الترهيب والتخويف والتهديد أساليب تربوية معتمدة في واقعنا الراهن، رغم ثقافة الوعي.. مثل تلك الأم التي يرفض ابنها الاستحمام فتعمد إلى تعديل صورته وهو نائم بأن تضيف إليها بعض الحشرات لتبين له أهمية النظافة، ما جعله يلتزم بالاستحمام 3 مرات في اليوم، وهو ما تتباهى به الأم دون رصد الآثار النفسية التي تنتج عن هذه الخطوة.
قد يكون تصرفاً ناجماً عن الجهل، ولكن بعض الآباء والأمهات يعمدون إلى أسلوب التخويف من باب عدم قدرتهم على إعطاء أطفالهم الوقت الكافي سواء لإطعامهم أو المذاكرة لهم أو حتى الاهتمام بأولوياتهم، حيث أسلوب التخويف يرتبط بانشغال الأهل وعدم وجود الوقت الكافي لإيلاء الاهتمام بالاحتياجات النفسية للطفل.
فماذا يقول الأخصائيون والخبراء في مجال الطفولة؟
وما هي آثار التخويف في الصحة النفسية وحتى الجسدية للطفل؟ وما هي البدائل التي يمكن اعتمادها لإبعاد أبنائنا عن النتائج الكارثية لهذا السلوك؟
لماذا يلجأ الأهل إلى أسلوب التخويف أو الترهيب؟
تجد شهيرة سامي، أخصائية تعديل سلوك ومديرة مركز «أنا وطفلي» للتدريب وتنمية المواهب والمهارات، أن البناء النفسي هو أهم بناء في حياة الطفل «تكمن الخطورة في تحميل الطفل عبئاً نفسياً خلال فترة نمو الدماغ نتيجة التخويف، ما يؤثر في قدراته في التعليم وقدراته العقلية ومهاراته».
تروي «ثمة فتاة كانت تشكو من اضطرابات شهية وتعاني وجعاً في معدتها وخضعت لكافة الفحوص ولم يتبين شيء حيث وصلت إلى مرحلة جفاف، وتبين أنه عارض نفس جسماني. فأثناء تطبيق استراتيجية العلاج باللعب معها في المركز، كان ثمة ركن للمطبخ وكان عليها القيام بواجب الضيافة ولكنها بدأت تردد أنها ستعد طعاماً منزلياً ولن تأتي بوجبات جاهزة لأن الوجبات تولد دوداً في البطن وتبين لاحقاً أن أهلها عمدوا إلى اطلاعها على دود في إحدى وجبات «ماك» وعلى فيديو يوضح الصورة لمنعها عن تناول الوجبات السريعة، ما انعكس خوفاً من تناول الطعام وباتت تعاني حملاً عصبياً وترغب بالتخلص من كل ما تناولته من وجبات جاهزة، دون قدرتها على التعبير عن مخاوفها وانفعالاتها».
قد يعمد الأهل إلى التخويف دون تلمس الآثار النفسية السلبية على الطفل من اضطرابات قلق، اضطرابات نوم واضطرابات في الشهية وكوابيس وفقدان القدرة على اتخاذ القرارات وضعف الثقة بالنفس، إلى مشكلات في النطق والتأتأة (اضطراب في طلاقة الكلام ) نتيجة الترهيب من الأهل والذي ينتج عنه أيضاً أزمة في العلاقات بين الأهل والأبناء وارتباط غير آمن بأشخاص آخرين.
ما الوسائل البديلة لهذا التخويف التي قد تساعد في تقويم السلوك «حبياً»؟
توضح شهيرة سامي، أخصائية تعديل سلوك أن ثمة وسائل بديلة يمكن اللجوء إليها:
أساليب التهديد في التربية ومخاطرها على نفسية الطفل
تتوقف ماريان يوسف إبراهيم، أخصائي نفسي أطفال واستشاري علاج أسري وتربوي وتربية جنسية، عند أساليب التهديد في التربية ومخاطرها على نفسية الطفل لكونها «تسبب تشويهاً نفسياً ومنها المواقع التي يتم تنزيلها لمواقع الشرطة و«تعال خد فلانة» أو أساليب التهديد اللفظي التي تتسم بحدة شديدة في الكلام كأن "أحبسك" و "أضعك في غرفة الفئران"، وهو تهديد بالمجهول أو أساليب تحمل تهديداً عنيفاً، «أذبحك» أو «أقطع ايدك»، وهذا يؤثر في الفئة العمرية بين سنتين إلى 8 سنوات كونه يفهم الكلام حرفياً ويتوهم أن الأم ستذبحه فعلاً، ما يشكل اهتزازاً في الكيان النفسي للطفل».
