ما هي الـ "نوموفوبيا"؟ وكيف تحمي أولادك منها في الإجازة الصيفية؟
هل شاهدت يوماً مجموعة من الطلبة من الفتية والفتيات من دون هاتف بين أيديهم؟ هل يمكن أن يصل هذا الهوس بالموبايل إلى مرحلة تسمى الـ«نوموفوبيا» خاصة في الإجازة الصيفية؟ ماذا يفعل الأهل للحيلولة دون وقوع أولادهم فريسة هذا الغول التكنولوجي؟
قبل حلول الإجازة الصيفية للمدارس، تلقى أحد خبراء الصحة النفسية في بريطانيا اتصالاً من والدة لديها مخاوف بشأن ابنها. لم يكن يعرف بالضبط سبب هذا الاتصال، حيث اعتقد في البداية أن الأمر يتعلق بعقوبة مدرسية صدرت بحقه. ولكن تبين أن هذه الوالدة توجه نداء استغاثة للحصول على مشورة، وحتى المساعدة، في كيفية إقناع ابنها بالتخلي عن هاتفه في المنزل، خاصة في الليل. يقول هذا الخبير إنها ليست المرة الأولى له في تلقي مثل هذه الشكوى بل لن يصدق أحد عدد المرات التي تلقى فيها مثل هذا النداء، والمثير أنه هو نفسه لديه «معاركه» الخاصة التي خاضها مع ابنه.
ما هي الـ «نوموفوبيا»؟
هل تشعر بالرهبة عندما لا تجد هاتفك؟ هل يتملكك الذعر عندما تكون في مكان لا توجد فيه شبكة الهاتف النقال؟ إذا كان الأمر كذلك فإن لديك أعراض رهاب يعرف باسم «النوفوموبيا».
«النوفوموبيا» هي عبارة باللغة الإنجليزية ترجمتها «رهاب عدم استخدام الهاتف المحمول». تمت صياغة هذا المصطلح لأول مرة في دراسة أجريت قبل سنوات في بريطانيا، حيث جرت دراسة على عينة من 2100 شخص بالغ، أشار 53% من المشاركين أنهم يعانون هذا الرهاب الذي يتميز بالقلق عندما يفقد الشخص هاتفه أو ينفد عمر البطارية أو لا توجد تغطية خلوية.
كما كشفت هذه الدراسة أن هذا الخوف يكون قوياً لدرجة أن العديد من الأشخاص لا يغلقون هواتفهم أبداً، حتى في الليل أو في الأوقات التي لا يستخدمون فيها أجهزتهم. وعندما سئلوا عن السبب، أجاب 55% أنهم بحاجة للبقاء على اتصال مع العائلة والأصدقاء، وقال 10% إنهم بحاجة لمواصلة الاتصال بالعمل، وذكر 9% أن إيقاف تشغيل هواتفهم يجعلهم قلقين. كما كشفت الدراسة إن غالبية الناس على استعداد لمقاطعة أنشطة حياتهم من أجل الإجابة على مكالمة أو رسالة، حيث إن 80% من المشاركين في الدراسة قالوا إنهم مستعدون للرد على الهاتف أثناء مشاهدة التلفاز، وأكد 40% أنهم يردون على المكالمة أثناء تناولهم لوجبة الطعام، وأشار 18% إلى أنهم يردون على المكالمة عندما يكونون في السرير مع شريك حياتهم. ولنتذكر أن هذه الدراسة أجريت قبل سنوات، فما بالك فيما يحدث اليوم؟!
