طفلك الذي لم يبلغ الثالثة من عمره متشتت الانتباه ولا يركّز في الكلام، ولا يستوعب ما تقولينه له بسرعة، هل فكّرت يوماً ما يكون سبب ذلك، وكيف يمكن حلّ المشكلة؟
إن آخر ما توصل إليه الباحثون في مجال الدراسات التي تهتم بتشتت الانتباه عند الأطفال، سواء مع فرط النشاط، أو من دونه، يتعلق بالجينات الوراثية، فقد وجد الباحثون أن هناك صلة بين العوامل الوراثية التي تؤثر في حجم المفردات، ومعرفة القراءة والكتابة والإدراك، واضطراب تشتت الانتباه المترافق مع العجز المعرفي لدى الأطفال دون سن الثالثة.
علامات تحذيرية
تظهر على الطفل في سِن مبكرة علامات تحذيرية يعرف الوالدان من خلالها ما إذا كان طفلهما مصاباً بتشتت الانتباه أم لا، نذكر أهمها:
وتختلف شدّة هذه العلامات السريرية من طفل إلى آخر، فقد تكون أكثر وضوحاً لدى بعض الأطفال من غيرهم، فيكون من السهل ملاحظتها، وكلما كان اكتشافها أسرع أمكن علاجها، وكلما اشتدّت شكلت عقبات أمام التعلم والتواصل الاجتماعي في المراحل العمرية اللاحقة.
وإلى جانب الأعراض المذكورة آنفاً، قد يعاني الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه المترافق مع فرط النشاط اضطرابات أخرى، مثل التبوّل اللاإرادي، اضطرابات النوم، القلق أو الاكتئاب، التشنجات اللاإرادية، والوسواس القهري.
عوامل وراثية
من الطبيعي أن يتغيّر عدد المفردات التعبيرية التي يتلفظ بها الطفل وتلك الاستقبالية التي يفهمها بسرعة أثناء مرحلة النمو المبكر، ويعود سبب ذلك جزئياً، إلى العوامل الوراثية. ويرى المتخصصون أن للاختلافات في تطور اللغة لدى الأطفال صلة بالخريطة الوراثية المخزنة في كل خلية من خلايا الجسم.
من ناحية أخرى، ثمّة علاقة بين صعوبات تعلم الكلام التي قد يواجهها بعض الأطفال، واضطرابات النمو العصبي، مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، واضطراب طيف التوحّد. فكيف يكون للعوامل الوراثية الكامنة وراء تطور اللغة في مرحلة الطفولة تأثير في تعلّم القراءة والكتابة، ونتائج الإدراك العام في المراحل اللاحقة من العمر؟
مفردات السنوات الثلاث الأولى
أجرى باحثون تحاليل للمفردات التعبيرية في المرحلة المبكرة (من 15 إلى 18 شهراً)، وللمفردات التعبيرية والاستقبالية في المرحلة المتأخرة (من 2 إلى 3 سنوات)، على نطاق الخريطة الوراثية، لمعرفة تأثير الوراثة في تشكّل الكلمات واستيعابها من الطفولة إلى مرحلة البلوغ. واكتشف الباحثون أن العلاقات الجينية بالكلام والإدراك المعرفي تتطور بشكل ديناميكي خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر، التي يستقبل فيها الطفل الكثير من الكلام من محيطه، ويحاول إعادة صياغة مفرداته، فإذا كثر عدد المفردات في المرحلة الأولى وقلّ استيعابها في المرحلة التالية، فإن الطفل يكون حينها أكثر تعرضاً لخطر الإصابة بنقص الانتباه مع فرط الحركة.
وإذا كان للعوامل الوراثية دورها الكبير في إصابة الأطفال بتشتت الانتباه وفرط الحركة، فمما لا شك فيه، أن الظروف العائلية، ومدى اهتمام الوالدين، ودرجة تعلمهما، عوامل مهمة تلعب دوراً حيوياً في تعلم الطفل في السنوات الثلاث الأولى من عمره، إلى جانب عوامل أخرى شديدة الأهمية تتعلق بمرحلتَي الحمل والولادة، مثل التدخين، الولادة المبكرة، ونقص الأوكسجين أثناء الوضع.
كيف يتم تشخيص تشتت الانتباه؟
يعتمد التشخيص على ملاحظة الأعراض، وعند تسجيل ملاحظات تنبئ بإصابة الطفل بتشتت الانتباه وفرط النشاط، لا بدّ من عرضه على متخصصين، واستشارة طبيب أطفال، طبيب نفسي للأطفال، طبيب للأعصاب، ومن ثم تحليل سلوك الطفل في البيت، وفي المدرسة.
علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
تحدُّ الرعاية متعدّدة التخصصات (طبيب نفسي، أخصائي نفسي، معالج نفسي حركي، معالج نطق وأخصائي اجتماعي)، في وقت مبكر، من تأثير هذا السلوك في الإدراك المعرفي، و تعتمد الرعاية على نوع الأعراض، وشدّتها. ويجب ألا يكون العلاج دوائياً في البداية، فاستشارة المتخصصين ومتابعتهم تكفي لتعديل سلوك الطفل بنفسه، كما تساعد جلسات النطق على علاج اضطرابات اللغة المكتوبة والشفوية. أما العلاج النفسي الحركي فيفيد في تنسيق الحركات. وهناك متخصصون لتعليم الآباء التكيّف مع سلوك أطفالهم.
ويحتاج الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إلى تحديد بعض المعايير، واتّباع روتين خاص، وقضاء الكثير من الوقت في الهواء الطلق، والتشجيع على جهودهم ومحاولاتهم. ولا يجب اللجوء إلى العلاج الدوائي إلا بعد إخفاق كل المحاولات السابقة.