من أكثر الأمراض غموضاً، وأكثرها بحثاً عن معلوماتها بين الخبراء والأطباء، وحتى الأهالي، هو اضطراب طيف التوحد. إذ غالباً ما يساء فهم هذا الاضطراب، فيؤدي ذلك إلى خلل في التشخيص والعلاج، يدفع ثمنه الطفل.
اضطراب طيف التوحد هو حالة من حالات نمو الدماغ تؤثر في كيفية إدراك الشخص للآخرين، والتواصل معهم، ما يؤثر في عملية التواصل والتفاعل مع محيطه، بشكل عام. ويختلف هذا الاضطراب في شدّته، وأنواع أعراضه، لهذا السبب تطلق عليه صفة «طيف»، لأنه يشمل مظلة واحدة يجتمع تحت مسمّاها عدد من الحالات التي كان يُعتقد في السابق أنها منفصلة عن بعضها بعضاً.
يعاني نحو 1% من سكان العالم، أو 75 مليون شخص، اضطراب طيف التوحّد، وفقا لإحصاءات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن على الرغم من انتشاره، تكثر المفاهيم الخاطئة حول اضطراب طيف التوحد..
وفي ما يلي تسع حقائق قد لا تعرفها عن اضطراب طيف التوحّد، بما في ذلك الأعراض، وكيفية تشخيص الأطفال، والعلاجات المتاحة.
1- يمكن أن يكون الأطفال صغاراً جداً عند تشخيصهم باضطراب طيف التوحّد
من الممكن أن يتم تشخيص إصابة الأطفال بعمر 18 شهراً باضطراب طيف التوحد، لكن معظم التشخيصات تحدث عند عمر 24 شهراً، أو أكثر، وفي هذا العمر يعتبر التشخيص موثوقاً.
قبل ذلك، سيُظهر الأطفال المصابون بالتوحد عجزاً في التواصل الاجتماعي، لكن عموماً، يكون هذا أمراً طبيعياً بالنسبة إلى من هُم في أعمارهم.
لا يوجد اختبار طبي، أو فحص دم لاضطراب طيف التوحد، لذلك يقوم مقدمو الرعاية الصحية، عادة، بتقييم سلوك الطفل من خلال فحص النمو، والتقييم التشخيصي الشامل، والذي يمكن أن يشمل اختبارات السمع والرؤية والجهاز العصبي. وقد يوصي مقدم الخدمة أيضاً بزيارة متابعة لأحد المتخصصين، مثل طبيب نمو الأطفال.
2- هناك مجموعة واسعة من الأعراض لاضطراب طيف التوحّد
يمكن أن تختلف أعراض اضطراب طيف التوحد بشكل كبير، بناء على الفرد المصاب. بالنسبة لبعض الأشخاص، تكون أعراض الاضطراب خفيفة؛ وبالنسبة للآخرين، قد تكون أكثر وضوحاً.
بشكل عام، عادة ما تشمل أعراض اضطراب طيف التوحد مهارات الاتصال والسلوكات الاجتماعية، مثل صعوبة التعرف إلى نوايا الآخرين، ومشاعرهم، أو عدم التواصل البصري.
وقد يكرر الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد أيضاً سلوكات معينّة (مثل الرفرفة بأيديهم)، مراراً وتكراراً، أو قد يصبحون مهووسين بلعبة معيّنة. ويُعد الافتقار إلى المهارات اللفظية أحد أكثر الأعراض المعروفة - نحو 40٪ من الأشخاص المصابين بالتوحد لا يتحدثون لفظياً، لكن هذا لا يحدث في كل الحالات.
تشمل العلامات الأخرى لاضطراب طيف التوحد لدى الأطفال: الحساسية المفرطة للضوضاء، أو التعرض لنوبات غضب شديدة، أو عدم الاستجابة عند التحدث إليهم، أو عدم الإشارة إلى أشياء مثيرة للاهتمام، أو عدم ممارسة ألعاب «التظاهر» بحلول 18 شهراً.
