كما يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي الإسهام في مساعدة الناس والمجموعات على إنشاء علاقات جيدة وتسهيل نقل التجارب بين المجموعات والاستفادة منها، فهي قادرة على قتل هذه التجارب وتدمير الهدف من التواصل بمساهمتها في تحويل الناس إلى نرجسيين في المقام الأول.
ومع اهتمام الناس بالتقاط صور للمواقف واللحظات بدلاً من عيشها، لم يعد بإمكان الكثيرين التمتع بتحويل تلك المواقف إلى حكايات وقصص تختزنها ذاكرة الراوي وتساعده على إعادة سردها مع كثير من التفاصيل المدهشة لخيال المستمع، ولم يعد ممكناً منح المستمعين فرصة التخيل أو محاولة التفكير فيها وتصورها بأفضل مما قد تظهرها لهم الصور.
وأوضحت بعض الدراسات بأن كثيراً من الآباء بدلاً من احتضان أطفالهم والاعتناء بهم أصبحوا يبالغون في تقدير صفاتهم وفي الثناء عليهم عبر هذه الوسائل، والمزيد من النساء يشعرن بالتفوق على الأخريات بما يملكن من صفات جمالية وما يتلقينه من عبارات مجاملة، وزيادة ملموسة في شعور الرجال الذين اجتهدوا من أجل الحصول على الأجسام الرياضية بالتفوق على من لا يملكونها، وهو ما يجعل هذا الطفل وتلك المرأة وذلك الرجل يصبحون أكثر نرجسية بمرور الوقت.
والنرجسية التي تعرف على أنها الاهتمام الزائد بالذات، وقد جاء مصطلحها من الشخصية اليونانية الأسطورية نرجس، الذي وقع في حب صورته المنعكسة على الماء الراكد، تعبر عن مجموعة أشخاص تتطور مشاعرهم إلى الأسوأ، لاعتقادهم أنهم متفوقون وأفضل من غيرهم فيبدؤون في مهاجمة الآخرين الذين يعتبرونهم أقل شأناً، وفي التنمر عليهم ونشر النميمة وبشكل خاص عند تعرضهم للاستفزاز أو حتى عند عدم تعرضهم للاستفزاز في معظم الأحيان. وتزداد نسب العدوانية والعنف لديهم إلى درجات عالية ومؤرقة.
وهؤلاء النرجسيون هم أسوأ الشركاء، والعلاقات معهم دائماً سيئة ومثيرة للقلق، لأنهم يميلون إلى التمييز ضد الآخرين وغير متعاطفين معهم ولا يهتمون بمشاعرهم.
لذا، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم عاملاً أساسياً في زيادة أمراض النرجسية. وأشارت الأبحاث إلى أن الزيادة في أعداد الأشخاص الذين نشروا أرقاماً كبيرة من صور «السيلفي» على حساباتهم زادت من السمات النرجسية لديهم بنسب عالية خلال فترات قصيرة لا تتعدى الأشهر.
كما وجد استطلاع أجرته شركة للهواتف الذكية أن عدداً كبيراً من الأشخاص أصبحوا يلتقطون صورًا لأنفسهم أكثر من أي وقت مضى، وهو ما حوّل وسائل التواصل الاجتماعي من وسيلة للتواصل إلى وسيلة للتباهي بالذات والتنافس مع الآخرين.
ولم تعد النرجسية مرضاً فردياً، بل تحولت إلى صراع جماعي حامي الوطيس بين المجموعات التي تنظر إلى تميزها أكثر من تعاونها وتزداد نسبة العدوانية والاعتداء على الآخرين فيها إلى درجات عالية.
إن «صور السيلفي» التي لا تخرج عن إطار القيام برحلات أو استعراض مواقف وأماكن هي في الأغلب غير ضارة، لكن التقاط الصور الذاتية في المواقف الغريبة أو غير المعهودة قد تتحول إلى هوس قاتل، يقتل الناس بالغرور والنرجسية أو يقتلهم قتلاً حقيقياً كما يحدث لمن يواجهون مخاطر الموت أو يموتون فعلياً بسبب الرغبة في التميز بالتقاط صورة لم يلتقطها أحد.