عن نفسكِ العبء.
- تعلمي كأمٍّ مهارة الإصغاء إلى أبنائك كي يتعلموا بدورهم الإصغاء إليكِ وإلى أبنائهم في المستقبل، فمن أهمِّ الأمور أن تنجح الأمّ في تكوين علاقات ودودة وطيّبة بالأبناء في كل المراحل، فحينما تتكون الصداقة في فترة المراهقة المبكّرة يمكننا حماية أولادنا من كل المخاطر التي تحيط بهم.
- لا تعلّمي أولادك، خاصة في سنّ المراهقة، على الاتكاليّة والأنانيّة، حيث نرى اليوم الكثير من الأمهات تقوم بكل الواجبات والأبناء جالسين ينظرون إليها، بل إن الأم الحكيمة هي التي تترك صغارها يتحمّلون معها بعض المشاق؛ حتى يشتدَّ عودهم ويصبحوا قادرين على المواجهة في المستقبل.
كيف تربين أولادك وتكسبين محبتهم (نصائح تربوية)؟
من جهتها، تقدم الدكتورة زينب مهدي، استشاري الطب النفسي ومدربة تعديل السلوك بالقاهرة، مجموعة من النصائح للأم كي تنجح في المشروع الأهمّ والأكبر في حياتها وهو تربية الأبناء، ومنها:
- الأم المجهدة الحزينة لا يمكنها أبداً أن تصنع منزلًا وأسرة سعيدة؛ لذا لا تدخري وسعاً في الاستمتاع بحياتك بما لا يخلُّ بمسؤولياتك تجاه الأبناء، ولا تلتفتي كثيراً لملاحظات الآخرين، طالما أنك تشعرين بأنك أديت ما عليك على أفضل ما يكون.
- تربيتكِ لأولادكِ تعني التفاعل معهم بالحبّ والنقاش في كافة الأمور، وليست بالتوجيه السلبي والنقد اللاذع لكل تصرّفات الأبناء، فالذين يتعرّضون للانتقاد الدائم يميلون إلى الانفعال الزائد والتوتّر والعصبيّة والمزاج المتقلّب، وقد تنمو لدى الابن على المدى البعيد روح التمرّد على توجيهات الأمّ التي طالما حطّت من شأنه.
- الأمّ العاملة يمكنها أن تؤدي مهمّتها على أكمل وجه؛ وذلك يكون بالتخطيط الجيّد للموازنة بين البيت والعمل من خلال وضع جدولاً بأهمّ الأمور التي عليها إتمامها في المنزل، وجدولاً آخر بما يتوجب عليها الانتهاء منه في العمل، وبهذه الطريقة ستعرف كيف توفّق بين مواعيدها وواجباتها.
- الأمّ المثاليّة ليست هي من تدلّل أولادها وتلبّي جميع طلباتهم، صحيح أنه ليس هناك أحنّ من الأمّ على أولادها التي تقدّم لهم كل غال ونفيس منذ اللحظة الأولى لمجيئهم للدنيا، هم يحظون برعاية خاصة و تدليل زائد، لكن على الأمّ أن تنتبّه إلى أنه في كثير من الأحيان في ظلّ التدليل المفرط والاهتمام المبالغ فيه ينشأ هؤلاء الأبناء وهم غير مكترثين بمستقبلهم وحياتهم العمليّة والخاصة معاً، فيكون الفشل حليفهم ولا يجني الآباء في النهاية إلا الحسرة والشعور بخيبة الأمل.
- التدليل الذي لا يتعارض مع التربية ويقرّب كثيرًا بين الأم وأولادها أمر إيجابي، ولكن يجب أن يكون ذلك بطريقة غير مبالغ فيها وبحرص ولا يكون بشكل مستمرّ وليس في كل الأوقات، لأن ذلك من شأنه تدمير شخصيّة الطفل منذ نعومة أظفاره وجعله لا يتحمّل المسؤوليّة مثل بقية أقرانه.
- لا يجب أن يقتصر اهتمام الأمّ بأولادها على توجيه اللوم والانتقادات السلبيّة للأبناء والبحث عن الجوانب السلبيّة في كل تصرف وتسليط الضوء عليها، كما أن تعرّض الأبناء للانتقادات المستمرّة من الأم والأب يؤدي إلى فقدان الطفل الثّقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وانعدام الإحساس بالأمان.
- يجب على الأمّ أن تدعم سلطة الأب وعدم الاستهزاء أو التقليل منها أمام الطفل، مثلما هو مطلوب من الأب أيضاً.
- حبّ الأمّ لأولادها يصوّر لها في بعض الأحيان أن من حقّها التدخل في كل الأشياء الخاصة بأولادها، خاصة في مرحلة المراهقة بحيث لا تترك لهم مساحة ليخطئوا، وهذا للأسف تصرف خاطئ لأن التدخل يزيد من تمرّدهم السلبي، والمراهق المتمرّد مشكلة كبيرة للأسرة والمجتمع، لذلك يجب أخذ الأمر بجديّة والرقابة عليه لكن بلا تدخّل في خصوصيّاته.
اقرئي أيضاً:
- أنا أمّ عاملة.. كيف أحقّق التوازن بين بيتي وعملي؟
- من المسؤول عن تربية الأبناء: الأم أم الأب؟