25 نوفمبر 2024

ما هي أنواع الخوف لدى الأطفال؟ وماذا تفعل لمساعدة طفلك على مواجهة مخاوفه؟

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

الشعور بالخوف ممر إلزامي بالنسبة إلى الطفل، وهو جزء لا يتجزأ من نموِه. لذا من المهم، على الدوام، عدم التعامل معه بخفة، لأنه مؤشر على الحاجة إلى طمأنة الصغير في حضن أسرته. لكن، وعلى الرغم منا، كثيرا ما نسعى إلى إسكات مخاوفه، ما يسهم في ترسيخ بعض كوابحه النفسية.

مجلة كل الأسرة

تبين لنا فلورانس ميلو في كتابها «أمي! هناك غول تحت سريري»، أن كل الأطفال يشعرون بمخاوف، كبيرة أو صغيرة، فالخوف، كجزء من نمو الطفل، يسهم كذلك في تكوين هويته. لذا لا داعي للقلق الشديد، ولكن من الضروري التعاطي بجدية مع الموضوع. أما في الحياة اليومية، فكثير منا يسعون إلى إسكات انفعالات صغارهم، والتقليل من أهمية مخاوفهم بالنسبة إليهم، ما يمنع الطفل من أن يشعر بأن ثمة من يصغي إليه من أجل أن يتمكن من تخطي خوفه.

حين يشعر الطفل بالخوف نجيبه على سبيل المثال: «اهدأ، هذا لا شيء»، أو «الغول لا وجود له، عُد إلى النوم»، أو «كف عن التفكير بهذه الطريقة، من المؤكد أنك ستنجح في امتحانك».

حتى قبل أن نكرس الوقت الكافي للإصغاء إليه، ربما لعدم معرفتنا بأهمية الموضوع، أو ربما لأننا نعيد إنتاج ما قد سمعناه في طفولتنا، نكرر تلك الجمل بشكل تلقائي. كأننا نقول للطفل: «احتفظ بخوفك في داخلك، وسيختفي بسحر ساحر». ولكن، هل يختفي الخوف بهذه السهولة بالنسبة إلى الكبار؟

مجلة كل الأسرة

الخوف موجود.. دوماً

نجد الكثير من النصائح بخصوص مخاوف الأطفال على شبكة «الإنترنت»، وفي المنتديات، لكن أغلبية هذه النصائح «السحرية» لا تسمح بفهم الأسباب الحقيقية للمخاوف، وهي تقدم حلولا لا تستجيب، إلا جزئيا، في أفضل الأحوال، مع النمو العاطفي لأطفالنا. لا وجود للغيلان بالطبع، لكن الخوف موجود. وهل يمكننا أن نجعل الخوف يختفي باستعمال التهديد؟ لا نعتقد هذا.

في طفولتنا، نقضي وقتنا في محاولة التصدي لمشاعر الخوف لدينا: عدم البكاء، ضرورة أن نكون أقوياء، التأقلم مع كل شيء... إلخ. ولا فرق بين الأطفال والكبار في ما يخص الخوف والانفعالات، بشكل عام، حينما يعيش المرء هذه المشاعر في جسده: توتر في البطن، بكاء، مزيج من الهرمونات ومن الحزن... سواء أكنا في السنة الأولى من عمرنا، أم في السنة السابعة والسبعين.

بالطبع، يغير الخوف وجهه، ولا نعود نبكي للأسباب ذاتها، لكن في قلوبنا وأجسامنا، يحمل الألم الطبيعة ذاتها عند الصغير، وعند الكبير.

حين نكبر، نمضي وقتا طويلا في مراجعة ما تعلمناه في الصغر، حين نتعلم كيف نعبِر عن انفعالاتنا ونتقاسمها مع الآخرين.. كما ننفق الكثير من الطاقة في محاولة فهم انفعالاتنا، وأحيانا الكثير من المال بهدف احتضان مخاوفنا، وشكوكنا، ونقاط ضعفنا المخفية في مكان ما عميق في داخلنا، واحتضان طفلنا الداخلي المكلوم الذي يحتاج إلى من يصغي إليه.

فلماذا، والحال هذه، نعلم أطفالنا عدم الإصغاء إلى مخاوفهم؟ لماذا نضع هذه المخاوف جانبا، ونُتفِهُها، ونقلِل من حجمها، وأهميتها؟ لماذا لا نأخذها في الاعتبار؟ لماذا نتعلم ترتيب المخاوف بشكل هرمي؟ لماذا يكون خوف الطفل مجرد نزوة، وخوف الكبير أكثر صحة وواقعية، ألِأن دوافع الخوف عند الكبير أكثر «جدية»، كالغول عند الصغير ورب العمل عند الكبير، الهجران عند الصغير والطلاق عند الكبير، السخرية عند الصغير وحكم الآخرين عند الكبير؟

مجلة كل الأسرة

ماذا يعني خوف الطفل؟

وهكذا، حتى نرافق أطفالنا في مخاوفهم، يجب أن نتعاطى مع المشكلة بالمقلوب.

تنظر شبكات التواصل على «الإنترنت» إلى مخاوف الأطفال من حيث شكلها الخارجي، ورسالتها، الظاهرة فتقول: «لا تدخلوا في منطق الطفل، ليس من غول تحت السرير. طمئنوا الطفل، قولوا له إن الغول لا وجود له، وانتقلوا إلى موضوع آخر». هذه الحلول والحيل لا تنفع، أو ربما نفعت في لحظتها. فالنظر إلى مخاوف الأطفال، كالخوف من الأشباح، والوحوش، والغيلان... إلخ، كما هي عليه، يعني أننا أغفلنا تماما الرسالة الحقيقية التي ينبغي احتضانها حتى نتمكن من إعطاء الطفل إحساسا داخليا بالأمان.

