ما هو فرط القراءة لدى الأطفال؟ هل هو مرض أم إعاقة أم قدرة خارقة؟
نسمع في بعض الأحيان عن عسر القراءة، ولكن من منا سمع عن فرط القراءة؟ ربما علامات هذه الحالة موجودة لدى طفلك وأنت لا تعرف، لذلك من المهم للغاية أن تتعرف إلى حالة فرط القراءة كي تكون تراقب وتتخذ الخطوات الضرورية وفي الوقت المناسب.
الأطفال الذين يعانون فرط القراءة غالباً ما يعلمون أنفسهم بأنفسهم، ويمكنهم القراءة بشكل أفضل بكثير مما هو متوقع في أعمارهم، ولكنهم يجدون صعوبة في فهم ما يقرؤونه. إنهم يتفوقون في معرفة كيفية فك تشفير الكلمات المكتوبة ولكنهم يعانون صعوبة في الفهم.
تمت صياغة مصطلح فرط القراءة في عام 1967 ويتميز عادة بأربع سمات.. تشمل: امتلاك مهارات قراءة متقدمة، وتعلم القراءة مبكراً دون أن يتم تعليمها للطفل، وتفضيلاً قوياً للرسائل والكتب، والإصابة باضطراب النمو العصبي المصاحب.
عندما ظهر المصطلح لأول مرة، في ستينيات القرن الماضي، تم استخدام فرط القراءة خصيصاً لوصف الأطفال الذين يعانون إعاقات النمو العصبي والذين أظهروا أيضاً مهارات ممتازة في قراءة الكلمات. هناك طرق مختلفة لتعريف (أو تشخيص) فرط القراءة، وأكثرها شيوعاً هو التمييز بين قدرات الفرد المعرفية وقدرات القراءة، بحيث تتفوق قدرات القراءة بشكل يتجاوز ما هو متوقع من الطفل بناء على إدراكه. وغالباً ما ترتبط هذه الحالة باضطراب طيف التوحد (ASD)، ولكن ليس دائماً.
فرط القراءة والتوحد
بعد خمسين عاماً من ظهور مصطلح فرط القراءة لأول مرة، أصبحت هذه الحالة مرتبطة الآن بالتوحد وغالباً ما يتم الإبلاغ عنها باعتبارها إحدى القدرات العلمية لمرض التوحد. ومع ذلك، لم يحدد العلماء بعد مدى ارتباطه بالإدراك التوحدي واكتساب القراءة النموذجي.
يقول روبرت ناصيف، وهو عالم نفس يتمتع بخبرة في مرض التوحد من ولاية بنسلفانيا الأمريكية، «الأطفال الذين لديهم هذا الاهتمام الشديد بالحروف يستمتعون بقراءة الكلمات ولكن لديهم مشكلة في المعنى. هذه الخاصية شائعة في مرض التوحد. فالأطفال المصابون بالتوحد غالباً ما يتعرفون إلى الكلمات ولكنهم يجدون صعوبة في فهم معنى النص أو الفقرة».
إذاً، بشكل عام، يرتبط فرط القراءة ارتباطاً وثيقاً بالتوحد، حيث تم تحديد 84% من حالات الأطفال المصابين بفرط القراءة على أنها من طيف التوحد. ومع ذلك، فإن 6 إلى 14% فقط من الأطفال الذين تم تشخيص إصابتهم بالتوحد يعانون فرط القراءة. ومن الممكن أيضاً أن يحدث فرط القراءة جنباً إلى جنب مع اضطرابات النمو العصبي الأخرى.
علامات وأعراض فرط القراءة
يقول الخبراء إن السمة الأكثر وضوحاً وشيوعاً المرتبطة بفرط القراءة هي المهارات المتسارعة لقراءة الكلمات، والسمة التالية الأكثر شيوعاً هي الانبهار الشديد بالحروف والأشكال المطبوعة وأحياناً الأرقام.
