دائماً ما يشوب العمليات الجراحيّة نوع من الخوف، مرتبط إمّا بمخاطر النتائج، وإما يفقد المريض حياته، إلا أن الأمر أصبح أقلّ حدة، ربما للتقدم العلمي في المجال الطبي، الذي عزّز من إقبال الجنسين على عمليّات التجميل، بشكل كبير، رغبة في تقليد شكل المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وطلباً لصورة طِبق الأصل من «فلاتر» التطبيقات الموجودة على الهاتف، ما أسهم في زيادة التشوّهات والأخطاء الطبيّة نتيجة تلك العمليات.
«فلاتر» الـ«سوشيال ميديا» أضافت مزيداً من التشوّهات والأخطاء الطبيّة
الدكتور مروان الزرعوني، استشاري جراحة التجميل والترميم في مستشفى مركز كليمنصو الطبي، يقول «ينتشر الإقبال على عمليات التجميل بين النساء، باعتبارهنّ أكثر طلباً للظهور، بشكل جميل ولائق، أمام أزواجهنّ، والمجتمع الذي يعشن فيه، وكذلك بين بعض الرجال بعد أن فرضت الـ«سوشيال ميديا» تواجدها، ودفعت الكثيرين منهم لأن يبدوا أكثر وسامة وتألقاً أمام الكاميرا التي تجذب لهم مزيداً من المتابعين إن كانوا مهتمين بهذا الجانب، أو لينالوا ودّ أصحاب المنتجات والشركات لعرض سلعهم، وتحقيق ربح إضافي، إلى جانب العمل الأساسي، أو لجذب الجنس الناعم، ولفت الانتباه إليهم».
وعن الأسباب التي أدّت إلى زيادة الأخطاء الطبية، والتشوّهات التي تحدث بعد عمليات التجميل، يشير الدكتور الزرعوني إلى أن «الأخطاء والتشوّهات تقع عند الطرفين بسبب «فلاتر» وسائل التواصل الاجتماعي، التي غيّرت في الشكل، ولون البشرة، وتقاسيم الجسم، ليزيد الطلب عليها، والرغبة في عمل نفس التعديلات المبالغ فيها، وغير المنطقية على أرض الواقع، فتأتي نتائج بعض العمليات غير مُرضية، وفيها تشوّهات كبيرة، ليقع جزء من الخطأ على المريض، وما يطلبه، ويصرّ عليه من تعديلات، والجزء الأكبر على جرّاح التجميل، الذي يعرض قدرته على إحداث التغيير المطلوب باحترافية، وقد تكون خبرته محدودة، فتكون النتائج مغايرة للواقع. وهناك تشوّهات قد تحدث بسبب نوع البشرة، واستجابتها للتغيير، من عدمها، أو بسبب طبيعة جينات المريض، كل ذلك يؤثر في النتيجة النهائية بعد عمليات التجميل. وما ألوم فيه الطبيب هو عدم شرح كل ذلك لمرضاه، وما يمكن أن يحدث من ردّة فعل الجسم، وما يعقب ذلك من مضاعفات، ومن هنا تبدأ المشاكل التي لا حصر لها، وتستلزم النظر في إجراء عمليات التجميل، وعدم التسرّع في الإقبال عليها، وأن يتعامل الطبيب بمهنية مع من يلجأ إلى علمه وخبرته، ويوجّه مريضه إلى الطريقة الصحيحة، والمفيدة لتحسين المظهر الخارجي، من دون المبالغة في التغيير، وإجراء العمليات المتتالية، وأن يصرّ على ذلك. فالمريض يجهل العواقب لكونه غير متخصّص، ويوقع على إجراء العملية من دون وعي، ويسلّم نفسه لمن يبرّئ ساحته القانونية بهذا التوقيع، فالطبيب من المفترض أنه أهل للثقة التي وضعها فيه المريض تفادياً للمخاطر».
