29 نوفمبر 2020

لقاء حصري مع أول مذيع أعلن قيام الاتحاد.. الدكتور محمد القدسي

محررة في مجلة كل الأسرة

لقاء حصري مع  أول مذيع أعلن قيام الاتحاد.. الدكتور محمد القدسي

يسرد الدكتور محمد القدسي، المحاضر والمستشار الإعلامي، مراحل قيام الاتحاد بمشاعر جياشة رافقته 34 عاماً خلال مواكبته للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، داخل الدولة وخارجها ، وعمله كأول مذيع في تلفزيون أبوظبي وأول مذيع أعلن قيام الاتحاد من ساحة قصر الجميرا بالصوت والصورة وما تلاه من رفع العلم يوم الخميس 2 ديسمبر1971.

الدكتور محمد القدسي

التاريخ على لسان د. القدسي له وقع آخر«هذا اليوم الذي صنعه الشيخ زايد وإخوانه حكام الإمارات، رحمهم الله، يعتبر جزءاً من تاريخ طويل كتبه الشيخ زايد عبر سنوات حكمه في مدينة العين حاكماً للمنطقة الشرقية وحاكماً لإمارة أبوظبي ثم رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة».

تبدأ حكاية الاتحاد ما قبل قيام الاتحاد بمراحل ورؤية واضحة للشيخ زايد، يشرح د.القدسي أبعادها:

أنجز الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في يوم الاتحاد النقطة الثانية في رؤيته التي تتكون من ثلاثة أهداف وهي:

  • بناء أبوظبي الحديثة، وهذا ما أكده ونفذه عندما استلم حكم إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس 1966.
  • جمع شمل الأشقاء في الإمارات المتصالحة، وهو ما نفذه يوم الخميس الثاني من ديسمبر 1971.
  • تنسيق السياسة العربية لدول الخليج العربي والتي تحولت إلى مجلس التعاون الخليجي يوم الاثنين 25 مايو 1981 عندما أعلن قيام المجلس من فندق انتركوننتال في مدينة أبوظبي».

الشيخ زايد و الدكتور محمد القدسي
الشيخ زايد مع الدكتور محمد القدسي

ومن خزائن التاريخ الحي في عقله وفي قلبه، يستعيد د.القدسي لقاءه بالشيخ زايد بالتزامن مع التمهيد لقيام الاتحاد «كان الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاتحاد لتنفيذ ما اتفق عليه سابقاً حيث بدأ كاتحاد ثنائي بين إمارتي أبوظبي ودبي من خلال إعلان دبي في 18 فبراير عام 1968 وبعد أسبوع، تحول هذا الاتحاد الثنائي إلى اتحاد تساعي بدعوة خمس إمارات أخرى إلى جانب قطر والبحرين واجتمع الحكام في دبي يوم 25 إلى 28 فبراير عام 1968 وأعلنوا الاتحاد التساعي تحت اسم اتحاد الإمارات العربية والشيخ زايد رئيساً لمدة عامين والشيخ راشد نائباً للرئيس لمدة عامين».

كانت البسمة تعلو وجه الشيخ زايد، وهو يستمع للخمس دقائق من كلمة الشيخ خالد بأننا أسرة واحدة قوية وكبيرة

يشرح «هذا الاتحاد التساعي اجتمع من أجله الحكام أربع مرات وكانت المرة الرابعة والأخيرة بأبوظبي 21 أكتوبر 1969 وكان لي نصيب أن أحضر هذا الاجتماع لأنني كنت أمثل تلفزيون أبوظبي حيث توجهت مع مصور «صوت وصورة» إلى المضيف لتغطية الاجتماع الرابع للحكام التسعة وهناك كان لقائي بالشيخ زايد رحمه الله».

