يشكل الجيران جزءاً مهماً في حياتنا الاجتماعية والتعامل معهم أمر حتمي ومطلوب لأنه لا يوجد أحد يعيش بمفرده. وفي أغلب المواقف التي نصادفها في حياتنا يكون الجار هو الأقرب إلينا من الأهل والأصدقاء، وقد أوصانا ديننا الحنيف بالمعاملة الحسنة مع الجار، وأوصى رسولنا الكريم بإقامة علاقة طيبة مع الجيران.
وقديماً قالوا «اختر الجار قبل الدار» في إشارة مهمة لضرورة وجود التوافق بين الجيران وبعضهم البعض.. ولكن هنا أيضاً يبرز تساؤل عما يجب فعله إذا كان الجار أحيانا سبباً في تحويل حياتنا إلى جحيم بأنواع معتادة وغير معتادة من المشكلات.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات على خبراء العلاقات الأسرية والتنمية البشرية وتعديل السلوك وسألتهم: هل حقاً الوسيلة الأمثل للتعامل مع الجيران «صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي» أم أن التعامل معهم بود وإقامة علاقات طيبة معهم مطلوب لأن الجيران لبعضها؟ وما هو «اتيكيت» التعامل مع الجيران لنكون نموذجاً للجار الجيد ونعيش في سلام ووئام؟
التبسم في وجوه جارك صدقة
في البداية توضح الدكتورة نجوى الفوال، أستاذة علم الاجتماع والرئيس السابق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، أنه يجب علينا جميعاً الحفاظ على علاقات الحب والتراحم مع الجيران، وتقول «حثنا ديننا الإسلامي على التعامل مع الجيران بطريقة جيدة، لذا فالتبسم في وجوههم صدقة.. فما المانع من أن نبتسم في وجه من يقابلنا من الجيران وسنجد في ابتسامته عدوى تنتقل لنا؟ وما المانع من أن نكون نحن دائماً من يبدأ بالسلام؟ فهو وسيلة جيدة لخلق المودة والمحبة بين الناس».
وترى أستاذة علم الاجتماع أن الخلافات تزداد بين الجيران في الأحياء والعمارات السكنية عندما يتعمد البعض عدم احترام خصوصية الآخر ولا يراعي مشاعره ببعض التصرفات التي تزعج الغير من السكان مثل تعمد تشغيل الموسيقى الصاخبة وإلقاء أكياس النفايات على مداخل البيوت والإزعاج من خلال أصوات وألعاب الأطفال التي لا تتوقف.
وتضيف د. نجوى الفوال «حسن الجوار هو الإحسان إلى الأشخاص الذين يجاوروننا بالسكن وتجنب إيذائهم والالتزام بالأخلاق الحسنة في التعامل معهم وعدم إلحاق أي أذى بهم مهما صغر وعدم البغي عليهم أو ظلمهم واحترام حرمة بيوتهم وترك الأثر الطيب في نفوسهم».
وتشدد الدكتورة نجوى الفوال على أن هناك أموراً تبدو بسيطة ولكن معانيها وآثارها كبيرة بين الجيران، مثل إلقاء التحية عندما نقابلهم ونبتسم في وجوههم ونتمنى لهم يوماً طيباً، ومثلاً لو تقابلنا على باب العمارة لا يصح أن نسبقهم للدخول قبلهم لأن ذلك فيه قلة ذوق منا. بالإضافة إلى صوت التلفزيون أو الراديو أو الموبايل يجب أن يكون معتدلاً فلا يكون عالياً جداً ومزعجاً للجيران حتى يستطيع الجميع أن يخلدوا للنوم والراحة. كما يجب علينا أن نعلم أولادنا احترام مشاعر الجيران ومراعاة خصوصيتهم وعدم إزعاجهم، وقد تبدو هذه الأمور بسيطة لكن في الحقيقة معناها كبير، وتعليم أولادنا مبادئ مهمة وقيم نبيلة ترفع من شأنهم في المجتمع في المستقبل.
وتحذر الدكتورة نجوى الفوال من المبالغة في الشكوى من الجيران بسبب وبدون سبب، وتقول إن ذلك يفسد العلاقات بينهم للأبد، فكيف تعود العلاقة بين جيران قدموا بلاغات للشرطة في بعضهم البعض؟ كما أن أغلب الأسباب في خلافات الجيران يكون بسبب الأطفال مثل الإزعاج والتعدي على حقوق الجار.
يجب أن نفسح المجال للآخرين بركن سياراتهم فلا نركن السيارة في المكان المخصص لأحد الجيران
من جانبه يؤكد الدكتور ناصر زهران، استشاري الطب النفسي وخبير العلاقات الإنسانية بالقاهرة، أن الآداب العامة وحسن الجوار يلزماننا بمعاملة الجيران بود ورقي، ويبين «من آداب العلاقة بين الجيران الحرص على استئذان الجار عند أداء أعمال منزلية باستخدام آلات قد تسبب إزعاجاً خاصة في فترات مبكرة أو متأخرة من اليوم، أو عند إقامة احتفال قد تصدر عنه أصوات مزعجة وغيرها. فإذا كنا مثلاً نخطط لتنفيذ بعض التجديدات في شقتنا وهذا الأمر يصدر عنه الكثير من الضوضاء فيجب علينا إخبار الجيران قبل التنفيذ واختيار أوقات التجديد بعناية بعيداً عن الإجازات التي يتواجد فيها الجميع بالبيت طلباً للراحة، كما يجب ألا نقوم بأعمال التجديد ليلاً بل الأفضل اختيار ساعات مناسبة من النهار».