3- معدل انتشار اضطراب طيف التوحّد في تزايد
وفقاً لتقرير ملخّصات مراقبة أبحاث، صدر في عام 2021، ارتفع معدل انتشار اضطراب طيف التوحد منذ عام 2000 من 1 بين كل 150 طفلاً تم تشخيصهم إلى 1 من كل 44 طفلاً. وهناك خلاف بين الخبراء حول ما إذا كانت هذه الزيادة تعكس وجود عدد أكبر من الأشخاص الذين يعانون، بالفعل، اضطراب طيف التوحد، أو نتيجة المزيد من التشخيصات بسبب زيادة الوعي بالاضطراب، وتنوّع طيفه. وهناك من الخبراء والأطباء من يشير إلى أنه يمكن أن يكون مزيجاً من السببين، الانتشار والتشخيص، إذ إن معايير التشخيص تتغير، وهذا أدى إلى تشخيص المزيد من الأطفال.
ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد السبب الدقيق وراء هذه الزيادة في الأرقام.
4- الأطفال الذكور أكثر عرضة لتشخيص اضطراب طيف التوحّد من الإناث
تُعد اضطرابات طيف التوحد أكثر شيوعاً عند الأولاد الذكور بنحو أربع مرات منها عند البنات. وتم الإبلاغ عن إصابة واحد من كل 27 صبياً باضطراب طيف التوحد، مقارنة بواحدة من كل 116 فتاة، وفقاً لمنظمة Autism Speaks. وعلى الرغم من أن تشخيص الاضطراب لدى الأولاد الذكور يكون في وقت مبكر، وفي كثير من الأحيان أكثر من الفتيات، إلا أن الأدلة تتزايد على أن عدد حالات اضطراب طيف التوحد لدى الفتيات لا يتم تشخيصه بشكل كافٍ.
فقد استكشفت دراسة، نشرت في مايو 2018 في مجلة التوحد واضطرابات النمو، الاختلافات القائمة على الجنس عندما يتعلق الأمر بأعراض اضطراب طيف التوحد لدى الفتيات. وناقش الباحثون التباين في فجوة التشخيص بين الفتيات والصبيان، لكنهم لاحظوا أيضاً أن الفتيات يعانين أعراضاً مموّهة - وهي علامات اضطراب طيف التوحد التي يتم تجاهلها في التقييمات - ما يؤدي إلى عدم تشخيصهن بشكل مناسب.
في المقابل، يقول بعض الخبراء إن انخفاض عدد فحوصات اضطراب طيف التوحد للفتيات الصغيرات قد يرجع جزئياً، إلى ما يتوقعه الناس من الأطفال الذكور مقابل الفتيات، ففي كثير من الأحيان، يعتقد الناس أن الفتاة خجولة، وأنه لا بأس إذا لم تتحدث الآن، فهي تفضل اللعب بمفردها. أما بالنسبة للأولاد الذكور، فالصورة النمطية هي أنهم يجب أن يلعبوا مع الأصدقاء، ويركضوا، ويمارسوا، «العنف» الطفولي، وعندما يرون طفلاً لا يرغب في اللعب مع أقرانه، يعتبرون أن مسألة التوحد أكثر وضوحاً.
5- قد يبدأ اضطراب طيف التوحّد قبل الولادة
لا يعرف العلماء بالضبط ما الذي يسبب مرض التوحد. إذ يتفق معظم الخبراء على أن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية تزيد من خطر إصابة الطفل باضطراب طيف التوحد.
إضافة إلى ذلك، هناك أدلة ناشئة على أن الإصابة باضطراب طيف التوحد قد تبدأ قبل ولادة الأطفال، وعرف العلماء أنها مرحلة ما قبل الولادة، لأنهم حددوا خلايا مختلفة في أدمغة الأشخاص المصابين بالتوحد، تتطور قبل ولادة الطفل.
وإذا كان الوالدان كبيرين في السن، فهناك فرصة أكبر لإنجاب طفل مصاب باضطراب طيف التوحد، ويكون الشخص أكثر عرضة للإصابة باضطراب طيف التوحد إذا كان لديه شقيق مصاب بهذا الاضطراب.