يروي د.القدسي «جهزنا الكاميرا وانتظرت في الخارج مع المصور. وصل الحكام صباحاً وكان آخرهم الشيخ زايد، رحمه الله، وبادرني بالسؤال ماذا تفعل؟ أجبته: أنتظر في الخارج حتى تنتهي الجلسة السرية. قال «لا.هذه الجلسة ليست سرية.هذا حديث في الاتحاد»، وتابع «ادخل اجلس واسمع واكتب.أنت إعلامي». وكان هذا أول درس بالإعلام خلال لقائي الأول بالشيخ زايد إذ دخلت بالفعل واستمعت وكتبت وأخذت فكرة كاملة عما دار في الاجتماع الذي افتتحه المغفور له الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة في ذلك الوقت، وكانت البسمة تعلو وجه الشيخ زايد، رحمه الله، وهو يستمع للخمس دقائق من كلمة الشيخ خالد بأننا أسرة واحدة قوية وكبيرة، نمتلك اقتصاداً وبترولاً وكوادر متعلمة ويمكننا أن ننشئ دولة قوية، وبعد هذا اليوم، بدأت مرافقتي للشيخ زايد في كل مكان داخل الدولة وخارجها».


في زيارة لإحدى المدارس

هي التفاصيل تتدفق مع تاريخ يوم الخميس الثاني من ديسمبر 1971 ورفع العلم وقيام الاتحاد، يواكبها د.القدسي بتواريخها ولحظاتها الفاصلة وغمرة الحنين إلى تلك اللحظة التاريخية من بناء الدولة «في ذاك اليوم، وصل الحكام وكنت مع الشيخ زايد قبلها بليلة في الخوانيج حيث أرسل يسأل أحد المرافقين عن المقررات التي ستصدر في اليوم التالي بعد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاتحاد في الجميرا وجاءه نص النقاش الذي سيتم بحثه وشطب منه القوانين التجارية والمحاكم، قائلاً: «اتركوها للحكومة عندما تشكل. هذا ليس من شأن المجلس الأعلى».

بدأ الحكام يتوافدون إلى قاعة الاتحاد في الجميرا «كانت قاعة متواضعة، شكلها بيضاوي مقاعدها عادية، وكنت أقوم بتغطية الحدث للتلفزيون، وبدأ الاجتماع وكانت البداية بكلمة من حاكم دبي المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يرحب فيها بالحكام والضيوف الآخرين ويتمنى أن يسعدوا بإعلان قيام دولة الإمارات وألقى الخطاب بالنيابة عنه ابنه سمو الشيخ حمدان بن راشد آل المكتوم واستتبع بجلسة مغلقة صدر عنها قرارات أربعة اتحادية:

القرار الأول بانتخاب الشيخ زايد رئيساً للدولة لخمس سنوات وانتخاب الشيخ راشد نائباً لرئيس الدولة لخمس سنوات.

بعدها، توقف الاجتماع لثوان قليلة أدى كل منهما اليمين الدستورية كرئيس ونائب للرئيس ليصدر القرار الاتحادي الثاني ببدء صلاحية عملهما كرئيس ونائب للرئيس اعتباراً من هذا اليوم (2 ديسمبر 1971)».

في لقاء مع عدد من الصحافيين وبحضور مانع سعيد العتيبة وزير النفط و الثروة المعدنية آنذاك
في لقاء مع عدد من الصحافيين وبحضور مانع سعيد العتيبة وزير النفط و الثروة المعدنية آنذاك

يستكمل د.القدسي سرد وقائع هذا اليوم التاريخي «القرار الثالث صدر بتسمية الشيخ مكتوم بن راشد رئيساً لمجلس الوزراء الاتحادي على أن يجتمع هذا المجلس بعد أسبوع في أبوظبي ويقدم الشيخ مكتوم أعضاء الحكومة لرئيس الدولة وصدر القرار الاتحادي الرابع بالموافقة على ألوان ومقاييس علم دولة الإمارات كما هو حالياً. 