في بعض الأحيان يلاحظ الأهل أن طفلهم الصغير مفتون تماماً بالرسائل مثلما قد يكون طفل آخر مفتوناً بالشاحنات والقطارات والكرات وما إلى ذلك. وفي كثير من الأحيان، لديهم حب للحروف حتى قبل أن يعرفوا أصوات الحروف. وبمجرد أن يبدأوا في قراءة أو فك رموز الكلمات في الكتب، سيبدو الأطفال الذين يعانون فرط القراءة أنهم قراء استثنائيون، لكنهم يواجهون صعوبة في الإجابة على أسئلة المحادثة بسبب التركيز الكبير على اللغة. بمعنى آخر، أن مستواهم في القراءة عالٍ للغاية لكنهم لا يستطيعون فهم ما يقرؤونه.
يعتقد المختصون أن جزءاً من انجذاب الطفل الذي يعاني فرط القراءة نحو الحروف والكلمات يكمن في بنية الأبجدية وإمكانية التنبؤ بها. بالنسبة لهم، القراءة هي سلوك متكرر وهو مقيد به، حيث يكون فك تشفير الكلمات هو الهدف الأساسي وليس الفهم. كما تشير تقييمات المهارات المتعلقة بالقراءة بين الأطفال الذين يعانون فرط القراءة أيضاً إلى وجود ميل نحو امتلاك مهارات إدراكية بصرية جيدة جداً (على سبيل المثال، معدل اكتشاف الحروف، والتدوير العقلي للأرقام).
كيف تتعرف إلى فرط القراءة؟
غالباً ما يظهر فرط القراءة في سن مبكرة للغاية، وأحياناً حتى خلال السنوات الأولى من عمر الطفل. في الواقع، بعض الأطفال الذين يعانون فرط القراءة يظهرون مهارات قراءة متقدمة عندما تتراوح أعمارهم بين 2 إلى 4 سنوات. وبعض المصابين بهذه الحالة قد يبدأون بالقراءة عندما يكونون في عمر أصغر.
قد يلاحظ الوالدان انبهار طفلهما بالرسائل في وقت مبكر يصل إلى سن 18 شهراً. على سبيل المثال، قد يستمتعون باللعب بالأحرف المغناطيسية. إذا كان طفلك ينظر باستمرار إلى الحروف ويتلاعب بها وينبهر بها تماماً، فقد ترغب في التحدث إلى طبيب الأطفال الخاص به حول هذا الموضوع لأنه قد تكون هناك أعراض أخرى.
عند هذه النقطة، قد يقوم أخصائي الرعاية الصحية بتقييم قدرته على القراءة. كما أن هذا التقييم قد يحدد ما إذا كان الطفل مهتماً بأنواع أخرى من اللعب، أو مستجيباً لوالديه، أو مهتماً باللعب مع أطفال آخرين. تساعد كل هذه الخصائص في رسم صورة حول ما إذا كان فرط القراءة موجوداً أم لا.
وفي الوقت نفسه، إذا كان طفلك أكبر سناً ويبدو جيداً للغاية في نطق الكلمات وقراءة الكتب، فقم بإلقاء نظرة فاحصة، خاصة إذا كان يتعلم القراءة خارج السياق الاجتماعي النموذجي. بالنسبة للأطفال الذين يعانون فرط القراءة، القراءة هي شيء يفعلونه بمفردهم وغالباً ما يتعلمونه بأنفسهم. إذا لاحظت هذا النمط لدى طفلك، فتحدث إلى أخصائي الرعاية الصحية أو اطلب إحالة لتقييم أكثر تخصصاً.
في البداية يمكن تفويت الانتباه إلى فرط القراءة، لأنه في كثير من الأحيان يركز أولياء الأمور والمعلمون كثيراً على نقاط قوة الطفل، القراءة، لدرجة أنهم لا يدركون أنه يعاني مشكلة في الفهم. إذا لاحظت أن طفلك جيد للغاية في القراءة في وقت مبكر من عمره، فيجب عليك التحقق من فهمه لما يقرأه. اطلب منه أن يخبرك بما حدث في القصة، أو اطرح أسئلة محددة تتعلق بالنص، خاصة إذا كان يعاني صعوبات تعلم أخرى.