عمليات التكميم الأكثر طلباً من الشباب والشابات والأكثر تسبباً بالتشوهات
ومن أكثر العمليات التي يستعجل فيها المريض النتائج، وينزعج منها في الوقت نفسه، هي عمليات التكميم، ويوضح د. الزرعوني «يكثر الطلب على هذه العمليات من جانب الشباب والشابات، لنزول الوزن بشكل ملحوظ، في وقت قياسي، فهناك من يفقد من 10 إلى 50 كيلوجراماً من الدهون، وعلى الرغم من انكماش الجلد بممارسة الرياضة، إلا أن ترهّله بداية من الوجه والرقبة، ومروراً بمنطقة الصدر، واليدين، والبطن، والأفخاد، شيء مفروغ منه، يعقبه إجراء من 4 إلى 5 عمليات تجميلية لإنهاء هذه المشكلة، والتي بالتبعية تترك آثاراً جراحية كبيرة، تؤدي إلى مشاكل نفسية، بخاصة للفتيات والنساء اللاتي يشعرن بأنهنّ قد تشوّهن، فينعكس ذلك على حياتهنّ المستقبلية، سواء من تُقدِم منهنّ على الارتباط، أو المتزوجات».
ويضيف «بلا شك هذه العمليات مفيدة في حال من يعاني مرض السكّري، أو ارتفاع ضغط الدم، أو لديه مشاكل في القلب، إذ بسبب نقص الوزن تقل هذه المشاكل، وربما تختفي تماماً، ولكن المشكلة أن أغلب من يخضعون لتلك العمليات ليس لديهم مشاكل صحية، بل ترهّلات وتجمّعات دهنية فقط، يمكن أن تختفي بالنظام الغذائي، والرياضة، والمشكلة مع من تنعدم لديه الإرادة، ويلجأ إلى تلك العمليات لتأتي المضاعفات مأساوية في بعض الحالات».
جراحات تجميل غير ضرورية تؤدي إلى أخطاء طبية
يعرض الدكتور راج كومار راماشاندران، استشاري الجراحة التجميلية والترميمية، أسباباً أخرى لزيادة الطلب على عمليات التجميل، رغم احتمالية الخطأ، ويقول «أدّى الوعي المتزايد بالمعلومات عن الإجراءات ونتائجها، إلى تمكين الأفراد من استكشاف خياراتهم، والسعي لتعزيز الثقة بالنفس، وشكل الجسم، إلى جانب التقدم في الأساليب الجراحية الأكثر أماناً، والتقنيات الأقل تدخلاً، ما أسهم في التعافي بشكل أسرع، كما يلعب تقدم الناس في العمر إلى زيادة الطلب على علاجات مكافحة الشيخوخة. وبلا شك، الإصرار على إجراء عمليات التجميل خلافاً لنصيحة الطبيب قد يؤدي إلى مخاطر ومضاعفات كبيرة، فأحياناً يرفض الجراحون إجراء عمليات يعتقدون أنها غير ضرورية لأسباب طبية، أو نفسية، وقد يؤدي تجاهل هذه التحذيرات إلى زيادة احتمالات حدوث مضاعفات أثناء العملية، وبعدها، فضلاً عن استخدام التقنيات الجراحية السيّئة، والتي تؤدي إلى تشوّهات، أو ندوب، أو مشاكل جمالية أخرى».
وعن المخاطر والمضاعفات التي تعقب العمليات التجميلية «يمكن أن يختلف الجدول الزمني لرؤية نتائج جراحة التجميل، بشكل كبير، حسب نوع الإجراء، وتتضمن جميع الإجراءات الجراحية فترة نقاهة تمرّ بمرحلة التورم، والكدمات، وغيرها، وغالباً ما يكون الصبر مطلوباً لرؤية الفوائد الكاملة للعديد من جراحات التجميل. فعلى الرغم من أن بعض النتائج تظهر على الفور، فإن العديد من الإجراءات تتطلب وقتاً حتى تتحقق النتائج النهائية لدى شفاء الجسم، ما يستلزم أن يناقش المريض دائماً التوقعات والجداول الزمنية مع الجراح، لفهم أكثر وضوحاً لما يمكن توقعه، فهناك دائماً خطر حدوث مضاعفات في أي جراحة، وليس التجميل فقط. فالخطأ مصطلح شائع، ولكن في المجال الطبي يمكن تقسيمه إلى مضاعفات، وإهمال، أما المضاعفات فهي نتيجة غير مقصودة، أو تأثير جانبي يحدث أثناء، أو بعد إجراء طبي، حتى عندما يتم الإجراء بشكل صحيح، ويمكن أن تنشأ المضاعفات بسبب المخاطر الكامنة في الجراحة، أو طبيعة جسم المريض بذاته، أو تعقيدات العملية، وتُعَدّ الالتهابات، والندوب المفرطة، وبطء عملية الشفاء، وظهور الغرز، وعدم التناسق، وردود الفعل التخديرية، كلها من المضاعفات التي يمكن أن تحدث، على الرغم من بذل الجرّاح أفضل جهد، والالتزام بالممارسات القياسية، وهذا لا يعني بالضرورة ارتكاب خطأ. أما الإهمال فيشير إلى خرق الواجب من قبل الشخص الذي يعمل في المجال الطبي، ما يؤدي إلى ضرر كان يمكن تجنبه».