6- الأشخاص المصابون بالتوحّد أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية أخرى
الأشخاص الذين يعانون اضطراب طيف التوحد لديهم خطر أكبر للإصابة بمشاكل صحية أخرى أيضاً. فقد وجد الباحثون أن العديد من البالغين المصابين باضطراب طيف التوحد، قد يعانون حالات أخرى، مثل الإمساك، والسمنة، والأرق، والصرع، وفقًا لدراسة أجريت عام 2021. إضافة إلى ذلك، قد يرتبط اضطراب طيف التوحد بحالات وراثية معينة، مثل متلازمة أنجلمان، وهو اضطراب في النمو؛ ومتلازمة ريت، وهي اضطراب عصبي نادر، ومتلازمة X الهشة، التي تسبب تحديات فكرية. وقد يكون الأشخاص المصابون باضطراب طيف التوحد أيضاً أكثر عرضة لمشاكل معينة، مثل القلق، واضطراب نقص الانتباه، وفرط النشاط (ADHD)، والاكتئاب، ومشاكل النوم، والحساسية، ومشاكل المعدة.
7- اللقاحات لا تسبب اضطراب طيف التوحّد
على الرغم من أن بعض الناس قد يستمر في مناكفة هذه الحقيقة، إلا أن دراسات تلو الأخرى أكدت عدم وجود أي صلة بين اضطراب طيف التوحد واللقاحات.
بدأت النظرية لأول مرة، بعد أن ادّعت دراسة صغيرة أجريت عام 1998 أنها وجدت صلة بين مرض التوحد ولقاح الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، لكن هذه الدراسة اعتبرت معيبة، وسحبتها المجلة التي نشرتها في الأصل.
8- التدخل المبكر هو المفتاح في اضطراب طيف التوحّد
لا يوجد علاج لاضطراب طيف التوحد، لكن التدخل المبكر قد يساعد الأشخاص على النمو، على الرغم من إصابتهم بالحالة.
يتم استخدام التحليل السلوكي التطبيقي، والعلاجات الوظيفية، والتخاطب، والعلاجات البدنية، بشكل متكرر. ويقول الأطباء إنها تعمل على تحديد الأسباب التي تجعل الأطفال ينخرطون في السلوكات التي يُبدونها، ومحاولة إصلاحها، أو التخفيف منها. على سبيل المثال، غالباً ما يكون سبب نوبات الغضب ورفرفة الأيدي هو الإحباط الناتج عن عدم القدرة على التعبير عن شعور المصاب بالجوع. يشمل العلاج أيضاً طرق تدريس التفاعل الاجتماعي، مثل التواصل البصري بشكل أفضل.
والأمر المهم هنا، أنه كلما تمّ علاج الطفل في وقت مبكر، زادت المكاسب التي يمكن ملاحظتها في مهارات التواصل والمهارات الاجتماعية.
وتوصف الأدوية، مثل مضادات الاكتئاب، أو الأدوية المضادة للنوبات، أو المنشطات، أحياناً، لعلاج الحالات التي قد تحدث جنباً إلى جنب مع اضطراب طيف التوحد، مثل القلق، أو اضطراب فرط الحركة، ونقص الانتباه، أو الصرع، أو الاكتئاب.
9- التقييمات والتدخلات متاحة لاضطراب طيف التوحّد
إذا كنت تعتقد أن طفلك مُصاب باضطراب طيف التوحد، فيمكن أن يساعد الفحص والاختبار على تحديد ما إذا كان يعاني أعراض هذا الاضطراب.
هناك العديد من المراكز التي تقدم معلومات حول عملية الفحص، بما في ذلك الأدوات المستخدمة (مثل الاستبيانات). ولا بد أن يعرف الوالدان أن معرفة علامات اضطراب طيف التوحد، وشدّتها، أمر مهم للتشخيص والعلاج.
اقرأ أيضاً:
- علماء يصمّمون تطبيقاً يكتشف مرض التوحد في دقائق وبدقة كبيرة
- السؤال لا يزال مطروحاً.. هل التوحّد مرض وراثي في العائلة؟
- دراسة تؤكد: أعراض التوحّد تظهر قبل تكلّم الرضيع