يثير انحياز الطفل نحو أحد الوالدين بشكل أكبر عن الآخر تساؤلات كثيرة وقلقاً كبيراً لدى الطرف الآخر حول سبب هذا التفضيل.. فما هي الأسباب الكامنة وراء شعور الطفل بالارتباط العميق تجاه والد دون الآخر؟ وكيف يمكن تعزيز علاقة صحية ومتوازنة بين الطفل وكلا الوالدين لضمان استقرار الأسرة وسلامتها النفسية؟
هذه تساؤلات تجيبنا عنها أخصائي التربية وتعديل السلوك، فيروز محمد الغنما، التي تشبه الوالدين بطرفي البوصلة التي يشير كل واحد منهما إلى اتجاه مختلف، كلما حاول الطفل اتباع أحدها حاول الآخر جذب انتباهه أكثر، مشيرة إلى أن الميل العاطفي للطفل تجاه أحد الوالدين ناتج عن مجموعة من العوامل والأسباب، منها الاحتياجات العاطفية، الأساليب التربوية، البيئة المحيطة، والعوامل المادية على هذه العلاقة، بالإضافة إلى تأثير الانفصال والعلاقات الجديدة على مشاعر الطفل.
تشرح الغنما «تلبية الاحتياجات العاطفية للطفل تعد من العوامل الأساسية التي تؤثر في ميوله العاطفية تجاه أحد الوالدين، حيث يعتمد الطفل بشكل كبير على والديه للحصول على الدعم العاطفي والاستقرار النفسي منذ ولادته وحتى مرحلة المراهقة، هذه الاحتياجات تشمل الشعور بالحب، التقدير، الأمان، والتوجيه، وعندما يقوم أحد الوالدين بتلبية هذه الاحتياجات بشكل أفضل من الآخر، يتطور لدى الطفل شعور بالارتباط العاطفي القوي تجاه هذا الوالد، في ما يؤثر عدم قدرة أحد الوالدين على تلبية هذه الاحتياجات بسبب الانشغال أو التوتر، على شعوره وإحساسه بوجود فجوة في علاقته بهذا الوالد، ويدفعه للبحث عن الإشباع العاطفي عند الآخر الذي بدوره سيعمل على تقديم الاهتمام الكافي».
احتياجات عاطفية ضرورية للطفل
تقدم الغنما بعض الأمثلة على تلبية الاحتياجات العاطفية الضرورية التي يقدرها الطفل:
- الاستجابة في اللحظات الحرجة: إذا تعرض الطفل لمشكلة وكان أحد الوالدين يستمع له ويدعمه، سيشعر بالميل نحوه، وعلى النقيض، إذا تجاهل الوالد الآخر هذه المواقف، قد يتجنب الطفل طلب الدعم منه.
- التواصل العاطفي المستمر: عندما يتحدث الطفل عن مشاعره أو مواقفه اليومية، فإن الوالد الذي يستمع ويدعمه بتوجيهات متفهمة يكون تأثيره أكبر على الطفل الذي بدوره سيتعلق به.
- التقدير والثناء: تبرز حاجة الطفل إلى الشعور بأنه مقدّر ومرغوب فيه، وإذا ما كان أحد الوالدين يقدم الثناء والتقدير بشكل متوازن، فإن ثقة الطفل بنفسه تتعزز وتصبح علاقته العاطفية بهذا الوالد أعمق.
تشير الغنما لدور الأساليب التربوية في تحديد ميل الطفل نحو أحد الوالدين بناءً على احتياجاته العاطفية وتجربته الشخصية، وتقول: «يوفر الأسلوب الحازم الذي يتبعه أحد الوالدين، القائم على قواعد واضحة تُنفذ بثبات، شعوراً بالأمان والاستقرار لبعض الأطفال الذين هم بحاجة لحدود واضحة، بالمقابل يميل الأطفال الذين يبحثون عن مساحة كافية للتعبير عن مشاعرهم نحو الوالد المرن المتسامح الذي يوفر حرية أكبر له للتعبير عن نفسه».
أسباب من خارج المنزل
في عالم يتسم بالتعقيد والترابط، يمكن أن يكون تأثير البيئة المدرسية والأصدقاء والأقارب على ميل الطفل نحو أحد الوالدين غير مرئي ولكنه قوي للغاية، تتوقف أخصائي التربية وتعديل السلوك، عند كل ذلك، وتبين «لا ينحصر دور المدرسة على التعلم، بل هي المساحة التي يمكن أن يتفاعل فيها الطفل مع معلميه وزملائه، والطفل الذي يتلقى دعماً من معلميه أو يشعر بالإنجاز نتيجة مساعدة تلقاها من أحد والديه في دراسته، يميل نحو الوالد الذي تلقى منه الدعم». تكمل «في ما يشكل الأصدقاء مرآة لتجارب الطفل، يمكن أن يؤثر حديث الأصدقاء عن تجاربهم الإيجابية مع آبائهم على نظرة الطفل لعلاقته بوالديه، وقد يشعر الطفل بالضغط لتقليد ما يراه من أصدقائه أو يميل نحو الوالد الذي يوفر له تجربة اجتماعية مماثلة، كما يكون للأقارب بدورهم تأثير غير مباشر لكنه في نفس الوقت ملحوظاً، على سبيل المثال عندما يظهر الأقارب دعماً لوالد معين، يمكن أن يعزز ذلك ارتباط الطفل بهذا الوالد».
تركز الغنما على عوامل أخرى مختلفة تؤثر في علاقة الطفل بوالديه «في الكثير من الأوقات تكون الحالة الاقتصادية قوة خفية توجه مشاعر الطفل نحو أحد والديه، وتلبية احتياجات الطفل، مثل شراء الهدايا وتحسين جودة الحياة، مكافآت ملموسة تعزز ميل الطفل نحو الوالد الذي يوفر هذه الامتيازات، كما يظهر ميل الطفل نحو جانب دون الآخر بشكل كبير أيضاً عند انفصال الوالدين أو دخول أحدهما في علاقة جديدة، بسبب القلق أو الخوف من فقدان أحدهما، وغالباً ما يميل نحو الوالد الذي يمنح شعوراً أكبر بالأمان والاستقرار، بينما تثير العلاقات الجديدة لأحد الوالدين الإحساس بالغيرة أو الخوف من التغيير، بسبب إحساسه بابتعاد الطرف المنشغل بتكوين علاقة جديدة فيصبح الآخر المصدر الوحيد للدعم والاهتمام بالنسبة له».
نصائح للوالدين لتعزيز العلاقة مع الأبناء
للحفاظ على علاقة متوازنة بين الطفل وكلا الوالدين، توصي فيروز الغنما الوالدين بـ:
- تعزيز التواصل المستمر مع الطفل، ومنحه المساحة الكافية للتعبير عن مشاعره.
- تقاسُم الوالدين المسؤوليات اليومية في تربية الطفل بشكلٍ متساوٍ، ما يمنحه شعوراً بوجود الوالدين أو كلاهما لدعمه.
- التوافق على الأساليب التربوية وتجنب المنافسة على حب الطفل من خلال الهدايا أو التساهل المفرط.
- العمل على منح الطفل الشعور بالحب والاستقرار من خلال تقديم الدعم العاطفي بشكلٍ متساوٍ ومستمر.