ربما يكون متحف محمد محمود خليل هو أقدم وأعرق متحف فني في مصر. أسسه محمد محمود خليل، وهو سياسي مصري معروف، عمل وزيراً للزراعة عام 1937، ثم رئيساً لمجلس الشيوخ في عام 1939. وقد كان محمود خليل مولعاً بالثقافة والفنون، وكان له دور بارز في الحياة الثقافية في مصر في عشرينيات القرن الماضي، حيث كان أحد كبار رعاة حركة الفن التشكيلي في ذلك الوقت، كما كان أول من شارك في تأسيس جمعية «محبي الفنون الجميلة» مع الأمير يوسف كمال عام 1924.
محمد محمود خليل
إذا كنتم من محبي الفنون والتحف، دعونا نأخذكم اليوم في جولة بقصر ومتحف «محمد محمود خليل وحرمه» والذي يقع في حي الجيزة بمصر:
من هو صاحب القصر؟
محمد محمود خليل، ولد عام 1877 في القاهرة لأب مصري وأم يونانية من طبقة النبلاء، ولهذا السبب كانت عائلته على صلة بالأسرة المالكة، فوجد نفسه يزور القصور الملكية الخاصة بالأمراء والنبلاء منذ نعومة أظافره ويستكشف ما بداخلها من كنوز فنية، ويتذوق ألوان الفنون والموسيقى عند زيارته لقصر الخديوي عباس حلمي الثاني، خديوي مصر في تلك الحقبة. التحق خليل بمدرسة الليسيه الفرنسية، ثم سافر إلى فرنسا في عام 1897 لكي يدرس القانون كحال معظم أبناء الطبقة الراقية، وهناك تعرف على إميلين هيكتور التي تزوج منها في عام 1903.
تاريخ القصر ووصية صاحبه بتحويله إلى متحف
كان السياسي البارز محمد محمود خليل، كما ذكرنا، واحدا من هواة جمع التحف والأنتيكات الفنية في العصر الملكي. وفي عام 1915، قام خليل ببناء هذا القصر الفخم الذي تبلغ مساحته الإجمالية نحو 540 متراً مربعاً على الطراز المعماري الفرنسي لكي يسكن فيه هو وزوجته الفرنسية. وقد اختار لقصره قطعة أرض كبيرة مطلة على النيل، تبلغ مساحتها 2400 متر مربع، وبالفعل انتقل هو وزوجته للسكن في هذا القصر عام 1918.
ولهوسه الشديد بالفن والتحف، فقد جمع خليل على مدار حياته مجموعة مذهلة من التحف الفنية النادرة عالية القيمة. وقبل وفاة محمود خليل عام 1953، كان قد أوصى بأن تؤول ملكية القصر بما يحتويه من مقتنيات ثمينة إلى زوجته، وطلب في وصيته أن توصي زوجته بالقصر بعد وفاتها ليكون متحفا تمتلكه الحكومة المصرية.
لوحة فان غوخ الشهيرة «زهرة الخشخاش»
يحتوي المتحف على ثروة من المقتنيات الفنية النادرة
يضم المتحف مجموعة من أروع إنتاجات الفن العالمي سواء من نحت أو تصوير أو رسم أو منحوتات خزفية. تم افتتاح القصر كمتحف لأول مرة عام 1962 بعد وفاة حرم محمود خليل، إلا أنه أغلق عام 1989 لإجراء عميات ترميم وتطوير شاملة، ليتم افتتاحه مرة أخرى في عام 1995.
يحتوي المتحف على أكثر من ثلاثمائة لوحة فنية لكبار رسامي عصر النهضة الأوروبية من أمثال إدوار مانييه ورينوار وفان غوخ وجوجان ورمبرانت وكوربيه. ومن بين هذه اللوحات لوحة «الحياة والموت» التي تعتبر واحدة من أشهر لوحات جوجان، ولوحة فان غوخ الشهيرة «زهرة الخشخاش». كما يضم المتحف أكثر من خمسين تمثال ومنحوتة رائعة الجمال.
ويحتوي الدور الأرضي للمتحف على خمس قاعات، إحداها هي القاعة المستديرة الشهيرة التي يوجد بها التمثال البرونزي «نداء السلاح» للنحات الفرنسي الشهير أوغست رودان. كما يضم الطابق الأرضي مجموعة نادرة من الفازات كبيرة الحجم التي تم صنعها في الصين واليابان في القرن السادس عشر، بالإضافة إلى بعض القطع الخزفية النادرة من تركيا. توجد أيضاً في هذه القاعة لوحتان كبيرتان لمحمد محمود خليل وزوجته، كما يوجد بساط كبير معلق على الحائط تم صنعه في بلجيكا في القرن السابع عشر.
تكريم محمد محمود خليل لدوره
كان محمد محمود خليل مقرباً من الملك فؤاد الأول، وكانا يتشاركان الكثير من الميول والاهتمامات الثقافية والفنية، ولذلك لم يكن صعباً على خليل إقناع الملك فؤاد بأهمية تأسيس متحف كبير للفن الحديث في مصر. لهذا عينه الملك رئيساً للجنة الاستشارية للفنون الجميلة بوزارة المعارف وأوكل إليه مهمة السفر إلى أوروبا، وخاصة فرنسا، لشراء اللوحات الفنية الخاصة بالمتحف. وتقديراً لدوره الكبير في إثراء الحياة الفنية والثقافية في مصر خلال هذه الحقبة التاريخية، من خلال سعيه لإحداث تبادل ثقافي واسع النطاق بين مصر وفرنسا، تم تكريم محمد محمود خليل في مصر وفرنسا وحصل على أرفع الأوسمة والنياشين في هذا المجال.