30 يونيو 2021

د. حسن مدن يكتب: تفاؤل واعٍ وتفاؤل ساذج

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: تفاؤل واعٍ وتفاؤل ساذج

أحبّ كثيراً مقولة أنطونيو غرامشي الداعية إلى تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، وقد تبدو العبارة منطوية على شيء من التناقض، فكيف يمكن الجمع بين التفاؤل والتشاؤم في سلّة واحدة؟، لكن شيئاً من التروي فيها سيجعلنا ندرك أهمية ألا نقع فرائس للتشاؤم الذي قد يتعبنا نفسياً ويحبط مشاريعنا، ويلقي بنا في دوامة من اليأس، دون أن يعني ذلك أن نفرط في التفاؤل، فلا نقيم وزناً لما يواجهنا، وسيواجهنا من صعوبات، تعطل أو تعيق ما نطمح إليه، بل أن نهيئ أنفسنا لنكون مستعدين لها، فيما لو ظهرت، كي نتغلب عليها.

طالبة دكتوراه أجنبية بقسم علم النفس بجامعة سوانزي، أجرت دراسة في بداية الحجر الصحي الربيع الماضي، لقياس التغيرات التي طرأت على مستوى الرضا والسعادة بين الناس في المملكة المتحدة، خلصت منها إلى تراجع مستويات الرضا والسعادة في ظل الجائحة، ويبدو هذا أمراً منطقياً بطبيعة الحال، لكن جيسيكا، وهذا هو اسم الطالبة، وزملاءها خلصوا إلى أن التفاؤل مع الاعتراف بحتمية المآسي أسهم في زيادة القدرة على التأقلم بكفاءة مع صدمة الوباء.

رأى الباحثون أن الذين أقرّوا بالمعوقات التي واجهوهـا وسعيهم للتغلب عليها، من أفراد العينة التي أجري عليها البحث، وعبروا عن إدراكهم بأن الحياة لا تخلو من الشدائد، وأنهم أعدّوا أنفسهم لمواجهتها، كانوا أكثر قدرة على التكيّف مع الحجر الصحي مقارنة بغيرهم الذين أنكروا وجود المصاعب والتحديات.

والعظة من هذه النتيجة واضحة، وكما يشير عرض للدراسة ونتائجها، نشرته شبكة «بي. بي. سي» في مارس/ آذار الماضي «فإن الحفاظ على التفاؤل والتعبير عن الامتنان من الصعب أن يؤديا إلى نتائج عكسية، لكن الإفراط في التفاؤل، أو ما يعرف بالإيجابية المفرطة، قد يدفع المرء إلى الاعتقاد أن المشاعر السلبية من مظاهر الفشل أو علامة على الضعف، ناهيك عن أنه لا شيء أكثر إزعاجاً من مصادفة شخص يشعر بتفاؤل مفرط في وقت تعاني فيه الأمرين للتعامل مع الواقع القاتم».

ليست هذه دعوة للإحباط واليأس أو التشاؤم. إنها، على العكس، دعوة للتحلي بالتفاؤل، لكن علينا التفريق بين تفاؤلين؛ أحدهما ساذج يكاد أصحابه أن يكونوا منفصلين عن الواقع، وتفاؤل واعٍ يدرك من يتحلون به أن بلوغ النجاحات يتطلب أولاً تذليل الصعوبات، وهذا لا يتم إلا بالإقرار بها وبحجمها الحقيقي، دون مبالغة وأيضاً دون استخفاف.

تحضرنا هنا المفردة العبقرية التي اجترحها الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي «المتشائل»، وهي جمع بين نقيضين: التشاؤم والتفاؤل، ونحسب أنها تلخص كل ما ذكرناه.