بينما يهادن العالم ذلك العدو الخفي «فيروس كورونا المستجد» الذي أوقف فعالياته وعلق نشاطاته، تواصل الشارقة نشاطها الإشعاعي المعرفي، منارةً ثقافيةً حيةً لا يثنيها عن أهدافها التنويرية ما يحيق بالعالم من أوبئة وتحولات.
وها هي الشارقة تجمع العالم تحت قباب إكسبو الزرقاء، داعيةً إياه لمغادرة قلقه باتجاه المعرفة، وها هو «العالم يقرأ من الشارقة» يتبدى شعاراً جلياً على أرض الواقع ومعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ39 الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب، حيث يشرع أبوابه أمام مرتاديه في التاريخ عينه كما كل عام دون تأخير وفي رسالة تحد وأمل نابضة بالتفاؤل تثمن قدرة الكلمة على مواجهة تحديات الواقع.
«العالم يقرأ من الشارقة» ليس مجرد شعار
ووسط تدابير احترازية ووقائية من «كورونا»، واكب معرض الشارقة للكتاب أيام انعقاده مع ما يزيد على 80 ألف عنوان جديد من إصدارات 1024 ناشراً من 73 دولة ومشاركة 60 كاتباً ومبدعاً عربياً وأجنبياً ومئات الفعاليات، في رحلة معرفية تبدأ من رفوف أجنحة الناشرين وتستمر عبر قاعات الأمسيات واللقاءات الفكرية وصولاً إلى النقاشات الافتراضية والتفاعل عن بعد بين جمهور المتابعين والأنشطة الرقمية.
لم يستطع «كورونا»، الذي أرهق العالم، أن يوقف الشارقة عن الاحتفال بعرسها الثقافي السنوي الذي لا يتأخر في الاحتفال بالثقافة العربية والعالمية، مؤكدة أن الحرف الذي خرج من شرقنا إلى العالم قادر على جمع العالم حوله في الشرق مجدداً، وفي الشارقة تحديداً.
يأتي معرض هذا العام محملاً بقيمة إضافية على قيمته الفكرية وهي إرادة المعرفة والحضور، حضور الثقافة والانتصار للإنسان والوعي في مواجهة «كورونا»، بما تحمله من هواجس التباعد والانكفاء والغياب.
وفي هذا السياق، يؤكد أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، أن معرض الشارقة للكتاب هو «أول معرض تجاري ينظم على مستوى العالم وليس كمعرض كتاب فقط، حيث أن معرض الشارقة الدولي للكتاب والإمارات عموما يضعان اليوم معايير صناعة المعارض عالمياً»، مثنياً على الإقبال المتميز والفريد من نوعه، وهو «إقبال يعزز من مكانة دولة الإمارات ومن مكانة صناعة النشر على مستوى العالم كما يبلور دور الشارقة كركن أساسي في صناعة الكتاب على مستوى العالم و«العالم يقرأ من الشارقة» ليس مجرد شعار».
التدابير الاحترازية في معرض الشارقة الدولي للكتاب:
- في أرجاء المعرض، تتبدى مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي مع مسافة أمان قدرت بمترين مع الطلب بارتداء الكمامات طول الوقت
- مرشدو السلامة في الإدارة العامة للدفاع المدني بالشارقة، وجلهم من العنصر النسائي، يتلقون التعليمات حول توزعهم على صالات المعرض وتطبيق إجراءات السلامة، وسط تعقيم قاعات وردهات وأروقة المعرض لـ 5 ساعات يومياً.
- حجم الإقبال محكوم ومسيطر عليه من خلال تخصيص نظامٍ إلكترونيٍ ذكيٍ لإدارة وتنظيم الزيارات للمعرض ودور النشر على أربع فترات خلال اليوم، حيث سيتم منح الزوار (سوار) بألوان مختلفة تحدد فترة تواجدهم في المعرض بناءً على تسجيلهم عبر الموقع الإلكتروني، مع إمكانية تمديد فترة بقائهم في المعرض من خلال الموقع.
