21 أغسطس 2022

د. باسمة يونس تكتب: لماذا فازت السلحفاة؟

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: لماذا فازت السلحفاة؟

أثبت لنا الأرنب دائماً أن نجاحه في السباقات يأتي بسهولة أو بدون قدر كبير من الجهد لأنه ولد للتفوق على السلحفاة عندما يتعلق الأمر بسباق جري، لكنه غفل عن حقيقة أنه غالباً ما يكون الاختلاف الوحيد بين أولئك الذين ينجحون والذين لا ينجحون هو القدرة على الاستمرار لفترة طويلة بعد انسحاب البقية. فالمثابرة من سمات الناجحين، بل أحد أهم عوامل النجاح بغض النظر عن المؤهلات التي يمتلكها أحدهم.

وكان فوز السلحفاة سهلاً لأنها قررت الاستمرار عندما تراجع الأرنب ورأت الأمور على ما يرام رغم التنافس مع أرنب مغرور راغب في تحطيم ثقتها بنفسها ولديه من الصفات ما يجعله الفائز عليها بدون رهان. لكنها، أي السلحفاة، كانت مثل بقية المثابرين الذين يجدون دائماً طرقاً للاستمرار على الرغم من النكسات الكبيرة ونقص الأدلة على اقترابهم من تحقيق أهدافهم، وقررت الانتصار على من يمتلك المؤهلات والعضلات والأكثر توقعاً بالفوز منها.

لم تفز السلحفاة لأنها استمرت في السير فقط، ولأن الأرنب توقف لأخذ استراحة فقط، بل لأنها وضعت نصب عينيها هدفاً وامتلكت رؤية حفزتها بداية للقبول بسباق لا تكافؤ فيه لأنها آمنت بأنها لها هدف أعلى من مجرد التنافس مع أرنب من المتوقع أن يفوز هو وتخسر هي، وهذا الهدف جعل ثقتها بنفسها راسخة بعمق وساعدها على التركيز على النجاح باستمرار بعاطفة وطاقة كبيرتين.

كانت رؤيتها لنفسها في موقع الفوز أول ما تراه عندما تستيقظ وآخر شيء تحلم به قبل النوم. وهكذا أصبح الوصول إلى هذا الهدف نقطة محورية في حياتها وكرست له جزءاً كبيراً من طاقتها من أجل تحقيقه.

كانت تريد حقاً القيام بشيء ما لكي تنجح، وهذا ما أعطاها الرغبة في العثور على طريقة للنجاح وللبقاء في مسارها بدلاً من أن تبحث عن عذر أسهله ادعاء التعب أو الإرهاق والتعلل بثقل حولتها، واختارت عدم الإذعان لمخاوفها أو للتنازل عن نجاحها عندما سبقها الأرنب مطمئناً إلى انتصاره، فسارت قدماً بدون التفكير في منفذ بسبب رغبتها القوية في الفوز.

يمتلك المثابرون طاقة داخلية قادرة على إبقائهم متحمسين

ولأن الإخفاقات المتكررة والطرق المسدودة والفترات التي يبدو فيها أنه لا يوجد تقدم قبل حدوث أي انتصار عظيم قد تؤثر في المتنافس وتحاول إقناعه باستحالة النجاح، يمتلك المثابرون طاقة داخلية قادرة على إبقائهم متحمسين وتساعدهم على المرور بهذه الأوقات الصعبة اعتماداً على الثقة الداخلية التي تجعلهم يسيرون على إيقاعهم الخاص ويتحركون بدراية ونادراً ما يتأثرون بآراء الجماهير.

إن امتلاكهم إحساساً متطوراً للغاية يسمح لهم بالاستمرار دون أن يتأثروا بشكل كبير بما يعتقده الآخرون عنهم أو بانتظار فهمهم، أو تقديرهم من قبل من حولهم. وقد تتعرض ثقتهم الداخلية للتحدي والاهتزاز لكنها لا تتدمر أبداً، بل تعمل باستمرار هي والدافع كمصدرين للشجاعة والتصميم ويعتقدون باستمرار أن نتائج الجهود التي يبذلونها اليوم قد لا تظهر لفترة طويلة، لكنهم يؤمنون وبقوة أن كل ما يفعلونه سيؤخذ في الاعتبار في النهاية.

رغم ما واجهته السلحفاة من خطر التزاحم مع لاعب مؤهل، قامت بتعديل خطتها وتكييف نفسها على الاستمرار في السير بعد انسحاب الأرنب لأنها كانت فرصتها السانحة للوصول إلى هدفها.