09 أغسطس 2022

د. حسن مدن يكتب: العطر الأول بابلي

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: العطر الأول بابلي

قد لا يكون العطر الذي نحن بصدد الحديث عنه هو أول عطر في العالم، لكن المؤكد أن مخترعته هي أول امرأة كيميائية ومبتكرة للعطور قبل 3200 سنة في بلاد ما بين النهرين، تابوتي البابلية، وأعلن فريق علمي يتألف من 15 خبيراً من إعادة ابتكار العطر الذي ابتكرته هذه المرأة، حيث عمل هذا الفريق ثلاث سنوات متتالية حتى تمكن من إعادة ذلك العطر، واستند الفريق في عمله إلى ما كتبته تابوتي على لوح طيني - الميليسيا، نبات المر، الورد، وغيرها.

ليس مبعث دهشة، أو هكذا يجب أن يكون، أن هذا العطر اخترع في حضارة وادي الرافدين التي أعطت البشرية أشياء أخرى أهم، بينها الكتابة، التي ظهرت لأول مرة هناك منذ عام 2900 قبل الميلاد، وعُرفت بالكتابة المسمارية، كما ليس مبعث دهشة أن تكون المخترعة امرأة، ليس فقط لأنه كان للمرأة مكانة كبرى في الحضارات القديمة، قبل أن ينال التمييز من النساء في عصور تالية، وإنما أيضاً لأن المرأة بالذات أكثر ارتباطاً بالعطور وروائحها.

وعلى سيرة روائح العطور، فمن منا، رجلاً كان أو امرأة، نجا من الحيرة في اختيار العطر المناسب الذي يريد شراءه لنفسه أو لإهدائه لمن يحب؟

والسبب في ذلك يعود لاختلاف الروائح، الزكية جميعها على كل حال، وقد يسعفنا في ذلك تقرير نشرته مجلة Current Biology، وفيه تشير إلى أن الخبراء يعتبرون رائحة الفانيليا ألطف الروائح في العالم، تليها في المرتبة الثانية رائحة إيثيل بوتيرات (مركب كيميائي) التي تشبه رائحة الخوخ، وأن رائحة حامض الأزوفاليريك، التي توجد في بعض الأطعمة مثل الجبن وحليب الصويا وعصير التفاح وفي عرق القدمين، هي الرائحة الكريهة.

وتفيد المجلة، إلى أن الخبراء توصلوا إلى هذه النتائج من دراسة شملت 235 شخصاً يمثلون مختلف المجموعات العرقية، حيث اتضح للعلماء أيضاً أنه ليس للمستوى الثقافي أي تأثير في اختيار الروائح، لأن هذه المسالة مرتبطة ببنية الجزيئات والتفضيل الشخصي، الذي قد يكون مرتبطاً بالوراثة ومستوى التعليم.

وكما نرى فإن هذا التقرير معني بالروائح عامة، لا برائحة العطور وحدها، ولكن أي مقاربة للروائح لا يمكن أن تستقيم دون الوقوف عند روائح العطور.

والعطر نفسه، بالمواصفات نفسها، لا يبدو بالرائحة نفسها على أجساد الجميع.

بعد أن شمّ بطل رواية «جوستين»، الجزء الأول من «رباعية الإسكندرية» للورانس داريل، رائحة العطر المفضل لدى حبيبته في محل بيع العطور، وجدها مختلفة عن تلك التي كان يشمّها على جسد الحبيبة، حينها أدرك أن الرائحة المفتقدة كانت مزيجاً من رائحة العطر ورائحة جسد حبيبته.