يشغل حفظ التراث الإماراتي وغرس الهوية الإماراتية، الشباب الإماراتيين الذين نشأوا على عادات الأجداد وقصصهم، وأصبحوا يستشعرون مهمتهم بنقل التراث للأجيال المقبلة، ليبرز في هذا الإطار دور مصممين شباب بتصميم قطع أثاث وديكورات تذكّر بماضي دولة الإمارات، بأسلوب عصري، ومواد مستدامة للحفاظ على موارد البيئة وحمايتها.. فكيف يسهم دور المصممين الشباب في استدامة التراث الإماراتي؟ وما دور الصناعة الإبداعية في خلق مساحات معيشية تخلد مع هوية المجتمع؟
ضمن حرص «كل الأسرة» على رصد توجه الشباب لحفظ تراث الإمارات الذي نفخر به، ونستعرض منه جوانب خلال فترة الاحتفال بعيد الاتحاد من كل عام، من خلال تسليط الضوء على دور التصاميم الإماراتية في غرس الهوية الوطنية لدى أفراد المجتمع، التقينا مصممين شباباً أثناء مشاركتهم في معرض «مصممون من الإمارات»، الذي أقيم ضمن فعاليات «أسبوع دبي للتصميم» بدعم من هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة)، تحت شعار «من أجل مساحات معيشية مستقبلية».
التصاميم الإماراتية تفخر بتاريخ الأجداد
تحت عنوان النخلة، عكس المهندس المعماري الإماراتي عبد الله الملا، مكانة شجر النخيل في تاريخ دولة الإمارات، من خلال عمل جذب أنظار رواد حي دبي للتصميم «البحث عن تصميم مستدام يعكس عن هويتنا الوطنية، قادني مباشرة إلى النخيل لأصنع منها مساحة واسعة للجلوس والتأمل في منطقة حي دبي للتصميم، شمل التصميم 12 شجرة نخيل كأعمدة لتلك المساحة، قمت بتغطيتها بقطعة من الأثاث الإماراتي كانت تستخدم كمفرش مصنوع من سعف النخيل لتقديم الطعام. فمجتمع الإمارات مرتبط بالنخيل الذي يمثل تراثنا وثقافتنا، ودورنا هو الحفاظ على استمرارية هذا الارتباط، الذي أردته في هذا التصميم في أبرز المناطق السياحية، وقدمتها بأسلوب عصري يليق بدبي كواجهة سياحية عالمية، ليتعرف العالم على تاريخنا الذي يتجسد في حاضرنا، وبسواعد إماراتية، إذ توفر هذه التصاميم المحلية الكثير من فرص العمل للنساء والشباب أصحاب المشروعات الناشئة والمنزلية، الذين يزودوننا بأعمالهم اليدوية التي نزين بها تصاميمنا».
انعكاس جمال الصحراء وعمقها
ترى المصممة عائشة الياسي، أن طبيعة الصحراء الإماراتية وارتباط السكان بها شكّل بعضاً من صفات أفراد المجتمع الإماراتي «كمصممة إماراتية أردت وضع بصمة تحمل هويتنا وتعيش لأجيال وأجيال، لذلك بحثت في جوانب الحياة التي شكلت تاريخنا، ولم يغفلها حاضرنا، فالصحراء مغروسة بداخلنا، لذلك صممت الطاولة (سان) المستوحاة من جسم الإنسان، وقصدت أن تقف الطاولة على قدمين، وليس على أربع أرجل كالعادة، ليعكس التصميم ثبات الإنسان في الظروف الصحراوية القاسية قديماً. أما الكرسي فهو مستوحى من كثبان الرمال الصحراوية الناعمة، ووضعت أمامه كوباً مصمماً على شكل عقال، واعتمدت في التصميم على بقايا الخشب المستخدم في إعادة التدوير للحفاظ على مبدأ الاستدامة».
ترسيخ مكانة مهنة التلي
حرصت المصممة سارة المنصوري، على استدامة مهنة التلي كحرفة تقليدية، ولكن بأسلوب عصري، وفي مساحة من الديكور المنزلي بعيداً عن استخدامه المعتاد في الملابس «التلي من المهن الإماراتية الخالصة، وقد زادت مكانته في السنوات الأخيرة بعد تسجيله كحرفة على قائمة «اليونيسكو» للتراث الثقافي غير المادي، فاستخدمت في تصميمي خيوط الذهب، لإبراز الهوية الإماراتية وإحياء التراث من منظور شبابي، ولنستمر في الاعتزاز بهذه المهنة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من تاريخنا وجذورنا التي لا يمكن أن يغفلها أي جيل آت، حتى بعد مئات السنين».
الامتنان لحياة الأجداد
ويبرز دور شجرة النخيل مرة أخرى في التصاميم التي تعكس الهوية الإماراتية، عبر تصميم ماجد البستكي، الذي لفت إلى مكانة شجرة النخيل في حياة المواطن الإماراتي «صممت مقعداً للاستراحة مصنوعاً من جذع نخلة، إشارة إلى حياة المواطن الإماراتي قديماً والذي كان يستريح على جذع النخلة المائل خلال عمله في أجواء الصحراء الحارة، ويستظل بظلها، فالهدف من التصميم هو تقدير تلك الأيام، وأسلوب حياة الأجداد، والاعتزاز به في وقتنا الحاضر».
«المندوس» بتصميم عصري
أما المصممات دانية عجلان، آمنة بن بشر، دونا عجلان، فقد صممن «مندوس»، وهو الخزانة التي كانت النساء يحفظن فيها الأشياء الثمينة «المندوس، قطعة موجودة في كل منزل، حتى وإن قل استخدامها، لذلك حرصنا على تصميمه بشكل عصري، وباستخدام خامات مستدامة وبأسلوب حديث لينسجم مع باقي أثاث المنزل، كي يبقى حاضراً يربطنا بماضي أهلنا قديماً، فجميع الدول تعتز بتراثها، ووجودنا كمصممين هو تجديد الأفكار التي نقدم بها هذا التراث».
التصاميم كشفت توجّه الشباب الإماراتييين نحو تعزيز الهوية الوطنية
تقول فاطمة المحمود، القيّم الفني لمعرض «مصممون من الإمارات»، «إن تسليط الضوء على التراث الثقافي الإماراتي، كشف لنا عن العديد من المواهب الإماراتية الشابة، الذين أبدعوا في تقديم ابتكارات تدعم الصناعة المحلية، ولم يغفلوا مبدأ الاستدامة في تصاميمهم، وهو من أحد الشروط المطلوبة في تلك الأعمال المشاركة في المعرض، الذي استقطب 30 مصمماً من الإمارات، عكسوا القيم الإماراتية في صناعتهم الإبداعية، وقدموا أعمالاً متكاملة تعبّر عن الهوية الوطنية».