عندما يتم التطرق إلى علاقة القراءة بالصحة، يتبادر إلى الذهن فوراً مسألة تحسين الذاكرة، بيد أن العلم أثبت أن الذاكرة ليست المستفيد الوحيد من القراءة بل أيضاً صحتك وسعادتك.. كيف؟
ليس هناك أروع من شم رائحة الكتب القديمة أو سماع «تفقيع» أوراق كتاب تكون يداك أول من يتلقفه. وعلى الرغم من شيوع الكتب الإلكترونية في عصرنا الحديث، إلا أن هناك الكثيرين ممن يفضلون الإمساك بكتاب ورقي يرحلون بواسطته إلى عوالم أخرى، من الناحية المعنوية، ويعدلون به مزاجهم ويظفرون عن طريقه بسعادتهم، من الناحية النفسية، علاوة على فوائد صحية أخرى.
جميع هذه الأسباب، التي سنحللها تفصيلياً لاحقاً، تثبت أن قراءة الكتاب الورقي لا تزال حاضرة بقوة في حياة البشر، على سبيل المثال تشير الإحصائيات في أمريكا إلى أن: 88% من قراء الكتاب الإلكتروني لا يزالون مستمرين بقراءة الكتاب الورقي أيضاً.
إليكم بعض الفوائد الصحية التي نحصل عليها من قراءة الكتاب الورقي:
1- تزيد الذكاء وقوة الدماغ
يقول الروائي ورسام الكارتون الأمريكي الشهير الدكتور سوس «كلما قرأت أكثر عرفت من الأشياء أكثر، وكلما تعلمت أكثر سافرت إلى أماكن أكثر».
لذلك فإن القراءة تجعل الجميع، خاصة الأطفال، يتعلمون معلومات جديدة في مناحي ومجالات الحياة كافة، وبالتالي يحققون درجات أعلى في اختبارات الذكاء ومن ثم ترسيخ نسبة الذكاء العالية في شخصياتهم طوال حياتهم. كما أن القراءة تعمل على زيادة قوة الدماغ، مثلما يفعل الركض للجسم، فهي تمرن الأوعية الدموية وتحسن وظائف الذاكرة.
2- دواء التوتر
يعتقد أن التوتر يساهم في حوالي 60% من أمراض وعلل الإنسان، ويمكن أن يرفع خطورة الإصابة بالسكتة أو مرض القلب بنسبة 50% و 40% على التوالي. صحيح أن حياتنا العصرية لا تتيح لنا استبعاد التوتر تماماً، إلا أن واحدة من استراتيجيات تحييد التوتر وتقليله هي القراءة.
هذا ما أثبتته مثلاً دراسة أجريت سابقاً في جامعة سوسيكس البريطانية حيث تبين أن القراءة يمكن أن تخفض التوتر بنسبة 68%، وهي نسبة أعلى حتى من سماع الموسيقى أو المشي. ووجد باحثون في دراسة أجريت في بريطانيا أن المشاركين الذين انخرطوا في القراءة لمدة ست دقائق، سواء كانت صحيفة أو كتاباً، تباطأ لديهم معدل نبضات القلب وانخفض إجهاد العضلات.
ويبين هؤلاء أن الانغماس بين الصفحات الورقية يجعلك تهرب من مسببات القلق والتوتر في عالمنا اليوم وتمضي وقتاً في سبر أغوار خيال المؤلف.
كما أشارت دراسة أخرى في جامعة ليفربول إلى أن 38% من البالغين يجدون أن القراءة بالنسبة لهم هي دواء التوتر.
3- القراءة تبطئ تدهور الإدراك
من المعروف أننا كلما تقدمنا في العمر تقل فاعلية دماغنا، وتصبح المهام التي غالباً ما نجدها سهلة، مثل تذكر اسم أو عنوان منزل، تحدياً بالنسبة لنا.
ولكن بناء على عدد من الدراسات فإن القراءة يمكن أن تساعد على إبطاء أو حتى منع تدهور الإدراك، بل يمكنها حتى منع الإصابة بعدد من الأنواع الأكثر حدة من خلل الإدراك مثل الزهايمر.
كما وجدت دراسة أجريت منذ سنوات في المركز الطبي لجامعة راش في شيكاغو أن القراءة يمكن أن تبطئ الخرف، حيث ظهر من تشريح أدمغة المشاركين في الدراسة بعد وفاتهم أن أولئك الذين انخرطوا في القراءة والكتابة وبقية المحفزات الذهنية في فترة مبكرة ومتأخرة من حياتهم كانت تظهر عليهم دلائل أقل على وجود الخرف.
لهذا السبب يجب ألا نستخف على الإطلاق بالأنشطة اليومية مثل القراءة والكتابة وأثرها في أطفالنا أو آبائنا أو أجدادنا.
4- تحسن النوم
بات الهاتف الذكي هو آخر ما يتصفحه الكثيرون قبل النوم، ولسان حالهم يقول: ما الضرر في التأكد من الرسائل قبل الاستسلام للنوم؟ بيد أن أبحاثاً كثيرة تثبت أن هذا الفعل يخرب عليك نومك، حيث تبين أن استخدام الهاتف قبل وقت النوم مرتبط بتقلص وقت النوم وضعف جودة هذا النوم.
ويعود السبب أساساً إلى الضوء المنبعث من الأجهزة الإلكترونية التي تعمل على تقليل إنتاج الميلاتونين في الدماغ، وهو الهرمون الذي يخبرك متى يجب أن تنام. لذلك أفضل ما يمكن أن تقوم به هو أن تستبدل الكتاب بالهاتف، فقراءة الكتاب تمنحك نوماً أفضل من خلال تسهيل الانتقال بين الصحو والنعاس.
5- تعزز المهارات الاجتماعية
بعض الناس يرون أن القراءة خير وسيلة للهروب من العالم والناس فيه، غير أن بحثاً أجري قبل سنوات أثبت أن القراءة يمكن أن تكون مفيدة في تقريبك من المجتمع والناس فيه.
إذ تبين أن الأشخاص الذين يقرأون القصص الخيالية لديهم «نظرية ذهنية» وهي القابلية على فهم معتقدات الناس ورغباتهم وأفكارهم المختلفة عما لديهم.
كما وجدت دراسة أخرى أن قراء القصص الخيالية حققوا درجات أعلى في اختبارات التعاطف من أولئك الذين يقرأون قصصاً واقعية.
ويشير الخبراء إلى أن هذه القصص تتيح لقرائها الاندماج في الشخصية، وهذا ربما يؤدي إلى زيادة التعاطف مع الآخرين في الواقع.
6- القراءة معدية
يأمل الكثير من الأهالي ممن يعرفون قيمة القراءة أن تكون القراءة هواية لأولادهم، لذلك إذا ما أرادوا تشجيعهم على أن تكون القراءة عادة لهم، عليهم أن يقرأوا أمامهم في المنزل بصوت عال.
فقد وجدت دراسة أن الآباء الذين يقرأون بصوت عالٍ لأولادهم بعمر الدراسة الابتدائية يمكن أن يلهموهم لتصبح القراءة عادة لهم، وذلك يعني أن الصغار يقرأون خمسة إلى سبعة أيام في الأسبوع من أجل المتعة.