تُعنون إيدا لوشان أحد فصول كتابها الموسوم: «أزمة منتصف العمر الرائعة»، أحد فصول الكتاب بالتالي: «اليوم هو أول أيام عمرنا القادم»، وضعت الباحثة كتابها وهي في الثامنة والأربعين من عمرها، وفيه كتبت: «لكي يكون للحياة أعمق معنى، ولكي يسعد المرء بالحياة، فعليه أن يحاول أن يجد ذاته».
تلفت الكاتبة النظر إلى أنّنا ما إن نبلغ الأربعين، حتى نبدأ الحساب «من نكون؟ وماذا فعلنا بحياتنا؟»، وتضيف: «إن أولّ ما يَهولنا في منتصف العمر هو أننا لن نتمكّن من قراءة كلّ الكتب التي نريد قراءتها ورؤية كل الأماكن التي نريد زيارتها، وغالباً ما يغمرنا الشعور بالندم: (كان ينبغي أن...)».
يُقال إنّ الإنسان يمرّ بمراحل «صامتة» من التحوّل، فمن مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، هناك تغيّرات جسديّة تتمّ ببطء وتدرّج، لكنّها مؤثّرة، حسْبنا لملاحظة ذلك أن نقارن بين صورتين لنا، أو لسوانا ممّن نعرفهم، يكون الفارق بينهما عشر سنوات مثلاً؛ سنجد الواحد منّا في الصورة اللاحقة كما لو كان شخصاً آخر، ولو في حدود معيّنة، غير ذاك الذي كان في الصورة السابقة.
لقياس تأثيرات مرور الزمن على البشر، أجرى باحثون بجامعة أولم الألمانية دراسة باستخدام مقياس التأثير الإيجابي والسلبي، لتحديد التحوّلات الطارئة في حياة الإنسان، وأجريت الدراسة على عينةٍ شملت أكثر من 3300 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 99 عاماّ، ويتكوّن هذا الاختبار من 10 صفات إيجابيّة و10 صفات سلبيّة مصنّفة على مقياس من 1 إلى 5 يستخدمها الشخص لتقييم وضعه.
تشمل الصفات الإيجابية: النشاط، الاهتمام، الحماس، القوّة، الإلهام، الفخر، العزم، الانتباه، الحذر، التفاؤل، بينما تضمّ الصفات السلبيّة: الضغط، الانزعاج، الذنب، الخجل، العدوانيّة، سرعة الانفعال، التوتّر، الغضب، الخوف، ولم تكن غاية الباحثين إظهار أن بلوغ منتصف العمر يؤدّي إلى تراجع الإيجابي من الصفات، وتقدّم السلبي منها..
وإنما على العكس تماماً تفنيد رأي من يتحدثون عن منتصف العمر بوصفه خريفاً، كأنهم يريدون القول إنّ المرء ما إن يشارف الأربعين أو يجتازها يُودّع ربيع حياته، ويبدأ عنده العدّ العكسي، مع أن النضج الأعمق لا يأتي إلا في منتصف العمر، حيث نكون قد قمنا باختيارات شخصية عديدة في الدراسة والعمل والزواج ونمط الحياة، وتطوّرت ملكاتنا في التقييم والتأمّل.
على العكس من ذلك تماماً، افترض الباحثون أن «البشر يصبحون أكثر إشباعاً عاطفيّاً بشكلٍ مطّرد مع وصولهم إلى سنواتهم الأخيرة»، وهذا ما برهنت عليه نتائج تلك الدراسة، حيث إنّ المشاركين فيها حققوا درجات أعلى في تقييمهم الخاص بالصفات الإيجابيّة، مقارنة بالصفات السلبيّة..
وأرجعوا السبب إلى أن منتصف العمر هو، في الغالب الأعمّ، «الوقت الذي يصبح فيه الأفراد أكثر نضجاً واندماجاً، حيث يمكنهم النمو من خلال العمل والنجاحات العائليّة، ما يؤدي إلى الشعور بالإنجاز وتحسين الصحّة العقليّة».
هذه الدراسة، وسواها من دراسات مشابهة، تؤكّد المقولة المتداولة حول أنّ سنوات العمر ما هي إلا أرقام، تنقص أو تزيد، ما هو أهمّ منها هو المشاعر التي يحياها الإنسان بصرف النظر عن عمره، فما أكثر من يبدون بسبب السلبي من هذه المشاعر أكبر بكثير من أعمارهم الفعليّة.
وبالعكس أيضاً؛ ما أكثر البشر الذين يبدون أصغر بكثير من أعمارهم بسبب غلبة المشاعر الإيجابيّة في نفوسهم. إنها دعوة لأن يجعل الناس من منتصف العمر انطلاقة ناضجة نحو حياة أسعد، وليس إيذاناً بقرب النهاية.