16 أغسطس 2023

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

صحافية ومترجمة مصرية

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

قبل نحو 160 عاماً، كان «قصر الجزيرة» مجرد فكرة في مخيلة الخديوي إسماعيل، والي مصر صاحب الرؤية الطموحة والذي تولى حكم البلاد في الفترة من 1830- 1895. فقد أراد الخديوي بناء قصر لم يبن مثله في مصر من قبل، لاستضافة الملوك والزعماء الذين كان من المقرر حضورهم حفل افتتاح قناة السويس عام 1869، وعلى رأسهم ضيفة الشرف الأولى الإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا. لكن يكمن السبب الحقيقي وراء بناء ذلك القصر في قصة حب مستحيلة نشأت بين الخديوي والإمبراطورة، وقد رغب الخديوي من خلال الكثير من التفاصيل، التي تضمنها «قصر الجزيرة» بأمر منه، أن يبهر حبيبته ويعبر لها عن حبه الخفي.

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

اكتشفوا معنا تاريخ القصر الذي شهدت جدرانه قصة حب أسطورية لم يكتب لها أن تكتمل بين خديوي مصر وإمبراطورة فرنسا:

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

بدأت قصة بناء القصر عام 1863

في عام 1863، كلف الخديوي إسماعيل المهندس الألماني «يوليوس فرانز» بالتعاون مع مهندس القصور الملكية «دي كوريل ديل روسو» في البدء في تشييد قصر فخم يجمع ما بين الطرازين الأندلسي والأوروبي، على أن تكون ديكوراته الداخلية مستوحاة من قصر «تويليري» الفرنسي- مقر إقامة الإمبراطورة أوجيني في ذاك الوقت. واختار الخديوي جزيرة الزمالك في قلب نهر النيل مكاناً لبناء القصر، ومن هنا جاء اسم «قصر الجزيرة».

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

صدفة أشعلت نيران الحب

كان الخديوي إسماعيل قد التقى الإمبراطورة أوجيني لأول مرة أثناء دراسته في فرنسا عن طريق الصدفة، ولم تكن قد تزوجت من نابليون الثالث أو أصبحت إمبراطورة فرنسا بعد،؛ بل كانت فتاة إسبانية رائعة الجمال أرسلتها أسرتها من غرناطة إلى باريس لتدرس في «دير القلب المقدس» الأرستقراطي، وعندما رآها الخديوي لأول مرة وقع في غرامها على الفور. لكن تشاء الأقدار ألاّ تكتمل قصة الحب الوليدة، وتمر الأعوام ويراها الإمبراطور الفرنسي الشاب فيقع في حبها هو الآخر وتنجح مساعيه في إقناع أسرته بأن يتزوج تلك الفتاة الإسبانية الجميلة التي لم تكن تجري في عروقها أي دماء ملكية. ويصدم الخديوي إسماعيل عندما يدرك أن إمبراطورة فرنسا الجديدة ما هي إلا حبيبته الأولى أوجيني.

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

استغرق بناء القصر 5 سنوات كاملة

كانت للخديوي طلبات محددة لم يكن ليتخلى عنها في تصميم القصر الذي أراد أن يبهر به حبيبته القديمة وأن يسعدها في نفس الوقت بالإقامة فيه أثناء الاحتفالات الأسطورية التي كان ينوي القيام بها على شرف افتتاح قناة السويس، والتي كانت تمثل حلماً بعيداً استطاع أخيراً تحقيقه بسواعد المصريين. طلب الخديوي من المهندسين القائمين على بناء القصر أن يكون التصميم أندلسياً عربياً لكون أوجيني إسبانية الأصل من مدينة غرناطة التي حكمها العرب لقرون عديدة. كما أمر المهندس الألماني ذائع الصيت في ذلك الوقت، «كارل فون دييتش»، بتصميم وتنفيذ كافة الديكورات والزخارف الداخلية للقصر وجلب الأثاث الفاخر والستائر والأبسطة والثريات والإكسسوارات من أوروبا.