تذكر أن بعض هؤلاء الأطفال ماهرون في الإخفاء، لديهم مهارات رائعة لدرجة أن أحد الوالدين قد يرى شيئاً ما قبل أن يراه المعلم. لذا تعمق أكثر وكن أكثر تحديداً لما تفتش عنه. ومن المهم أيضاً ملاحظة أن فرط القراءة لا يحدث لوحده في معظم الأحيان، فقد يعاني الطفل المصاب بفرط القراءة صعوبات تعلم أو مشاكل سلوكية أخرى.
علاج فرط القراءة
على الرغم من أن فك رموز الكلمات بكفاءة ودقة يعد جزءاً مهماً من القراءة، إلا أنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح الأكاديمي. يجب أن يكون الطلاب أيضاً قادرين على فهم ما يقرؤونه بالإضافة إلى دمج ما قرأوه في واجباتهم المدرسية والأنشطة المدرسية الأخرى حتى يكونوا ناجحين.
لهذا السبب، من المرجح أن يحتاج الأطفال الذين يعانون فرط القراءة إلى العمل مع مجموعة متنوعة من المتخصصين، مثل أخصائيي أمراض النطق واللغة واختصاصي علم النفس العصبي، حتى يتمكنون من تعلم طرق مواجهة تحديات القراءة لديهم.
السؤال الأول الذي يجب طرحه هو: ما هي نقاط القوة والضعف لدى الطفل؟ ثم اسأل: كيف يمكننا استخدام نقاط القوة هذه للعمل على نقاط الضعف تلك؟
وفقاً للجمعية الأمريكية للنطق واللغة والسمع، قد يكون من المفيد أيضاً النظر إلى الطلاب الذين يعانون فرط القراءة على أنهم «قراء الجبن السويسري». بمعنى آخر، تبدو مهارات القراءة لديهم صلبة ظاهرياً، ولكن هناك ثغرات تتعلق بالفهم تصبح أكثر وضوحاً مع تقدمهم في السن، عندما تصبح واجباتهم الدراسية أكثر صعوبة.
ضع في اعتبارك أنك كوالد، فأنت تمثل جزءاً كبيراً من خطة علاج طفلك. غالباً ما تكون أول شخص يتعرف إلى ما يحتاجه طفلك وما الذي ينجح وما الذي لا ينجح. قم بتدوين ملاحظات حول ما لاحظته وتواصل بانتظام مع معلمي طفلك والمعالجين ومتخصصي الرعاية الصحية.
من المرجح أن تتطور خطة علاج طفلك وتتغير مع نموه وتعلمه، وأنت تلعب دوراً حيوياً في ذلك.
نصائح للتعامل مع فرط القراءة
- إذا تم تشخيص طفلك بأنه مصاب بفرط القراءة أو أنه يعاني ببساطة سمات فرط القراءة، فمن المهم تشكيل فريق من المحترفين الذين يمكنهم مساعدته في بناء مهارات الاستيعاب لديه.
- كلما حدث التدخل مبكراً، زاد احتمال حصوله على الأدوات التي يحتاجها لبناء مهارات الاستيعاب لديه.
- هناك أيضاً عبء لغوي كبير في المدرسة. فالأطفال الذين يعانون فرط القراءة والتوحد يسألون كثيراً كل يوم، وفي نهاية اليوم يشعرون بالتعب. من المهم أن تتذكر ذلك، وتوفر لهم المنافذ التي تساعدهم على الاسترخاء والهدوء.
- تحتاج أيضاً إلى التأكد من حصولك على الدعم المناسب. قد يكون التعامل مع حالة مثل فرط القراءة أمراً محيراً ومحبطاً.. ثقف نفسك بموارد موثوقة وحاول تجنب السيناريوهات الأسوأ.
- على الرغم من أنه من الطبيعي والتلقائي أن يقفز الآباء إلى الاستنتاجات أو يفكروا في أسوأ السيناريوهات، ولكن لا تفعل ذلك. ابحث عن أخصائي، وتحدث إلى معلمي طفلك لأنهم غالباً ما يكون لديهم أفكار حول ما يمكنك القيام به في المنزل لدعم ما يتعلمه طفلك في المدرسة.
- وفي نهاية المطاف، كن معه، أحبه واعتني به.
إقرأ أيضاً: 6 دلائل علمية تدعم علاقة القراءة بصحتك وسعادتك!