06 أغسطس 2022

د. هدى محيو تكتب: هل الإبداع متاح للجميع؟

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: هل الإبداع متاح للجميع؟

مَن درَس علوم الكيمياء في المدرسة يتذكر من دون شك ديميتري منديلييف، ذاك العالم الكيميائي الروسي الذي ولد في العام 1834. يتذكره بسبب لوحته الشهيرة، «لوحة مندلييف»، التي طُلِب من التلامذة في بعض المدارس حفظها عن ظهر قلب.

فما هي هذه اللوحة؟

هي لوحة العناصر الكيميائية المكوِّنة لكل ما يوجد على سطح الأرض، وكان يُعرف منها آنذاك 63 مادة أما الآن فقد صار عدد المعروف منها 94 بالإضافة إلى 24 مادة في ما تبقى من الكون.

نتذكر مندلييف وقد نحقد عليه لما كبّدنا من شقاء، لكن ما لا نعرفه هو أنه هو الذي تكبّد الشقاء الأكبر طوال سنوات لتصنيف هذه المواد بطريقة تظهر نقاطها المشتركة واختلافاتها وكتلتها وميزاتها و.. لم يفلح.. إلا بعد أن رآها في الحلم.

قال مندلييف آنذاك «حلمت بلوحة يحتل فيها كل عنصر مكانه المنطقي، وعند استيقاظي دوّنت اللوحة فوراً على الورق ولم أكن بحاجة إلا أن أصحح فيها سوى خطأً واحداً».

كيف حصل هذا؟ وكيف ينتج الدماغ الإنساني هذه الشرارة من العبقرية؟

لقد صار اليوم بالإمكان الإجابة عن التساؤلات بواسطة التقنيات الحديثة لمراقبة الدماغ.

وخلاصة القول، إن دماغنا، إبان العملية الإبداعية، ينتج أولاً أفكاراً جديدة بشكل حرٍّ لا قيود عليه ثم يقوم بفرز هذه الأفكار ليبقي منها الأكثر أهمية.

أما الشبكة الدماغية التي تولّد هذه الأفكار فهي ما يسمى بـ«شبكة الشرود الذهني»، أو شبكة أحلام النوم واليقظة، التي تأتي بالصور والمفاهيم الغنية والمنوعة والتي لا علاقة لها ظاهرياً الواحدة بالأخرى.

أما مرحلة الفرز فهي خاصة بشبكة التفكير المنطقي.

لهذه الأسباب كثيراً ما نرى المبدعين في حالة شرود ذهني ونراهم ينزعجون بشدة إذا ما قطعها عليهم أحد.

ويبقى السؤال الذي يهم الجميع وهو هل بالإمكان أن يصير أي واحد منا مبدعاً إلى هذا الحد أو ذاك؟

يبدو أن مفتاح الإبداع يكمن في شرط أساسي وهو فصل العقل بين الفينة والأخرى عن المثيرات الخارجية والامتناع عن القيام بأي نشاط من أجل تحفيز الشرود الذهني.
أما مجرد القيام بعمل يستدعي انتباهنا أو تركيزنا فهو يعطل فوراً شبكة الشرود الذهني والحلم.

لذا، في المرة المقبلة حين نفضل الاطلاع بواسطة هواتفنا الذكية على بريدنا الإلكتروني أو رسائلنا النصية أو على صفحة إخبارية أو أخرى على شبكة التواصل الاجتماعي، أو حين نفضل قتل الوقت عن طريق لعبة فيديو، فلنتذكر أننا نفوّت على دماغنا فرصة للحلم والشرود وربما للإبداع.