أينما حللت وكيفما نظرت، التقيت أناساً يحملون بأيديهم هواتفهم الذكية، يتحدثون، يقهقهون، يغضبون، حتى إنهم إن ضربوا بجدار أمامهم لا يشعرون...
الهاتف الذكي، أداة سرقت منا كل شيء وأعطتنا كل شيء، أعطتنا القدرة على البحث والمعرفة والاستقصاء، وأعطتنا الفرصة لتتبع الأخبار ومعرفة كل ما يجري في العالم، لكنها حملتنا هموماً لم نكن نعرفها من قبل. وإذا سألت شاباً في مقتبل العمر عن سلبيات الهاتف الذكي، رأيته ينظر إليك باستغراب نظرة لا تخفي الكثير من الاستهزاء وكأنه يتهمك بها بالتخلف.
الهاتف قرين تقني
الهاتف الذكي، ليس صديقاً للشباب فحسب، بل هو أشبه بالقرين، ينام معهم ويستيقظ معهم، يزودونه بالطاقة في فترات النوم القليلة التي يبتعدون فيها عنه كي يزودهم بما يريدونه من معرفة واطلاع في الفترات اللاحقة.
إذاً، فلنسلم جدلاً بأن الهاتف الذكي بات جزءاً من شخصية الناس، ليس الشباب فحسب، ولكنه كذلك بالنسبة للكبار، فكم من مرة اصطدمت بشخص لا يرى طريقه أمامه لأنه ينظر في هاتفه الذكي؟ وكم من مرة توقف المصعد بأحدهم في الطابق المطلوب وفتح الباب وأغلق ولم يتوجه صاحبنا إلى مقصده، فصعد ثانية ونزل دون أن يشعر؟ وكم من مرة تحدثت الأم مع ولدها وهو ينظر إليها دون تركيز وكأنها بكماء تحرك فمها دون إصدار صوت؟ وكم من مرة نسيت ربة البيت الطعام على النار فاحترق لأنها تتابع آخر أخبار مواقع التواصل الاجتماعي؟
تقول إيمان، 25 عاماً، «أكثر ما أكره في هذه الدنيا مقاطعة أمي لي وأنا أتحدث مع الأصدقاء في مواقع التواصل!»
ويقول جهاد، 30 عاماً، «لا أتخيل حياتي بدون هاتف ذكي، فهو عالمي الذي أتزود منه بكل شيء».
أما أم أحمد، البالغة من العمر ثمانين عاماً، فترى في الهاتف الذكي ومواقع التواصل مصدر ترفيه وتسلية يرفع عنها أحزان الوحدة بعدما زوجت كل أبنائها.
مع هذا العرض لبعض الآراء، تتبين لنا أهمية الهاتف الذكي في حياة الناس في عصر الثورة الرقمية، أهمية تخفي وراءها خيبة وحزناً وربما بعض الأمراض النفسية.
بسبب الهاتف.. فن الحوار إلى زوال
الهاتف الذكي سلب من الناس القدرة على الحوار والنقاش، وجعل الأصدقاء والأهل والأحبة والخلان لا يتحاورون فيما بينهم، وإن فعلوا ذلك فإنهم يختلفون ويعودون إلى الهاتف الذكي ليفصل بينهم بما يحتويه من معلومات تدحض هذه الفكرة وتؤيد تلك الفكرة، فقد باتت المعلومات في الهاتف الذكي حكماً بين الناس، ولو طرحت فكرة للنقاش ترى من تود حوارهم يسارعون إلى هواتفهم الذكية يسألونها فتجيبهم بشكل عشوائي غير مرتكز على مصادر موثوقة في كثير من الأحيان. وبعدما يحتد كل فرد بسبب اختلاف وجهات النظر، يلجأ المجتمعون إلى الصمت وهم يواصلون البحث في الهاتف الذكي الذي سيخبرهم بصحة آرائهم فيدعمها أو ينفيها.
وبذلك يكون للهاتف الذكي وجه خبيث، سرق منا متعة الاعتماد على ثقافة وعلم كان آباؤنا يتباهون بهما.