مرحلة المراهقة من أكثر المراحل تحدّياً في حياة الأُسر، حيث تشهد تلك الفترة الكثير من التقلّبات، ويقف فيها المراهق في مواجهة تغيّرات، جسديّة وعاطفيّة، وحتى تغيّرات في منهجية التفكير.
هذه المرحلة تتطلب التعامل بفهم عميق، ومعرفة شاملة، واستراتيجيات مدروسة من الآباء والأمّهات، بحسب سلمان المشعل، خبير إعداد القادة، والذي أمضى سنوات طويلة من الخبرة في تدريب القيادة مع الأطفال، والمراهقين، والوالدين، في العديد من دول العالم.
يعرّف المشعل كلمة المراهق بكونها «ليست مأخوذة من الإرهاق، وهو التعب، ولكن مأخوذة من راهَق، أي اقترب، وهي مرحلة اقتراب الإنسان من الرّشد والنضج، أو اقترابه من الاحتلام»، مؤكداً إمكان الآباء تخطّي هذه المرحلة بنجاح، في حال استخدام استراتيجيات تتسم بالصبر، والتفهم، والقدرة على الاستماع الجيد، وليس الشعور بالإرهاق، إذ «من الضروري أن يدرك الأهل أن المراهق في حالة اكتشاف الذات، ويحتاج إلى توجيه ودعم، بدلاً من النقد، أو السيطرة الزائدة، والتواصل الفعّال معه من دون الحكم المسبق».
يوضح «تتسم هذه الفترة بتغيّرات، جسديّة وعاطفيّة، كبيرة، ما يجعلها مُرهِقة، ليس للمراهقين أنفسهم فقط، بل أيضاً للآباء والأمّهات الذين يشعرون، أحياناً، بالحيرة، أو الإرهاق، بسبب تقلّبات المزاج المفاجئة، أو السلوكات الجديدة التي تظهر لدى أبنائهم المراهقين».
من طفل إلى مراهق.. تغيّر كبير
فأين تكمن المشكلة؟ ولماذا يتحوّل الطفل الصغير اللطيف، فجأة، إلى شخص لا تكاد تعرفه، صعب التعامل معه؟
يروي المشعل «في القرن الثامن عشر، انتشر مرض يسمى «حمّى النفاس»، حيث كانت المرأة تُولّد، وتموت بعد 48 ساعة، ودمّر هذا المرض أوروبا لمدة قرن، وتعدّت نسبة الوفيات في المستشفيات 70% بسببه، وحاول الأطباء معرفة سبب موت النساء، فكانوا يشرّحون الجثث صباحاً، ويقومون بتوليد النساء في فترة بعد الظهر، ولكن المشكلة لم يتمّ حلّها حتى ظهَر «أوليفر وندل هولمز»، وقال لهم «كل الأطباء الذين كانوا يقومون بعمليات التشريح في الصباح لم يكونوا يغسلون أيديهم قبل توليد النساء».
في ذاك الوقت، قال لهم «أيها الأطباء أنتم المشكلة»، فتجاهلوه، وقالوا عنه مجنون. وبعد مرور 30 عاماً، جاء طبيب آخر، وقال للأطباء «عندما تعقّمون أيديكم، سوف يختفي المرض»، وسمع هذا الجيل كلامه، وبدأوا بتعقيم أدواتهم، وغسل أيديهم، فاختفى المرض، وتوقفت الوفيات».
هذا المثال يعكس، وفقاً للخبير المشعل، أنّه في بعض الأحيان «قد تكون أنت المشكلة» عندما لا تدرك كيف يؤثر سلوكك في الآخرين، وهو ما يحدث أحياناً في تربية المراهقين.
ويرسي توجهاً نحو «كن المربّي المحترف، ولا تكن المربّي المحترق. فالمربّي المحترف يدرس ويخطط ليحقق تربية ناجحة، في حين أن المربّي المحترق يحرق نفسه بتجارب خاطئة، غالباً ما تكون آثارها سلبية».
المباديء الأساسية للمربي المحترف
يرتكز مثلث المربّي المحترف على:
- الاسترخاء
- العلاقة الإيجابية
- الصبر
يشرح المشعل «بسبب النظرة السلبيّة، يمرّ الآباء والأمّهات بحالة توتر، ويردّدون «ابني مرهق... عندي مراهق... في بيتي مراهق»، متناسين أنّ التوتر هو العدوّ اللدود للتربية، ومن المهم أن يواجه الآباء مرحلة المراهقة بالصبر والتفهم، وبالتواصل، والمشاركة، والاحترام، ليستطيعوا تحويل هذه المرحلة إلى تجربة غنيّة، وبنّاءة».
تكمن عقدة العلاقة بالمراهق في أنّه يتصرف أحياناً كما يتصرف الأطفال، ونحتاج أن نتعامل معه كما نتعامل مع الراشدين
يورد المشعل القاعدة الذهبية «إذا أردت أن ترى التغيير في أبنائك، فيجب أن تبدأ التغيير في نفسك».
فلا بدّ من التنبّه لهذه المعادلات:
- حماية زائدة +عدم تحمّل المسؤولية = اتّكالية.
- قسوة + تحميل مسؤوليات فوق طاقته= شخصية متردّدة.
- خويف + انعدام الحوار الهادئ = ابناً يكذب.
ما هي المشاكل الطارئة للمراهقين؟
لا بد من تشريح المشكلات التي تطرأ على فئة المراهقين، وهي:
- الطاقة الجنسية.
- الرغبة في مخالفة التيّار.
- الاستقلالية التامة.
- التدخين.
- تجربة تعاطي المخدّرات
- التعرّف إلى الجنس الآخر.
- الكذب.
- السرقة.
- الشذوذ.
- التحدّي والتمرّد
ولكن، ما الذي يحتاج إليه المراهق للوقاية من تلك المشكلات؟
يجيب المشعل «المراهق يحتاج إلى مرشد، وموجّه، وصديق، أكثر من حاجته إلى أيّ شخص آخر، والعلاقة الإيجابية هي مفتاح النجاح مع المراهقين، بحيث تشكّل التربية 70% علاقة إيجابية، 10% بناء ثقة، 10% تعزيز السلوك الإيجابي، و10% تعديل السلوك السلبي».
المبادئ الأساسية للتعامل السليم مع المراهق
أما المبادئ الأساسية التي ينادي بها المشعل لتربية المراهقين لتحويل مراهقة ابنك من المعاناة إلى المتعة، فتستند إلى:
- التخلّص من الوصاية إلى الرعاية
- الانتقال من التهميش إلى المشاركة
- الانتقال من التشكيل إلى التنمية
- تحويل المراقبة الصارمة إلى الحرية المسؤولة
- الانتقال من الخوف عليه إلى الثقة به
كما لا بدّ من التنبه لثلاثة أمور نغفلها لجهة:
1- نسيان كيف كنّا في سنّهم
2- مراهقة القرن الـ21 كغيرها
3- هل المراهق بقايا طفولة أم شاب ناضج؟
يخلص المشعل إلى أن «المراهق لا يُعامل باعتباره بقايا طفولة، نمارس عليه الوصاية، ولا يُعامل باعتباره إنساناً ناضجاً نعامله كالناضج، فالمراهقة هي مرحلة مؤقتة، وعابرة، وانتقالية، والسلوك فيها لا يستمر مع المراهق طوال حياته، فقلّل من الخوف، والحرص الشديد، واليوم الذي تزرع فيه البذرة ليس هو اليوم الذي تحصد فيه الثمرة».