«النوموفوبيا» والشباب
الأهل في يومنا الحاضر على حق في القلق من هذه الظاهرة. إذ تم ربط الإفراط في استخدام الهاتف النقال بالتحكم وتنظيم العاطفة الإدراكية، ضعف الوظائف الإدراكية، الانطوائية المفرطة، تدني احترام الذات... وإلى جانب المشاكل النفسية، يمكن أن تؤدي «النوموفوبيا» بين الشباب خاصة إلى مشاكل صحية، مثل الحرمان من النوم، انخفاض اللياقة البدنية، الأكل غير الصحي، الصداع النصفي... كما أظهرت الدراسات أن الإفراط في استخدام الهاتف المحمول يمكن أن يؤدي أيضاً إلى القلق والاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى. فقد وجدت إحدى الدراسات أن الشباب الذين يقضون أوقاتاً أطول على هواتفهم يسجلون درجات أعلى في معدلات الاكتئاب من أقرانهم الآخرين. ومن المثير للاهتمام، أن العلماء توصلوا إلى صياغة مصطلحات أخرى إلى جانب «النوموفوبيا» تحدد جوانب المشاكل التي يخلقها الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، ومنها:
الإدمان: عدم القدرة على تقليص الاستخدام المفرط للهاتف المحمول.
الفومو: الخوف من ضياع الهاتف المحمول.
الرينكسيتي: التأكد من الهاتف باستمرار بحثاً عن المكالمات والرسائل.
التيكستافيرنيا: الخوف من عدم القدرة على إرسال أو استقبال الرسائل النصية.
فانتوم فابريشن: أو الاهتزازات الشبح، وهو الاعتقاد بوجود تنبيه من الهاتف، عندما لا يكون كذلك.
ومن الواضح للعلماء والباحثين أن هناك قلقاً متزايداً من جانب أولياء الأمور والمؤسسات التعليمية من انتشار أعراض هذه المصطلحات بين الطلبة، وأن الأمر بحاجة إلى مزيد من التركيز والاهتمام لمكافحتها.
هل يمكن أن يدمن الطلبة هواتفهم؟
وفقاً للعديد من الباحثين المهتمين بعلوم الأمراض النفسية، فإن «إدمان الهواتف الذكية» هو اضطراب بات معترفاً به بشكل متزايد. حيث يشير هذا الإدمان إلى أن المستخدم للهاتف الذكي يعاني مشاكل نفسية وسلوكية مرتبطة بسوء استخدام الهاتف المحمول. ويرجع هؤلاء الخبراء المشكلة إلى أن معظم التطبيقات ومواقع الإنترنت التي نستخدمها في هواتفنا المحمولة مصممة لتجعلنا نريد المزيد من المكافآت أو المعلومات أو التقدير الاجتماعي، وكل هذه الإثارة تؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية في الدماغ، خاصة الدوبامين، لها تأثير على أدمغتنا.
الآثار السلبية للهاتف على المشاعر والسلوك
في سياق مماثل للألعاب والمقامرة، يمكن أن يؤدي «النوموفوبيا» إلى سلوك إدماني، فحتى عمليات البحث اليومية في الإنترنت لدينا مشاكل معها، حيث أن تصميم الخوارزميات تجعل نتائج عمليات البحث تعكس احتياجاتنا ورغباتنا الشخصية وتتنبأ بها، فتحول استخدامها إلزامياً وبشكل دائم. ويشير الخبراء إلى أن خوارزميات الإنترنت تعزز التحيز المبكر بين المراهقين، مما قد يمنعهم من التعرض للتحديات الواقعية التي قد تحفز لديهم التقييم النقدي للأفكار التي يطلعون عليها.
في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يجادل الأكاديميون هناك بوجود علاقة واضحة بين المراهقة وإدمان الهواتف الذكية، وأفاد باحثون بأن أكثر من واحد بين كل ثلاثة بالغين أفادوا بوجود «مشكلة استخدام للهاتف الذكي» لديهم، بما في ذلك الإدمان. بل حتى الأكاديميين الذين يجادلون هذه النتائج يشيرون إلى أن الإفراط في استخدام الهواتف الذكية ينطوي بالتأكيد على مخاطر على الشباب والمراهقين.
