30 يناير 2023

د. هدى محيو تكتب: أَبعدوا الهاتف المحمول خلال الدرس

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: أَبعدوا الهاتف المحمول خلال الدرس

قال نيكولا تيسلا، المخترع الشهير الذي عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الثاني من القرن العشرين، والذي أطلق اسمه على أشهر سيارة كهربائية: «سر الابتكار يكمن في العزلة». ويبدو أن قوله هذا يجد ما يدعمه في الأبحاث الجارية حول الدماغ وفي ما يعانيه الأهل مع أطفالهم من تأثير الشبكات الاجتماعية في قدرتهم على التركيز. كيف هذا؟

يبدو أن الدماغ يمتلك ما يسمى بـ«شبكة تلقائية» تنشط بشدة لتلبية مهام تستدعي التفكير بالذات أو بالآخرين أو استرجاع سيناريوهات ماضية أو مستقبلية وبالأخص إذا ما كانت تتضمن علاقات مع الآخرين، سواء أكانت حقيقية أم افتراضية. وتتوقف هذه الشبكة عن العمل عند تنفيذ مهام تستدعي التركيز الفكري كذاك الذي يُطلب من التلميذ عند قيامه بواجباته وفروضه المدرسية، كفهم نص معين أو حل عمل رياضي أو البحث معلومات وحفظها عن ظهر قلب.

هذا يعني، وبشكل ملموس على الأرض، أن فكر التلميذ في المدرسة متنازع على الدوام بين التركيز على مهمة معينة مطلوبة منه وبين الشبكة التلقائية التي تدفعه إلى الاهتمام بنفسه وبالآخرين وبالطريقة التي يتعاطى فيها معهم وينظرون فيها إليه. وهذا بحد ذاته يشكل سبباً إضافياً لضرورة تعزيز المعلومات والمهارات التي يكتسبها التلميذ في الفصل عبر قيامه بفروضه ودروسه المنزلية، حيث يكون بعيداً عن رفاقه وأساتذته.

لكن، أهو بعيد حقاً والشبكات الاجتماعية في الهاتف الذكي بمتناول يده ؟ فحتى لو كان وجود رفاقه افتراضياً، إلا أنه يحفز كل آليات الشبكة التلقائية المتصلة بردود فعل هذا وذاك وبدوره ضمن مجموعة الرفاق. وأيضاً، حتى لو كان الهاتف مطفأً فإن مجرد التساؤل عمّا يدور على الشبكات الاجتماعية والتفكير بما يجري وما يمكن أن يجري مع الأصدقاء والمعارف يمكن أن يشكل مصدر لهو كبيراً وتشتت فكري يبعد صاحبه عن التركيز.

يبدو أن حلّ هذه المشكلة صعب بعض الشيء، إلا إذا أكسب الأهل أولادهم منذ الصغر عادة التخلي عن الهاتف في أوقات الدرس والمراجعة للامتحانات. وإذا ما فاتهم هذا الأمر يمكنهم أن يتفاهموا مع الأكبر سناً على إبقاء الهاتف بعيداً عنهم، خارج الغرفة وخارج تفكيرهم، لينصرفوا إلى دروسهم التي ستحقق لهم شعوراً بالإنجاز يرضي طموحاتهم وتخفف عنهم ولو لوقت محدود كل تعقيدات عالمهم الاجتماعي.