فخلف كل شعور بالخوف، ثمة مسألة غير محلولة. والطفل يُفرغ بواسطة الخوف والصراخ والبكاء، شحنة من التوتر الداخلي، البدني والشعوري والهرموني، وهو يحتاج إلى احتضان من أجل أن يتمكن من الذهاب إلى النهاية في هذه الآلية.

يحمل الخوف منطقا خاصا به، فهو يفيد في إعادة وصل الطفل مع أهله، وخلق صِلة مع الآخر. فالتعبير عن الخوف أمام الآخر، وتقاسمه معه، هو شكل من نداء، إذ يقول الطفل بواسطته: «أمي، أبي، أنا خائف، تعالوا إلي، احضنوني، ضموني إلى صدركم، تحدثوا معي، أنا بحاجة إلى من يطمئنني».

الخوف صورة ذهنية تتخذ شكلا عبر شيء ما، أو ضجة ما، أو وحش، أو انطباع، حتى يتمكن الطفل من التخلص من انفعال مغمور في داخله. كل هذه الوحوش ليست سوى ذرائع، وكل المهارة لدى الأهل تقضي بفهم أن الصورة هي من اختراع الطفل، لكن الشعور حقيقي، ويجعله يتألم في حال لم يتمكن من تخطيه.

مجلة كل الأسرة

خوف لكل عمر من الأعمار

يولد الشعور بالخوف منذ الأشهر الأولى في الحياة، لدينا بالتسلسل الزمني: الخوف من المجهول (الأصوات والوجوه)، الخوف المرتبط بعالم الطفل الخيالي (الوحوش والسحرة)، الخوف من أمور أكثر عقلانية (حادث سيارة...). تتطور هذه المخاوف مع تطور الإدراك والنمو عند الطفل.. إليكم أهم أنواع المخاوف عند الطفل، والمراهق:

ثمانية أشهر: القلق من الانفصال والخوف من الغرباء. يبدأ الطفل بالصراخ أمام وجوه الأشخاص الذين لا يعرفهم، ويرفض أن يحملوه. يخشى الهجران، ويصرخ بمجرد أن تغادر أمه الحجرة، أو تبتعد عنه.

السنة الأولى

الخوف من الأصوات القوية، أو المفاجئة. مكنسة السجاد، أو الجرس، هما مصدر خطر بالنسبة إلى الصغير. قد يبدو الصوت قويا جدا بالنسبة إلى الطفل، كما عندما نكبر ننتفض حين نسمع ضجة كبيرة. فالصوت يدخل جسمنا، ويصيبه.

سنة ونصف السنة

الخوف من الظلام. يطلب الطفل نورا صغيرا في الغرفة خلال نومه، لأنه يشعر بالخطر لحظة النوم. مع الليل يحلُ عالمه الداخلي محل العالم الخارجي، وهو يعكس على ظلال الحائط ظلال مخاوفه اللاواعية. فتصير غرفته مكانا غريبا عليه. تماما مثل الكبار الذين كثيرا ما يفكرون في همومهم مساء، قبل النوم، ويجترون أفكارهم، ويقلقون لأن انعدام الحركة والنشاط يساعد على هذا.

من سنتين إلى أربع سنوات

مخاوف خيالية. الحيوانات المتوحشة، العواصف، المهرجون، المخلوقات الخيالية، كالغيلان والأشباح التي يمكن أن تأتي لتلتهمه. يستخدم الطفل الكتب التي يقرأها، وتصف له العالم من أجل أن يحكي عن مخاوفه.

من خمس سنوات إلى اثنتي عشرة سنة

مخاوف مرتبطة بوضع معين، كخاطفي الأولاد، والأطباء، وأطباء الأسنان، والخوف من الفراغ، ومن الحوادث. قد يخاف الطفل كذلك من الكوارث الطبيعية أو من الحرب. ومشاهدة وسائل الإعلام، ومتابعة الأخبار قد تثير مشاعر الخوف لدى الصغار، كما الصور في الأفلام وألعاب الفيديو والمواقع على الإنترنت.

من سبع سنوات وحتى سن الرشد

المخاوف الاجتماعية، كالخوف من عدم محبة رفاقه له في المدرسة، والخوف من التحدث أمام الجمهور... إلخ. هذه المخاوف قريبة من مخاوف الكبار، كما لو أن الطفل يقول في نفسه: «لا أشعر بأني قوي بما فيه الكفاية من أجل أن أنجح في هذه التجربة، أشعر بأني فاشل، ولا أستطيع أن أتخلص من هذا الشعور، أنا بحاجة إلى أن يثق الآخرون بي».

من المهم أن نفهم أن الطفل يبني أول شعور بالهوية لديه بين الثانية والسابعة، وهي صورة عن نفسه تشكل أساس طمأنينته الداخلية. وفي حال لم يتم الإصغاء إلى مخاوفه، أو احتضانها، فإن الطفل سيخلق تصوره الخاص ليفهم العالم المحيط به. قد يستبطن حوارا، أو أحكاما تقلِل من شأنه كتلك التي تقول: «أنا خائف، لا أحد يأتي إلى جانبي، يقولون لي إن كل هذا لا شيء، وبالتالي أنا لست مهما، سأحتفظ بالصمت. ثمة شيء مختل في داخلي، أنا فاشل...»