فيلم les Apparences - الصورة من SND
اعذروني لأنني كثيرًا ما أستعين بالأمثال الشعبية عند التطرق لأي قضية اجتماعية أو حتى سياسية. ولي من تلك الأمثال خزين ثري ورثته من والدتي وحفظته مما أسمع من حولي، وأحافظ عليه من النسيان طالما أن الذاكرة شغالة، والحمد لله. إن الأمثال المتداولة بين الناس هي خلاصة لتجارب الشعوب. وكل واحد منها يختصر في بضع كلمات مواقف مشهودة، وغالبًا ما يجري التعبير عنها في سجع مدروس وخفة دم لطيفة.
خطر على بالي المثل المصري الوارد في العنوان لأنه الترجمة الأنسب لعنوان الفيلم الفرنسي الجديد «المظاهر»، من إخراج مارك فيتوسي وأتيحت لي مشاهدته في عرض خاص قبل نزوله إلى الصالات. إن الفيلم مأخوذ من رواية للكاتبة السويدية كارن ألفتيجن بعنوان «مخانة»، أي المرأة التي تعرضت للخيانة. وأرجو أن يكون اشتقاقي للكلمة صحيحًا (من الفعل خان يخون).
لا يمكن إحصاء عدد الأفلام التي تناولت الخيانة الزوجية. لكن معالجة الموضوع تبقى جديدة ومثيرة في هذا الفيلم. كما أن الممثلة الفرنسية كارن فيار تبرع في أداء دور البطلة. إن الأحداث تجري في فيينا، حيث نتابع حياة أسرة برجوازية تتألف من الزوج هنري والزوجة إيف وابنهما الشاب مالو. ومن يراقب الشخصيات الثلاث من الخارج يخرج بانطباع مؤكد بأنها أسرة سعيدة ميسورة تتمسك بأهداب التقاليد الراقية. لكن الحقيقة التي تكتشفها الزوجة، بالمصادفة، هي أن زوجها يخونها. ومع من؟ مع صديقة ابنهما الوحيد!
كيف ستتصرف إيف؟ هل تسكت وتتجاهل وتحافظ على بيتها من الانهيار؟ أم تصارح الزوج وتهدده بالانفصال وتذهب لتفضح العشيقة وتنهي العلاقة التي تربطها بالابن؟
لا هذا ولا ذاك. فالفيلم الذي كان في بدايته شبيهًا بالأفلام الكوميدية التي تسخر من تقاليد الطبقة البرجوازية، يتحول إلى فيلم من أفلام الرعب، على طريقة المخرج هيتشكوك. فالزوجة تقرر بينها وبين نفسها أن تتكتم على السر وأن تعالج خيانة زوجها بطريقتها الخاصة. وهي طريقة خطيرة بالغة التشويق، جديرة بأعتى المجرمين. ذلك أن «الانتقام طبق يؤكل باردًا»، كما جاء في الأمثال.
خرجت من الفيلم وأنا تحت وقع صدمة صغيرة. هل يعقل أن يفعل الغل في النفوس كل هذا الفعل؟ ثم وجدتني أضع نفسي في موقف البطلة، وأتساءل: كيف كنت سأتصرف إزاء مشكلة مثل تلك؟ وأظن أن أي امرأة تشاهد الفيلم ستطرح على نفسها السؤال الوجودي ذاته: تصفح وتغفر أم تسكت وتبيت أمرًا وتنتقم شر انتقام؟
لن أخبركم بالمخطط الجهنمي للبطلة ولا كيف انتهت القصة. فليس من تقاليد الكتابة عن الأفلام كشف الحبكة لمن لم يشاهد الفيلم. لكنني سأذهب للبحث عن نسخة مترجمة من الرواية الأصلية. لا شك أن المؤلفة السويدية قامت بتشريح أكثر تفصيلًا لمشاعر الزوجة المخانة، لا الخائنة. وهو موضوع يروق لي النبش فيه مثل ذاك الذي «يفتش في الزبالة عن حب البطيخ». وهذا مثل عراقي شعبي قمت ببعض التحوير فيه، لزوم اللياقة واحترام ذائقة القراء.