04 سبتمبر 2024

د. هدى محيو تكتب: منصَّة لا "لايك" فيها

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: منصَّة لا

إنها شبكة اجتماعية بدون «لايك» ولا «متابعين»، هي مكان نذهب إليه للتعرُّف على أفكار وآراء مثيرة للاهتمام، كتبها صاحبها بهدف مشاركتها وحسب، أيضًا ربما لمتعة الكتابة، لا توجد هذه المنصة؟ بلى..

هي منصة وضعتها شابة في السابعة والعشرين من عمرها اسمها «تيفاني زونغ»، واسم المنصة «نوبليس» (NoPlace).

أرادت تيفاني أن تعيد إحياء أصول الشبكات الاجتماعية وتلك المساحات الأولى، مثل «ماي سبيس» في بداية الألفية الثالثة، وهي أقرب إلى المدوَّنات (البلوغات) منها إلى فيسبوك أو إنستغرام، تهدف هذه المنصة الجديدة إلى إعادة التركيز على الصداقات الحقيقية وعلى المحتويات الصادقة مع غياب «المتابعين» و«اللايكات».

فهذه الأخيرة هي مؤشر على شعبية صاحبها وتدفعه نحو الحصول على أكبر عدد من الإبهامات المرفوعة، حتى لو اضطر إلى لعب دور لا علاقة له به، وإلى خلق «قرين» رقمي عنه لا يعكس الواقع بشيء.

والأخطر من هذا، دراسة أجريت بالتعاون بين ثلاث جامعات، في إيطاليا والسويد والولايات المتحدة، تفيد أنه كلما تلقى المرء «لايكات» أكثر انتفخ تقديره لذاته مؤقتًا وشعر بإحساس بالسعادة، بيد أن هذا الإحساس هش ويحتاج إلى «صيانة» وتغذية عبر تكرار العملية التي أدت إليه.

فقد صار الإبهام المرفوع نوعًا من «آلة قياس» لتقدير الآخرين لنا، يضاف إليها التعليقات الإيجابية لتحفز ما يسمى بـ«دوائر المتعة والمكافأة» في الدماغ، وهذا بالتحديد ما يودي بنا إلى الإدمان عليها، كما يفسر في الحالة المعاكسة، أي غيابها، حالة الاكتئاب والانهيارات النفسية المؤدية أحيانًا إلى الانتحار بين المراهقين.

ذاك هو الأخطر، وقد لا يصيب كل المتابعين على الشبكات الاجتماعية، لكن ما يصيبنا جميعاً على هذه الشبكات هو خسارة العفوية والصدق في العلاقات الاجتماعية، عند إلغاء «اللايكات» عن المنصة، بوصفها علامات إعجاب جماعي..

تصير المنصة مساحة لتبادلات أصيلة لا مكان فيها للمقارنات بين من يجمع أكبر عدد من الإبهامات وأقل عدد منها، عندما تغيب المقارنات يغيب الشعور بالدونية أو بالتفوق ويختفي الحسد وقلة الاحترام والسوقية أحيانًا كثيرة في التبادلات على هذه الشبكات «اللااجتماعية».

لكن ترى، هل ستسجل هذه المنصة الخالية من الإدمان عليها النجاح ذاته الذي سجلته المنصات الإدمانية الأخرى؟