في عصر تسيطر فيه الضغوط اليومية على الأسر، يأتي دور الطبيعة، كعامل أساسي، في تعزيز تواصل الأطفال مع أنفسهم، ومع العالم المحيط بهم، حيث تشير الأبحاث إلى أن التفاعل المباشر مع البيئة الطبيعية يُسهم في تقليل التوتر، وتحسين الحالة المزاجية لدى الأطفال، إضافة إلى تعزيز مهاراتهم، الحركية والاجتماعية.
ولكن، كيف يمكن للأهل دعم أطفالهم في تعزيز هذا التفاعل، خصوصاً في بيئة مثل الإمارات، حيث الطقس الحار قد يكون عائقاً؟ تقدّم الدكتورة راما كنج، أخصائية علم نفس تربوي، نصائح عملية للأهل حول أهمية الطبيعة، وتأثيرها الإيجابي في الأطفال، قائلة «أظهرت الأبحاث أن التفاعل مع الطبيعة يقلّل من مستويات التوتر عند الأطفال، ويعزّز من راحتهم النفسية. فعندما يقضي الطفل وقتاً في الهواء الطلق، سواء في الحدائق أو الشواطئ، فإننا بذلك نمنحه فرصة للّعب بحرية، ما يقوّي مهاراته الحركية، ويشجعه على التفاعل الاجتماعي».
وتوضح «الطبيعة تسهم في تحقيق توازن نفسي للأطفال، إذ يساعدهم الهدوء المحيط بهم على التركيز، بشكل أفضل، في مشاعرهم، وفي التعامل مع التحدّيات التي يواجهونها بطريقة أكثر هدوء». وتشير د. كنج إلى أن الأطفال الذين يعانون اضطرابات، مثل فرط الحركة أو الاكتئاب، قد يستفيدون، بشكل كبير، من قضاء الوقت في الطبيعة، لقدرتها، (أي الطبيعة)، على تهدئة العقل، وتحفيز الحواس «عندما يصبح الطفل أكثر هدوءاً، يكون أكثر قدرة على التركيز، والتحكم في مشاعره، وهذه فرصة ذهبية للأهل للحدّ من تعرّض أطفالهم للتكنولوجيا، والشاشات التي قد تؤثر سلباً في سلوكهم وتفكيرهم».
من بين التجارب الفريدة التي تسهم في تعزيز تواصل الأطفال مع الطبيعة، شاركت د. كنج بتجربة مع مجموعة من الأطفال، وبرزت «سي وورلد» -جزيرة ياس في أبوظبي، كمثال حيّ «طلبنا من الأطفال رسم البحر قبل زيارتهم «سي وورلد»، فكانت الرسومات سطحية، تظهر البحر والرمل، وبعض الأفراد يلعبون على الشاطئ. ولكن بعد زيارتهم لتلك الوجهة الخاصة بالحياة البحرية، تغيرّت الرسومات تماماً، وبدأت تظهر فيها كائنات بحرية، مثل الأسماك، نجم البحر، قنديل البحر، وحصان البحر».
وتنعكس تأثيرات الطبيعة في رسوماتهم عبر ألوان، وكائنات جديدة، والإبداع في الأفكار، ومحاكاة تفاصيل دقيقة رصدوها من الطبيعة، سواء عند رسم الأحياء البحرية، أو الأشجار، والشواطئ، وغيرها.
تجربة التّماس مع الكائنات البحرية غيرّت مفهوم الأطفال عن البحر، والمحيطات، تشرح د. كنج «هذه التجربة جعلتهم يتفاعلون، بشكل أعمق، مع الكائنات البحرية التي قد لا تتاح لهم فرصة للتعرف إليها إلا من خلال الكتب، أو الأفلام الوثائقية. فالتفاعل المباشر مع كائنات مثل البطاريق، والدلافين، وأسماك القرش، يمكّن الأطفال من استكشاف عالم جديد، لم يكونوا ليتعرفوا إليه لولا وجود أماكن مثل سي وورلد، وغيرها من وجهات الأحياء البحرية في الدولة».
وفي ما يتعلّق بالأطفال الذين يعانون «فوبيا» الماء، أو السباحة، توضح د. راما أن زيارة أماكن مماثلة يمكن أن تساعدهم على كسر حاجز الخوف «عندما يتفاعل الأطفال مع الكائنات البحرية في بيئة إيجابية واجتماعية، فإنّ ذلك يساعدهم تدريجياً، على التغلب على مخاوفهم، ويتعلمون رؤية الماء بطريقة أكثر إيجابية»، موجّهة النصح للأهالي بجعل الطبيعة جزءاً أساسياً من يوميات، وحياة أطفالهم.
كيف يمكن للأهل تعزيز تواصل أطفالهم مع الطبيعة؟
قد يواجه الأهل في الإمارات تحدّيات تتعلّق بالطقس الحار الذي قد لا يسمح بقضاء الكثير من الوقت في الخارج. ومع ذلك، تؤكد د. كنج أن التفاعل مع الطبيعة يجب أن يكون من الأولويات في حياة الأطفال «من المهم أن يجد الأهل وقتاً، خلال الأسبوع، ليأخذوا أطفالهم إلى الطبيعة، حتى لو كان ذلك مرة واحدة في الأسبوع، فإن هذه الفرصة تكفي لتعزيز ارتباط الأطفال بالطبيعة، ومنها الأماكن المفتوحة، مثل الشواطئ، الحدائق، أو المزارع التي تضم حيوانات، وهي أمثلة رائعة لتجارب بسيطة وفعّالة، في آن واحد».
وتضيف «لا حاجة لأن تكون الأنشطة الخارجية مكثفة، إذ يكفي مشوار عائلي واحد، في الأسبوع، إلى مكان طبيعي يمنح الطفل مساحة للّعب والاستكشاف. فهذه الأماكن، منها مناطق الأحياء البحرية، توفر تجربة تعليمية وحسيّة مثالية، لتعميق فهم الأطفال للعالم البحري، وتعزّز فيهم مشاعر التعاطف، والفضول نحو الكائنات البحرية».
ما الفوائد التي تقدّمها الطبيعة لأطفالنا؟
تحدّد الأخصائية النفسية ثمار تواصل أبنائنا مع الطبيعة:
- مساعدة الأطفال على التعامل مع التحديات اليومية بطريقة أفضل، سواء تتعلق تلك التحدّيات بالمدرسة، الأصدقاء، أو العائلة.
- منح الأطفال مساحة للتفكير بهدوء.
- وسيلة للترفيه عن النفس.
- تطوير مهاراتهم الاجتماعية والذهنية، وتعزيز صحتهم النفسية.
- إعادة تنظيم أفكارهم، وتقييم المواقف، والتفكير فيها من زوايا مختلفة.
- استكشاف العوالم من حولهم بشكل أعمق، وتحفيز الفضول داخلهم.
- التعاطف مع البيئة والكائنات الحيّة.
* تصوير: محمد السماني