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

أهداها غرفة نوم من الذهب الخالص

رغبة من إسماعيل في إبهار الإمبراطورة أوجيني لأقصى حد، فقد خصص لها أكبر غرفة يضمها القصر والتي تتوسط شرفتها الضخمة الواجهة الخلفية المطلة على الحدائق الشاسعة المحيطة بالقصر، والتي ملأها الخديوي بزهور الكرز التي كانت تحبها أوجيني. كما أمر بأن تصنع لها غرفة نوم من الذهب الخالص تزينها الأحجار الكريمة، وتتوسطها ياقوتة حمراء كبيرة نقش عليها بالفرنسية عبارة «عيناي على الأقل ستظل تحبك إلى الأبد». وأقيمت في القصر حفلات راقصة على أنغام «أوبرا عايدة» التي لحنها الموسيقار الشهير «جيوسيبي فيردي» خصيصاً بمناسبة افتتاح قناة السويس، ولعبتها الأوركسترا الملكية لأول مرة في حديقة قصر الجزيرة.

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

كلف بناؤه 750 ألف جنيه مصري

كل هذا البذخ كلف خزينة الدولة نحو 750 ألف جنيه مصري، وهو مبلغ هائل بمقاييس ذلك العصر. وتم افتتاح قناة السويس في احتفالات تاريخية لم يكن لها مثيل، كما كان يتمنى الخديوي إسماعيل، ونالت أوجيني شرف تدشين الحفل كونها ضيفة الشرف الرئيسية. وبالفعل لم تتمكن الإمبراطورة من إخفاء دهشتها وانبهارها الشديدين بالقصر وفخامته الاستثنائية ومدى تأثرها بكل العناء الذي تكبده الخديوي كي لا تشعر بالغربة وتنعم بإقامتها التي امتدت لمدة 3 أسابيع في مصر. لكن كل ذلك لم يمنع حقيقة انهيار الاقتصاد المصري بعد ذلك الحفل الضخم بنحو عشر سنوات، حين عجز الخديوي الطموح عن سداد ديون مصر التي تراكمت بسبب اقتراضه المستمر لإنجاز مشاريع عملاقة سبقت عصره بآلاف الأميال.

قصر الجزيرة.. وقصة حب الخديوي إسماعيل للإمبراطورة أوجيني

بيع القصر عام 1879

بضغط إنجليزي على الخليفة العثماني، تم عزل إسماعيل عام 1879 ليتولى ابنه الخديوي توفيق الحكم. وتم بيع قصر الجزيرة إلى شركة «بهلر» السويسرية للفنادق بهدف سداد جزء من ديون الخديوي إسماعيل، وقد قامت الشركة بتحويل القصر إلى فندق. ثم مع قيام الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وتدهور حركة السياحة، قامت الشركة ببيع الفندق لأمير لبناني يدعى حبيب لطف الله والذي حول الفندق مرة أخرى لقصر يسكن فيه. وبعد انتهاء العهد الملكي بثورة 1952، قامت الحكومة المصرية بتأميم القصر عام 1962 وحولته إلى فندق يحمل اسم «عمر الخيام». وأخيراً مع بداية التسعينات، انضم الفندق إلى سلسلة فنادق «ماريوت» العالمية ولا يزال كذلك حتى الآن.

أسفل شرفة أوجيني
أسفل شرفة أوجيني

ولاء أوجيني لحبها القديم

بعد عودتها إلى فرنسا، مرت الإمبراطورة أوجيني بالعديد من المحن الصعبة منها انهيار إمبراطوريتها بعد أقل من عام واحد من افتتاح قناة السويس بسبب هزيمة زوجها أمام ولي عهد بروسيا عام 1870، واضطرارهما للهروب. كما قتل ابنها في الحرب بجنوب إفريقيا عام 1879، وهو نفس العام الذي تم خلع الخديوي إسماعيل فيه. وعلى الرغم من كل هذه الصعاب، ظلت أوجيني تزور مصر بشكل سنوي لتتذكر أجمل 21 يوماً أمضتها في حياتها، وكانت تبدأ زيارتها دوماً بزيارة قبر إسماعيل بمسجد الرفاعي، ثم كانت تقوم بزيارة جميع الأماكن التي كانت قد زارتها برفقته أثناء إقامتها القصيرة بمصر.