يعد سوق خورفكان القديم، أو كما عرف سابقاً بـ «سوق الشرق»، من أقدم وأشهر الأسواق الشعبية في مدينة خورفكان الذي شهد تطوراً وتسارعاً تزامن مع الحركة التجارية التي شهدتها المنطقة ونهضة قيام اتحاد دولة الإمارات، لقربه من ميناء خورفكان ، ما جعله مركزاً للنشاط الاقتصادي في المدينة تتم فيه عمليات بيع وشراء كافة السلع والمنتوجات سابقاً وأهم الواجهات الشعبية والتراثية التي أصبحت محل اهتمام السياح والمقيمين والمواطنين الذين يستعيدون بزيارته ذكريات الزمن الجميل، تتعرف من خلاله الأجيال الجديدة إلى ماضيها وتراثها القديم.
تجسدت أهمية السوق في موقعه المحاط بالقلاع والحصون الأثرية الممتدة لمئات السنين وارتباطه بميناء خورفكان وحركة السفن التجارية التي جابت المنطقة، حيث شهدت حركة تجارية واسعة في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي سمحت لغالبية أبناء خورفكان من ممارسة مهنة التجارة، الذين تخصصوا في بيع السلع التي احتاجتها المنطقة من الأرز والسكر والملح والأخشاب والتمر بأنواعه والقهوة والتوابل والأقمشة النسائية والرجالية والطحين والنارنج والمكسرات وجميع الأدوات التي تدخل في صناعة السفن وصيانتها وتصدير سلع أخرى، والتجارة مع القرى والمناطق الجبلية القريبة من المدينة وبعض القرى التابعة لسلطنة عمان حيث كانت تجلب المزروعات والتمر والمانجو بينما كان يتاجر أهالي المناطق الجبلية بحطب السمر والسخام الذي كان يعالج ويستخدم في الطهو والتدفئة، ولأهميته الاقتصادية وارتباطه بأرزاق الناس خصصت له مجموعة من النواطير يتناوبون على حراسته ليلاً.
شهد السوق بداية بسيطة بـ 5 أو 6 محال لبيع السلع والبضائع تم بناؤها من سعف النخيل، ومع تسارع الحركة التجارية عرف السوق تطوراً ونمواً زاد من عدد دكاكينه التي بنيت من الطين والحجر البحري وسقفت بـ «الدعن» سعف النخيل، كما شهد انطلاقة كبيرة في السبعينيات تزامناً مع النهضة الكبيرة التي اقترنت بقيام الاتحاد، أدت إلى زيادة في عدد المحال التي دخل في تشييدها مواد مختلفة حافظت على شكله التراثي.
وتنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، واهتمامه بالمواقع التراثية والمباني التاريخية، خضع السوق في عام 2019 لعملية ترميم وتم رفده بالعديد من المحال والأنشطة التجارية المتنوعة وتخصيص 23 دكاناً ومنزلين لعرض الحرف التقليدية المندثرة على شكل «متحف مفتوح»، يضم أقساماً مختلفة تعرض وتشرح الفنون والحرف اليدوية القديمة لسكان البيئات البحرية والجبلية منها النجارة، الحلاقة، الخياطة، الخباز، صناعة الحلوى، الحدادة، الصياغة، محل البقالة القديم، الحرف البحرية، الطب الشعبي، المطوع «تعليم القرآن» المدبسة «استخراج الدبس»، صناعة الفخاريات «البرام»، الاستراحة «القهوة»، الحياكة، محل بيع أدوات التدخين «الغليون»، محل بيع الخضار، صناعة «القراقير»، الكطان أو النداف وبيت السوق وبيت الطواش و23 صورة لمدينة خورفكان القديمة.
وخلال تجوالنا في أروقة السوق التقينا خلفان محمد خلفان النقبي، أمين سر جمعية خورفكان للثقافة والفنون الشعبية وصاحب مدبسة، الذي أراد أن يحافظ على حرفة صناعة دبس التمر المتوارثة في العائلة منذ أكثر من مئة عام واتباع الأساليب والأدوات القديمة لصناعة الدبس وحفظه.. يعود النقبي بذاكرته للوراء إلى الستينيات ويستذكر دكاكين السوق العامرة بمنتجاتها التي توفر لسكان مدينة خورفكان والمناطق المحيطة بها جميع احتياجاتهم من مواد غذائية والملابس ومواد البناء والزراعة، ويقول «تعود بدايات السوق الذي شهد ازدهاراً كبيراً في ذلك الوقت إلى الأربعينيات بفضل الموقع الجغرافي للمدينة الذي أنعش حركة التجارة مع مناطق أخرى من الخليج والهند وإفريقيا وبلاد فارس».
يعود تاريخ السوق إلى ستينيات القرن الماضي وبفضل وقوعه بالقرب من الميناء ازدهرت الحركة التجارية في المدينة بشكل كبير
يعلق النوخذة علي ميرزا من مواليد عام 1935 «واكبت مرحلة قيام الاتحاد وتطور المدينة، يعود تاريخ السوق إلى ستينيات القرن الماضي وبفضل وقوعه بالقرب من الميناء ازدهرت الحركة التجارية في المدينة بشكل كبير وأصبح المركز الاقتصادي للمدينة التي اتسمت بالبساطة، كانت ترده البضائع من مناطق مختلفة، يباع في دكاكينه التي لا يتجاوز عددها 15 دكاناً في ذلك الوقت الطحين والرز والشاي والملابس وغيرها من احتياجات السكان وأفضل ما كان في السوق هو التعامل بالثقة حيث لم تكن هناك عقود أو شيكات».
* تصوير: السيد رمضان