02 يناير 2022

د. حسن مدن يكتب: الذين يتعب منهم التعب

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: الذين يتعب منهم التعب

«كان يتعب منه التعب» – هذا القول ورد في قصيدة للشاعر البحريني علي الشرقاوي، مهداة إلى رجل عرف بدأبه ومثابرته وتفانيه في العمل من أجل ما يؤمن به. لم يقصد الشاعر، بالتأكيد، أن هذا الرجل لا يشعر بالتعب، شأنه شأن كل البشر، ولكنه يملك من الطاقة والصبر ما يجعله قادراً على تحمّل التعب، حتى يكاد التعب نفسه يتعب منه، حين يجده عصيّاً على هزيمته.

مثل هذا الرجل يوجد بالتأكيد رجال ونساء كثيرون. لكنهم يبقون قلة بالقياس للأغلبية الساحقة من البشر الذين ينال منهم التعب على أنواعه: تعب الجسد، تعب النفس، تعب الروح، تعب الذهن، مع ما يجرّه ذلك من تبعات سلبية على الصحة النفسية والجسدية، وعلى سبيل المثال فإن دراسة جديدة تقول إن ربع السكان في بلد مثل ألمانيا يشعرون بالتوتر الدائم بسبب جائحة «كورونا».

«كورونا» وإن زادت من نسبة التوتر النفسي والجسدي لدى الناس في مختلف البلدان، فإنها ليست السبب الوحيد في هذا التوتر، أو فلنقل التعب، السابق لها والمرافق لها والذي سيبقى بعد أن تنحسر، فالمسألة أكبر وأعمق بكثير.

الموقع الذي أورد تلك الإحصائية ينقل عن خبراء في مجال الصحة تحذيرهم من الإجهاد المستمر لأنه يكون بمثابة سم يضر بالجسم، ونصيحتهم للأشخاص الذين يتعرضون للضغوط بشكل متكرر، سواء على المستوى المهني أو الخاص، بالقيام بخطوات ضد الإجهاد وفعل كل ما من شأنه أن يقلل منه، خصوصاً أن الكثير من مسبباته لا يمكن تفاديها في حياتنا اليومية. ومن بين الطرق الفعالة: ممارسة الرياضة، الرقص، القراءة، الموسيقى، التحفيز الذاتي.

يبقى الموضوع أيضاً أكبر من ذلك. في أحد كتبها المهمة تقول فاطمة المرنيسي «تعبنا من الخوف»، ومن بين الأشياء التي نتعب من الخوف منها هو الحاضر، أبوسع المواطن البسيط، المغلوب على أمره، في بلدان تطحنها الحروب والفتن وتنقطع فيها الكهرباء وربما المياه أغلب ساعات اليوم ألا يكون خائفاً؟

لكن خوف الحاضر الذي عنته المرنيسي هو العجز عن اجتراح الأجوبة عن أسئلته المرّة، الصعبة.

في غمرة تعب الأكثرية الساحقة، الذين يهزمهم التعب، على خلاف الرجل الذي عناه الشرقاوي في قصيدته، لا تبدو مراجعة الأطباء وحدها كافية، فالمتعبون يشعرون برغبة لا تقاوم في التشاور وسماع النصيحة من محيط قد يضيق وقد يتسع من الأصدقاء والمعارف وذوي الخبرة قبل الإقدام على الخطوات التي يريدونها، وفي حياة كل واحد منا ثمة دائماً شخص عزيز أليف إلى النفس قريب من الروح والقلب، هو الواحة التي نلجأ إليها كلما شعرنا بالتعب، فنجد لديه الأمان وطمأنينة البال.