16 نوفمبر 2022

د. هدى محيو تكتب: هل نغضب حقاً عندما نجوع؟

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: هل نغضب حقاً عندما نجوع؟

كثيرون منّا يتعكّر مزاجهم حين يجوعون وكثيرون منّا تنقطع شهيتهم للطعام حين يتوتّرون، فهل هذه حالات نفسية يتحجج بها هؤلاء لصب جام غضبهم على الآخرين ويتحجج بها أولئك حتى يمتنعوا عن طعام لا يعجبهم؟

أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وإذا أحسنّا الظن، يمكن أن يكون الأمران مجرد انطباع شخصي لا يمكن إثباته علمياً.

للتأكد من الأمرين، أجريت تجربتان، واحدة في إحدى جامعات مدينة كامبريدج في بريطانيا والثانية في جامعة أوساكا في اليابان.

قضت الأولى بمتابعة عدد من الأوروبيين الأصحاء لمدة ثلاثة أسابيع بواسطة تطبيق هاتفي يجيبون فيه عن أسئلة تقيّم مستوى جوعهم وغضبهم وتعكّر مزاجهم وهذا خمس مرات يوميًا.

وقد جاءت النتيجة حاسمة لتفيد بأن الجوع يتسبب بزيادة الغضب وتعكر المزاج بغض النظر عن سن الشخص وجنسه وسلوكياته الغذائية.

أما نسبة هذه الزيادة فهي أكثر من خمسين بالمئة! ويبدو أن الدماغ، حين ينقصه السكر أي الطاقة، لا يعود يعمل كما ينبغي له فيجد المرء صعوبة أكبر في السيطرة على نفسه والتركيز والتحكّم بانفعالاته.

أما التجربة الثانية فقد تعاطت مع دماغ المشاركين مباشرة، وبالتحديد مع المنطقة الأمامية التي ترسل موجات «ألفا» المسؤولة عن تنفيذ المهمات والتخطيط والتفكير والسيطرة على النفس كما أنها تساهم في ضبط الشهية.

وقد أُبلغ المشاركون أنهم سيخضعون لاختبارات تقيس مستوى معلوماتهم في المجالين اللغوي والرياضي وهذا من أجل وضعهم في حالة توتر. ثم عرضت عليهم صور أطباق لذيذة ومفتخرة لم تتمكن من تحريك أية شهية لديهم ولا أية موجة «ألفا»، علمًا أنهم لم يكونوا قد تناولوا أي لقمة من الطعام بعد في ذلك اليوم.

واستنتج الباحثون أن التوتر يتسبب بتنشيط الجهاز العصبي التلقائي الذي يتفاعل مع التوتر ويعيق نشاط القشرة الأمامية من الدماغ فتتضاءل نسبة موجات «ألفا» التي تحفيز الشهية.

وهكذا تبيّن أن كل الشكوك المساقة في البداية جائرة، وأن لا الغضب عند الجوع ولا انقطاع الشهية عند التوتر يمكن تفسيرهما بحالات نفسية أو حجج للافتراء على الآخرين، بل إن سبب الجوع من عدمه يكمن في رد فعل الدماغ.

وإذا كانت المعدة بيت الداء، وهذا صحيح وثابت، إلا أنها ليست بيت القرار، فإن القدرة على التحكم بالشهية تكمن في الدماغ وفي مطواعيته للقرارات التي نتخذها بشأن نوعية طعامنا ونظامه والحفاظ على صحتنا.