مرشدات السلامة العامة من الدفاع المدني بالشارقة
يثني اللواء سيف الزري الشامسي، القائد العام لشرطة الشارقة، على إقامة هذه التظاهرة الثقافية وسط احترازات وإجراءات وقائية مميزة «أثبتنا للعالم قدرتنا على مواجهة كل التحديات من خلال استمرار معرض الكتاب وفق الجدول المعد له سنوياً. لقد تم تنفيذ البرنامج المعد بفضل الجهود المميزة لهيئة الشارقة للكتاب التي أعطت الأولوية للتدابير الاحترازية واستقدام المعدات التي تساعد على التأكد من سلامة المرتادين، وهذا ما تلمسناه من خلال الزيارة الميدانية».
المشاركة ليست محلية، وهذا التحدي الأكبر حيث يعلق الشامسي أن «هذا الأمر يواكب الأجندة التاريخية للمعرض، حيث مشاركة دور النشر من خارج الدولة ووسط هذه الظروف الاستثنائية عنصر نجاح إضافي للمعرض».
اللواء سيف الزري الشامسي، القائد العام لشرطة الشارقة مع أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب
إصدارات جديدة رغم أنف «كورونا»
بالتأكيد، كانت الصورة مختلفة قبل عام تحديداً، إلا أنه يمكن القول إن انعقاد المعرض وسط هذه الظروف الاستثنائية ووسط موجات «كورونا» المنتشرة في عدد من بلدان العالم، يعتبر رسالة حياة.
لدور النشر وجهة نظرها في تلك المشاركة حيث تحديات الواقع الجديد كما للجمهور المشارك.
تلفت هيا القاسم، مسؤولة الجناح عن دار كتاب، إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية حتى في المساحة بين دور النشر والجمهور، مؤكدة أن مشاركة دور النشر في المعرض وبهذه الكثافة تواكب تحدي الظروف الراهنة ومع 20 إصداراً جديداً لدار «كتاب».
يرتبط كل هذا المسار بالأمل «قطاع النشر لا يمكن أن يموت ونجتهد لمواكبة وعي شعوبنا بالقراءة حيث إن الحجر خلال «كورونا» عزز المنحى القرائي و«قوى قلبنا» لإصدارات جديدة».
من جهته، يؤكد عصام أبو حمدان، مدير دار الساقي للنشر والتوزيع (من لبنان)، أن «معرض الشارقة للكتاب هو نافذة أمل ونوع من التحدي، ومشاركتنا بنحو 35 إصداراً جديداً تبلور وقوفنا مع هيئة الشارقة للكتاب في هذا التحدي بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة، ولا سيما أن معارض كتب كثيرة لم تنظم هذا العام تحت وطأة جائحة «كورونا».
لا شيء يمكن أن يوقفنا، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب هو رسالة تفاؤل من كل الجهات المشرفة
ويبدو التفاؤل سمة توشم معظم المشاركين في المعرض. ابتسام بوحية، مديرة دار قهوة للنشر، تتعامل مع الوضع بشكل طبيعي «لا شيء يمكن أن يوقفنا، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب هو رسالة تفاؤل من كل الجهات المشرفة على إقامة المعرض إلى دور النشر التي دخلت التحدي وكذلك الجمهور».
هذا التحدي هو سر النجاح، تلفت بوحية، لافتة إلى إصدار نحو 100 عنوان جديد يلبي احتياجات كل الفئات.
يصف عبدالحميد أبو النصر، إعلامي، معرض الشارقة الدولي للكتاب بـ«الرمز وأحد أهم ثلاثة معارض كتب على مستوى العالم»، معتبراً أن «إقامة المعرض في هذه الظروف الراهنة يشكل تحدياً كبيراً قامت به هيئة الشارقة للكتاب بفضل ودعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، راعي الثقافة والعلم».