ويشدد الدكتور ناصر زهران على أن من حسن الجوار أيضاً مساعدة الجيران، فهي إحدى أهم العلاقات مع الجيران، فالتعاون والمساعدة أمر مهم خاصة عند طلب الإغاثة أو عند رؤية الجار في وضع يتحتم علينا ذوقياً مساعدته وعدم التخلي عنه.
ويحذر الدكتور ناصر زهران من مشاكل الجيران بسبب عدم مراعاة الآخرين في ركن السيارات أمام المسكن، ويرى أنها أحد أكثر الأسباب شيوعاً في الخلافات بين الجيران «يجب علينا اتباع الذوق والآداب العامة لركن السيارة بأن نفسح المجال للآخرين بركن سياراتهم فلا نركن السيارة في المكان المخصص لأحد الجيران ولا نتعمد تشغيل مصابيح السيارة أمام نوافذهم ليلاً ولا نقوم بعمل ضوضاء أثناء ركن السيارة حتى لا نسبب لهم إزعاجاً يتكرر كل يوم وربما في اليوم الواحد أكثر من مرة».
من أهم قواعد التعامل مع الجيران الحرص على نظافة محيط بيتنا أكثر من الحفاظ على نظافة بيتنا نفسه
وفي معرض حديثه عن هذه القضية، يشير الدكتور مدحت عبد الهادي، استشاري الطب النفسي وخبير العلاقات الإنسانية والاجتماعية بالقاهرة، إلى أن العلاقة بين الجيران تحتاج إلى «اتيكيت» من نوع خاص لكسب ودهم واحترامهم، ومن أهم قواعد التعامل مع الجيران الحرص على نظافة محيط بيتنا أكثر من الحفاظ على نظافة بيتنا نفسه لأن داخل المنزل أمر يخصنا وحدنا لكن محيط المنزل يخص الجميع علاوة على أن النظافة من الإيمان وعلى كل شخص أن يحافظ على نظافة المنطقة المحيطة ببيته فالقمامة التي يتم وضعها في المداخل تؤذي حاسة الشم والبصر لذا وجب علينا الحرص على أن تبدو منطقة محيط المنزل دائماً نظيفة.
ويرى د. مدحت عبد الهادي أن من «اتيكيت» التعامل مع الجيران أيضاً تذكرهم في الأعياد والمناسبات الاجتماعية ولو بهدية صغيرة أو طبق حلوى من صنع البيت ولا نتوقع منهم شيئاً في المقابل فقط نستمتع بفعل العطاء. وعلينا أيضاً تذكرهم في المناسبات وأعياد الميلاد مثلاً أو أي حفلة أخرى نقيمها في البيت أو خارجه.
ومن آداب إقامة الحفلات في البيت أن نقوم بإعلام الجيران عند إقامة الحفل أو قبلها وإبلاغهم بموعد بدء هذا الحفل وموعد نهايته ونحاول إخبارهم بكل الترتيبات واستئذانهم في ذلك ودعوتهم للحفل إن أمكن، والأهم من ذلك كله التنبيه على المدعوين بعدم إزعاج الجيران عند الحضور وعند المغادرة فلا نشغل أماكن ركن السيارات الخاصة بالجيران و تتسبب في مشكلة لهم.
ويطالب الدكتور مدحت عبد الهادي وسائل الإعلام بضرورة التوعية بأهمية العلاقات الطيبة مع الجيران والتأكيد على التماسك المطلوب بينهم وحثهم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في خصوصيات بعضهم البعض.
يجب ألا نتحول إلى أبراج مراقبة، نرصد تحركات الجيران ونتدخل في شؤونهم
وتتفق معه الدكتورة إيمان عبدالله، استشارية الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية وتعديل السلوك، في أنه يجب على الجميع رجالاً ونساء عدم التحول إلى أبراج مراقبة على جيرانهم يرصدون تحركاتهم أولاً بأول ويتدخلون في شؤونهم وينشرون أخبارهم بين باقي الجيران، وتوضح «بغض النظر عن مدى سوء العلاقة مع الجيران يجب ألا نتحول إلى أبراج مراقبة لهم أو نقوم بعقد جلسات نميمة عليهم لأنها تساعد في حل أي مشكلة، وإذا كان الشخص يعرف شيئاً عن خصوصيات جاره يجب عدم كشفها وفضحها لباقي الجيران والاحتفاظ بما يعرفه لنفسه وجعله في طي الكتمان لأن التحدث في ذلك من سوء الخلق».
وترى الدكتورة إيمان عبدالله أن أكبر المشكلات التي تواجهنا في التعامل مع الجيران هي رفع سقف التوقعات معهم وعدم التعامل معهم بواقعية، إذ ننتظر منهم مبادلتنا الحوار بحوار والاهتمام باهتمام مماثل، وتقول «يجب أن نحافظ على مساحة قليلة من الود حتى نتعرف إلى طباع الجار ومدى حبه للتعامل مع الآخرين، فبعض الجيران يحبون الابتعاد عن الآخرين ويفضلون العيش في عزلة وانغلاق دون أن يزعجهم أحد لذلك عليكم إلقاء التحية فقط عند لقائهم وعدم اقتحام خصوصياتهم». وتشدد الدكتورة إيمان عبدالله على ضرورة الحرص على إزالة سوء الفهم مع الآخرين «إذا كان بينك وبين أحد الجيران سوء فهم عليك أن تبذل مجهوداً إضافياً لجعل الأمور في نصابها الصحيح من خلال المصافحة والابتسامة ومحاولة الوصول إلى حلول ودية».
اقرأ أيضًا: هل يؤثر فيك رأي الآخرين؟