نصائح للطلبة وأولياء الأمور للتخلص من إدمان الهاتف
أليس كل ما ورد أعلاه بمثابة جرس إنذار قوي للغاية لكل والدين؟ أليست هذه الأدلة كافية كي يستبق الوالدان الأضرار ويضعان خططاً لحماية أبنائهما من الاستخدام المفرط للهاتف الذكي؟ المثير للقلق أيضاً أن الإجازة الصيفية غالباً ما تكون فيها هذه الظاهرة واضحة للغاية وربما تساهم في تفاقمها.
على هذا الأساس، وضع بعض الخبراء أفكاراً منطقية واقتراحات بناءة حول هذه المشكلة، نورد أبرزها:
دور المؤسسات التعليمية
تبذل المدارس جهوداً متضافرة لتثقيف الطلبة حول التنمر، خاصة الإلكتروني، ومخاطر أخرى يمكن أن يواجهها الطلبة على الإنترنت، ولكن هناك حاجة ماسة اليوم لتكثيف الجهود لتوعية الطلبة حول مضار الاستخدام المفرط للهاتف الذكي، ويمكن أن تكون محادثة أوسع تشمل الطلبة وأولياء الأمور حول سلامة ورفاهية العيش والصحة الذهنية.
دور الأهل في إبعاد الأبناء عن الهاتف
- كن نموذجاً: يجب على الوالدين أولاً تقليل استخدامهما للهاتف المحمول في المنزل، نحن مسؤولون عن تنشئة أطفالنا الذين غالباً ما يقلدوننا في أعمالنا اليومية، لذلك ينبغي كأهل أن نقلل الوقت الذي نقضيه على الهاتف ونزيد من وقتنا مع أولادنا.
- فرض حظر تجول: هذه النصيحة يدعمها كل الأشخاص المعنيين بالاستخدام السليم للهاتف المحمول. ضع في اعتبارك حظر الهاتف المحول في غرفة النوم بعد وقت معين، صحيح أن هذا صعب وربما يؤدي إلى جدال، ولكن يمكنك ببساطة إقناع أولادك إذا ما بدأت بنفسك كي لا يبدو الحظر نوعاً من العقاب الفردي.
- مساحة خالية من الهاتف: بإمكانك أيضاً فرض حظر على وجود الهاتف في مكان معين في المنزل أو في أوقات معينة. يمكن أن يشمل ذلك مائدة الطعام أو حتى الحمام، فسحب الهاتف من أولادك قبل دخولهم المرحاض مثلاً يحميهم من البواسير عند الكبر، والسبب معروف.
- تحدث أكثر: هل سمعت من قبل بمصطلح «وحدنا معاً»؟ معناه أننا كعائلة أو أصدقاء نجلس سوية ولكننا نتجاهل بعضنا البعض تماماً لأن كل واحد منا مشغول بهاتفه. وأحد الحلول التي تجنب تفتيت الأسرة والحياة الاجتماعية هي التحدث أكثر، ربما تشاهدون التلفاز معاً وتعلقون على ما يجري، أو يسأل أحدكم الآخر عما فعله هذا اليوم.. ابتكروا موضوعاً للحديث والنقاش. تذكروا فترة التسعينيات وما قبلها، كيف كنا نجتمع ونضحك ونناقش ونستفيد من بعضنا.
- تشجيع الأنشطة: هل هناك أروع من الخروج كعائلة للتنزه أو ممارسة أنشطة أو ألعاب سوية؟ ربما هذا صعباً على البعض خاصة في خضم حياتنا المشغولة اليوم، ولكن على الأقل شجع طفلك للانخراط في نادٍ أو نشاط رياضي أو حتى الخروج مع أصدقائه ولكن بشرط أن يكون هذا الخروج على الطريقة القديمة (حديث أكثر وهاتف أقل).
- التخلص من السموم الرقمية: وهي طريقة باتت منتشرة أكثر اليوم وتتمثل في فترة الانقطاع عن الإنترنت ووسائل التواصل أو على الأقل تقليل استخدامها. يمكننا جميعاً وضع أهداف لأنفسنا وأولادنا لتقليل وقتنا على الأجهزة الإلكترونية.