كثرة العيادات وتنافسية الأسعار و«قبل وبعد»
يرتبط كثير من عمليات التجميل بإصلاح الخلل النفسي الذي يصيب البعض، نتيجة شعورهم السلبي تجاه عيوب أجسادهم، ما استلزم أخذ رأي الدكتور أحمد النجار، أستاذ علم النفس الاجتماعي، حول هذا الأمر «أثبتت بعض الدراسات أن 90% من الأشخاص المهتمين بشكلهم الخارجي هم في الأساس غير راضين عنه، ويريدون إحداث تغيير باستمرار، ساعدهم توافر إجراء تلك الجراحات، وكثرة عيادات التجميل، وما تقدمه من تنافسية الأسعار، بجانب التشجيع الخارجي، والتقبّل الاجتماعي لهذه العمليات، وهو أمر لم يكن موجوداً في السابق، إذ كان الناس يخجلون من إجراء هذه العمليات، إضافة إلى وجود المشاهير الذين يعتبرهم كثير من المتابعين قادة التغيير، حتى لو كان تغييراً سلبياً، كما أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تقديم السلع التجميلية، وعرضها بشكل احترافي، في ما يُعرف بـ«قبل وبعد»، كما تسببت التطبيقات المختلفة التي تغيّر في الشكل بطريقة ترضي جميع الأذواق، بزيادة الإقبال على العمليات، حتى لو كانت النتيجة غير مضمونة، فلو أتيح للناس أن يغيّروا أصواتهم لعدم رضاهم عنها لفعلوا».
وعن تجميل الوضع الداخلي، وتنقية النفس من أوجاعها بسبب عيب في الشكل، يقول د. النجار «أتذكّر حالة كانت تعاني الضيق الشديد بسبب اسمرار جلدها، وعدم رضاها عن أنفها، وبالطبع يصعب تعديل ذلك، فلجأت إلينا طلباً للتشافي النفسي، وبكل تأكيد لدينا في علم النفس آليات تنمّي الشعور بالتقبّل، والتركيز على الجوهر، وليس الشكل، وهذا كله يجنّبنا الدخول في رحلة تقبّل الذات بعد الخطأ الطبي، أو التشوهات، فكثيراً ما تلجأ إلينا حالات تعاني تدميراً نفسيّاً كاملاً بسبب التشوّهات، والأخطاء التي تنجم بعد عمليات التجميل، الأمر الذي يستلزم أيضاً وجود الدعم الاجتماعي الواعي، وليس الدعم المؤقت، فالواعي يسهم في تخفيف المشكلة ما يصل نسبته إلى 60%».
ويقدم الدكتور أحمد النجار نصيحة مفادها «ادرس الموضوع، وكُن حذراً في اختيار المكان، وعدم الجري وراء الدعايات الكاذبة التي تروّج لها الـ«سوشيال ميديا»، واعلم أن هناك مؤامرة كبيرة تدار بالصور والفيديوهات، هدفها جذب انتباهك، والدفع بك لعيادات ومراكز التجميل، وللأسف، معظم تلك العمليات فاشلة، وتترك تشويهاً، وأثراً سلبياً، كما عليك موازنة الأمور الاجتماعية والمالية، حتى تجنب نفسك مزيداً من الأعباء التي تصعّب عليك الحياة».