توضح «هذا التشويه النفسي يفقد الطفل ثقته بنفسه وبمن حوله باعتبارهم مصدر تخويف، ما يولد لديه انطوائية وعدوانية تجاه الآخر فنراه لا يرغب بالمشاركة في أي نشاط أو على النقيض قد يشارك ولكنه يتسم بطاقة عنف ويستخدم الأسلوب نفسه الذي يستخدمه معه والداه. والتشويه النفسي يؤدي لاحقاً في عمر الـ10 إلى 12 عاماً إلى تمرد كونه يعي أن هذه الأساليب غير حقيقية ويبدأ سلوكه يتشوه ويشرع بتجربة أشياء ممنوعة كنوع من التمرد كالتدخين أو مشاهدة الأفلام الإباحية، ويكون أكثر ميلاً لارتكاب الخطأ»، مشيرة إلى أن «الأهل يستسهلون أسلوب التربية بالتهديد كون بعضهم لا يرغب ببذل طاقة ومجهود إضافيين في التربية ويعمدون إلى الترهيب من باب (تكبير الدماغ)».
فما البدائل عن التخويف؟
تورد الأخصائية النفسية عدّة بدائل قد تكون منفذاً للابتعاد عن منطق التخويف:
متى نحتاج لتدخل طبي؟
يصف الدكتور عمرو إسماعيل محمد، أخصائي طب الأطفال وحديثي الولادة، أسلوب التهديد والوعيد والتخويف لإجبار الأطفال على تنفيذ ما يطلب منهم دون إبداء مقاومة بـ«الأسلوب غير المرغوب به لأنه يؤدي إلى أعراض سلبية على شخصية الطفل أو على أدائه وثقته بنفسه وحتى يؤدي إلى أعراض عضوية غير مرغوبة تكون ذات خطورة على صحة الطفل الجسدية، النفسية أو الفكرية».
يشرح «هذا الأسلوب يفقده الثقة بنفسه ويشعره بالتوتر على الدوام ويجعله غير مؤهل للاعتماد على نفسه أو يكون مسؤولاً عن قراره أو تفكيره السليم في قرار ما، وهذه الناحية السلوكية والنفسية تؤدي إلى أعراض جانبية ومنها ما يسمى بـ «الأزمات العصبية» لدى الأطفال بحيث يكون طفلاً متوتراً ويؤدي به إلى التلعثم في الكلام أو التأتأة أوالخوف غير المبرر وفي بعض الأحيان تصل لدرجة معاناته من أعراض وعلامات عضوية مرضية مثل التبول اللاإرادي والتبرز اللاإرادي، جراء الخوف الذي يصل إلى درجة الرعب».
يأسف د.إسماعيل أن «يصل سلوك بالأهل إلى حد معاناة الطفل من أمراض خطيرة لا يعلم عاقبتها إلا الله ويتطلب الأمر تدخلاً طبياً أو جراحياً ضرورياً أو عاجلاً وحتى يتطلب جلسات علاج طبيعي وعلاج نفسي».
يقول «هذا السلوك من قبل بعض الأمهات والآباء غير مبرر تماماً. فالطفل كائن رقيق جداً ويتأثر بكل ما حوله وبالبيئة المحيطة به وبطرق التربية والسلوكيات حوله وهذا ينعكس لاحقاً على صحته الجسدية والنفسية والذهنية والفكرية، ما يتطلب جهداً كبيراً في تغيير هذا النمط الضار وعلاجه بطريقة سليمة ومواجهته بالتعليم والوعي بالعواقب الوخيمة لهذا النمط من التربية على صحة الطفل سلوكياً ونفسياً وجسدياً وذهنياً لينعم بحياة صحية سليمة وتنشئة سلوكية قويمة».
تخويف الأطفال في التراث الإماراتي
اختلفت أساليب التخويف بين الأمس واليوم. راهناً، دخلت التكنولوجيا إلى ساحة التخويف رغم الوعي القائم، بيد أن التراث ينضح بشخصيات عدة تمثل «البعبع» للأطفال.
تستقي الدكتورة بدرية الحولة الشامسي، أول إماراتية دكتوراه في علم التراث، من التراث نماذج تخويف «في الماضي، كان التخويف قائماً حيث كانت تسرد بعض القصص الخرافية للأطفال لمنعهم من الخروج وقت الظهيرة بترهيبهم، بظهور «حمارة القايلة» وتصويرها على كونها كائناً يتواجد عند الظهيرة على شكل حمار وبرجلي إنسان ويمكن أن يقوم بخطف الأطفال، أو الاستعانة بـ «أم الدويس» وهي شخصية خرافية لامرأة جميلة من الجن تتمتع بجمال أخاذ ورائحة زكية وتلاحق الرجال وما إن يفتتن بها أحدهم ويلاحقها، تقوم بقتله بطريقة بشعة» تذكر الشامسي أنه «حتى الثمانينات، كانت عادة تخويف الأطفال من قبل الأمهات قائمة وحتى كن يذكرن أسماء مخيفة لأطفالهن في حال عدم القيام بعمل معين. فبعض النساء في الفريج كن يخفن أطفالهن بامرأة قبيحة ومناداة اسمها في حال عدم تناول الطعام أو الذهاب للنوم مبكراً، وحتى عند فطام الطفل، كن يلجأن إلى تلوين ثدي الأم بلون أسود ليمتنع الطفل عن الرضاعة».