انتهى الاجتماع وفتحت الجلسة ودخل الإعلاميون وألقى أحمد خليفة السويدي بيان الاجتماع أشار فيه إلى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة دولة عربية مستقلة ذات سيادة وكان الشيخ زايد اطلع على نص أحمد خليفة السويدي قبلها بليلة وطلب إضافة جملة فيه وقد فوجئت بها أثناء تلاوة البيان في اليوم التالي وهي أن المجلس الأعلى للاتحاد يدين العمل الذي أقدمت عليه إيران باحتلالها جزءاً من الأرض العربية قبل يومين ويعني جزيرة أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى».

استغرقت رحلة رفع العلم 1384 يوماً وهي أطول رحلة لرفع علم في التاريخ

وقائع رفع العلم واكبها د.القدسي وأعلن من قرب صاري العلم قيام الاتحاد متوجهاً إلى مشاهدي تلفزيون الإمارات المتحدة بدلاً من مشاهدي تلفزيون أبوظبي، يقول «خرج الشيخ زايد وإخوانه الحكام إلى الساحة الخارجية لقاعة الاتحاد في الجميرا وقدم له مهدي التاجر، مستشار حاكم دبي، العلم وهو يبتسم وأعطي لأحد الحرس ورفعه على صارٍ بارتفاع 4 أمتار وهنا، أعلنت، بعد انتهاء المراسم ورفع العلم، عن قيام الاتحاد وذكرت أن هذه الرحلة لرفع العلم استغرقت 1384 يوماً وهي أطول رحلة لرفع علم في التاريخ. وفي الوقت نفسه، شهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكان آنذاك رئيس الوزراء وولي عهد أبوظبي، مراسم رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة في أبوظبي، بحضور مجموعة من المسؤولين يتقدمهم مانع سعيد العتيبة، محمد حبروش وضيفة البلاد أم كلثوم».

الشيخ زايد يرفع العلم الإماراتي
الشيخ زايد يرفع العلم الإماراتي

كان الشيخ زايد يعتبر علم الدولة «رمزاً مباركاً وتاريخياً للاتحاد وكان حريصاً على رفع العلم في كل مكان».. «يوم الخامس من نوفمبر 1975، كنا في عشاء إعلامي في قصر البحر مع الشيخ زايد. انتهى العشاء ونهض الشيخ زايد ونهضنا خلفه حيث بادر أحد الإعلاميين بسؤاله «صاحب السمو، كيف يمكن تعزيز العمل الاتحادي أكثر فأكثر ؟» فأجاب الشيخ زايد وهو واقف «كنت أتمنى أن أرى الإمارات تذوب ذوباناً وليس كيانات مستقلة»، كان يقف معنا الإعلامي سعيد عمارة مدير إذاعة الشارقة الذي أبلغ صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة بما دار من حديث. في اليوم الثاني، كان هناك حفل لتغيير موقع مركز الشرطة في الشارقة وحضر الشيخ مبارك بن محمد وزير الداخلية، رحمه الله، الاحتفال والتقى بالشيخ سلطان على هامش الافتتاح وأبلغه أنه يحضر الحفل بصفته مدعواً وليس وزيراً للداخلية لأنه ليس لمراكز الشرطة في أي إمارة علاقة بوزير الداخلية. وفي اليوم نفسه، يفاجأ الجميع ومنهم الشيخ زايد أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي يعلن إلغاء كافة الدوائر المحلية ودمجها بالوزارات الاتحادية ويعلن إنزال علم الشارقة ليبقى علم الدولة فقط.

