من أجل إحياء تراث الإمارات، لـيمتدّ الأثر من الآباء المؤسسين إلى الأجيال الناشئة، قطع 37 شخصاً، من مواطني ومقيمي دولة الإمارات، مسافة 550 كم، على ظهر المطية، وسط الكثبان الرملية للصحراء الغربية لدولة الإمارات، خلال مسيرة النسخة العاشرة لقافلة رحلة الهجن، كواحدة من أصعب الرحلات على الإطلاق، التي تنظمها إدارة الفعاليات في «مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث»، وتعتمد على الاندماج الكامل مع طبيعة المكان، وجغرافية الرحلة.
حطّت رحلة الهجن بنسختها العاشرة، رحالها، أمس، في دبي، بعد أن قطعت مسافة 557 كم بين الكثبان الرملية في صحراء دولة الإمارات العربية المتحدة، في قافلة ضمت 37 مشاركاً من 16 جنسية مختلفة، حيث استغرقت الرحلة 12 يوماً على ظهر المطية وسط الكثبان الرملية، والتي بدأت من منطقة عرادة، لتعود إلى وجهتها الختامية في القرية التراثية بالقرية العالمية.
وقد انطلقت الرحلة من آخر منطقة في صحراء الربع الخالي، وقطع المشاركون محطات عدة، أبرزها: جنوبي تل مرعب، الخرزة، شرقي محمية قصر السراب، محمية المها العربي، شرقي حليبة، شرقي أم الحب، جنوبي محمية بوتيس، حيث تتابع القافلة مسيرها باتجاه، جنوب الخزنة، سويحان، العجبان، سيح السلم، وصولاً إلى نقطة الختام في القرية التراثية في القرية العالمية، في 7 يناير الجاري.
رحلة الهجن.. تجربة تأملية
الرحلة بالنسبة إلى الفرنسية مادو الكسندرا، وابنتها ليزا، ضرورية بالنسبة إلى عملها كـ«لايف كوتش»، حيث تقول «أنصح المتدربين لديّ بالخروج إلى الصحراء للتأمل والاختلاء بأنفسهم، وكنت أنتظر أن أخوض التجربة بنفسي كي أتمكن من تعزيز الفكرة التي أقدمها نظرياً للمتدربين. وبعيداً عن مشقة الرحلة، هناك سحر لا يمكن مقاومته، وعلاج نفسي حقيقي، وقد اصطحبت أبنتي الصغيرة ليزا، معي كي تتفاعل مع الطبيعة والجمال والرمال في مرحلة مبكرة من عمرها، وقد لاحظت انسجامها بالفعل، كما توقعت، واستمتعت بجانب جديد في دبي، حيث اعتادت الرفاهية وتوفر كل كماليات الحياة».
رحلة من أجل التعمق في ثقافة الإمارات
أما روبين، من كوريا الجنوبية، فيقول «لقد تعمقت خلال الرحلة في ثقافة المجتمع الإماراتي بشكل لم أكن أتصوره، فكل شيء خلال الرحلة كان طبيعياً، وغاية في البساطة، من عادات وتقاليد هذا المجتمع العربي الأصيل، حيث جربنا الأكلات المحلية، بما فيها البلاليط والهريس، وكانت التقاليد رائعة، وفيها قِيم عظيمة تشرفت بأن أتحلّى بها، ولكن الدرس الأكبر بالنسبة إلي هو ما اكتسبته من لغة التواصل مع الإبل، وكيفية فهمها من ردود أفعالها، وقد تدرّبنا على هذا الأمر قبل الرحلة بثلاثة أشهر، وفهمت عن هذه الحيوانات أنها صبورة فعلاً، وعندما تغضب لا يمكن السيطرة عليها بسهولة».
توافر الأمن والأمان
من جانبها، تبيّن الألمانية ليلى زخير «تأكدت أن من يعيش في دبي سيكون بإمكانه تجربة كل ما يخطر على باله، أشعر بأني لو كنت أعيش في دولة أخرى لتردّدت في خوض التجربة، والانضمام لهذه الرحلة، فعوامل الأمان متوفرة هنا لأقصى درجة، والقائمون على الرحلة يلتفتون لأدق التفاصيل، لم نشعر بخوف أو تعب في أغلب الأوقات، حتى مشقة الرحلة كانت ممتعة للغاية، بعيداً عن صخب المدينة، والروتين اليومي الذي نعيشه».
من مكاسب رحلة الهجن.. عائلة جديدة
أما مريم سعيد، من الإمارات، فترى أن المكسب الكبير في رحلة الهجن هو العائلة التي كوّنتها من الأشخاص الذين جمعتهم هذه الرحلة على قلب واحد «لقد كنا بمثابة الأهل، قضينا وقتاً ممتعاً بين الكثبان الرملية، وخففنا عن بعضنا بعضاً مشقة الرحلة، وعلى الصعيد الشخصي فهي تجربة ملهمة، أنصح أي شخص، مواطن أو مقيم، في دولة الإمارات بتجربتها».
تجربة خيالية
الإرهاق والتعب الجسدي كانا واضحين على وجه ألكسندر، وقد أشار إليهما في بداية حديثة معنا «ليس من السهل على أي شخص اعتاد حياة الرفاهية على أرض الإمارات أن يعيش لمدة 12 يوماً في الصحراء، مستخدماً وسيلة مواصلات واحدة، هي الجمل، الأمر بمثابة قصة خيالية تحولت لواقع، كانت متعِبة لا يمكن إنكار ذلك، مع ما تعرّضنا له من آلام في الظهر والأقدام، ولكن الثقافة والمتعة المكتسبتين تستحقان كل هذا العناء».
تراث مستدام
وفي هذا الصدد، يؤكد عبد الله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، المضمون والجوهر لتلك الرحلة، لما فيها من آيات وعِبر، من التزام وتعاون وصبر في اجتياز العديد من الصعوبات التي فرضتها الظروف الجوية، في الأيام الماضية، ووعورة بعض المناطق التي اجتازتها القافلة، والاضطرار إلى زيادة عدد ساعات الترحال.
وعن «رحلة الهجن» يشرح «كنا نصل إلى المسارات المحددة في كثير من الأحيان بعد حلول الظلام، وتُعد قصة تلك الدروب والمسارات ليست قصة انتقال من مكان إلى مكان فحسب، إنما تختصر بتفاصيلها علاقة القبائل الوثيقة مع المكان والزمان، وتشكل بالنسبة إليهم معالم تنبض بالحياة وسط الصحراء».