وصول الشيخ زايد إلى الشارقة نوفمبر 1975 وفي استقباله الشيخ سلطان الذي قرر رفع علم الاتحاد وإنزال علم الشارقة
وصول الشيخ زايد إلى الشارقة نوفمبر 1975 وفي استقباله الشيخ سلطان الذي قرر رفع علم الاتحاد وإنزال علم الشارقة 

«أتمنى أن تحذو باقي الإمارات حذو الشارقة»

وفي اليوم التالي، يطلب مني عبر الهاتف القدوم مع مصور إلى قصر البحر في أبوظبي وتوجهت لأجد طائرة هليكوبتر يدخل لها المغفور له الشيخ زايد، أحمد خليفة السويدي وعلي الشرفا مدير الديوان والشيخ مبارك بن محمد وتنطلق بنا إلى الشارقة حيث استقبل الوفد من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي وبعد جلسة قصيرة، توجه إلى إذاعة الشارقة وتم عقد مؤتمر صحفي تحدث فيه الشيخ سلطان حول كيفية تنفيذه لهذه المبادرة.وأثناء مغادرة إذاعة الشارقة، سأل أحد الإعلاميين الشيخ زايد عن رأيه بالمبادرة ليرد بإيجاز «أتمنى أن تحذو باقي الإمارات حذو الشارقة».

كان ذلك في 7 نوفمبر 1975 وبعدها بأسبوع يوم 15 نوفمبر، التقى أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد ومن جملة ما اتفقوا عليه كان إنزال علم كل إمارة وإبقاء علم الاتحاد خفاقاً في سماء الإمارات».

خلال زيارة الشيخ زايد لأحد المستشفيات
خلال زيارة الشيخ زايد لأحد المستشفيات

الكثير من اللمحات الإنسانية عاشها وعايشها د.القدسي لقربه الوثيق من الشيخ زايد «سمعته يخاطب وزير التربية والتعليم المغفور له عبدالله عمران تريم ويفصح عن رغبته بافتتاح مدارس في الدولة تستقبل مئات الطلاب من أبناء الإمارات وأكد له «في حال اعترضتكم مشاكل مالية، تعالوا إلي فبابي مفتوح وإن لم تأتوا إلي، فسوف آتي إليكم».

ومن النقاط المضيئة في التماس مع نبض المجتمع «بعد أداء الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله اليمين الدستورية للحكومة الثانية له في حديقة قصر المشرف بأبوظبي، وكنت أنقل الحدث على الهواء، طلب مني الشيخ زايد «من الغد، أريدك أن تقدم برنامجاً تحت عنوان "نصائح وإرشادات إلى أبنائنا". سألته عن مضمون البرنامج، فأجابني "تتحدث عن الدراسة، الكسل، النجاح، الرسوب، الهروب من المدرسة، التدخين، رفاق السوء، استخدام الكهرباء ليلاً ساعات أمام التلفاز وغيرها"، وفعلاً بدأ البرنامج وبدأت أقدم صفحة يومية تناقش أحد المواضيع وأشركت أحد أطباء الصحة النفسية لاحقاً وقد لاقى استحسان الشيخ زايد».

العلم كان باباً مفتوحاً للشيخ زايد «في الأول من يناير 1975 وخلال زيارته الهند، تبرع بإقامة كلية صناعة البترول في منطقة أليجار على حسابه. في نهاية العام 2017، اتصلت بالجامعة لإعداد موضوع وعرفت أن مجمل عدد الطلاب الذين تخرجوا في الجامعة من عام 1975 حتى نهاية 2017 بلغ 12980 طالباً وطالبة.

ويوم 26 أكتوبر عام 1976، إثر انتهاء اجتماعات القمة العربية الثامنة في القاهرة، توجهنا مع الشيخ زايد لافتتاح حي الشيخ زايد في الإسماعيلية حيث بنى هناك 4500 وحدة سكنية في 48 عمارة. استقبل بترحاب وأهازيج وهتاف لا مثيل له والتف حوله الناس وتحدثت إليه امرأة، سألتها عن مضمون الحوار، فقالت «أنا اسمي نعيمة سليمان أم لأيتام. هدم بيتي في حرب1973 وتوفي زوجي، ولولا هديته لكنا اليوم مشردين».