أحياناً تغلق كل منافذ التواصل بين الزوجين سواء بالكلام أو التفاعل وتختفي لغة الحوار ويسود الصمت الزوجي وتبدأ الزوجة في الشكوى من هروب الزوج دائماً من البيت.
لكن هل هروب الزوج من المنزل يعتبر رسالة ضمنية من الزوج إلى زوجته أنه غير سعيد في حياته الزوجية؟ وهل الزوج الهارب يمكن أن يعود مرة أخرى إلى البيت والأولاد بحيث يقضي الكثير من الوقت معهم من تلقاء نفسه ، أم أن الزوجة تحتاج إلى التفتيش والتنقيب عن أسباب الهروب لتتمكن من استعادته مرة أخرى؟
طرحت «كل الأسرة» قضية هروب الأزواج من الحياة الزوجية على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الأسرية والزوجية وسألتهم عن الأسباب التي تجعل الزوج يهرب من البيت:
الرجل ينسحب لإشباع حاجته إلى الحرية والاستقلال، وعندما يبلغ مداه بالكامل في الانسحاب الإيجابي يرتد فوراً
في البداية، يؤكد الدكتور عبد المجيد عويس، استشاري العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، بالفعل أن هناك شكاوى كثيرة بارزة في الحياة الزوجية سببها هروب الأزواج من البيت وتجاهلهم للزوجات بعض الوقت، «عندها تبدأ المشكلات الزوجية تتفاقم وتؤدي إلى أزمات في الحياة الزوجية.وبعض النساء يتعاملن مع الأمر بالتفكير في الأخطاء التي ارتكبنها وأدت إلى انسحاب الزوج من الحياة الزوجية، والانسحاب هنا لا يكون انسحاباً كاملاً إنما يكون لبعض الوقت.. وتبدأ المرأة بلوم نفسها وتحاول الإصلاح والتقرب من الرجل، لهذا لابد من فهم دورة المحبة لدى الرجال من أجل حياة أسرية سعيدة».
ويضيف عويس «يجب أن تدرك المرأة أن الرجل ينسحب لإشباع حاجته إلى الحرية والاستقلال، وعندما يبلغ مداه بالكامل في الانسحاب الإيجابي يرتد فوراً ويشعر بحاجته إلى الحب والمودة مرة أخرى وسيكون بصورة آلية محفزاً أكثر لبذل المحبة وتلقي الحب الذي يحتاج إليه، وعندما يعود للزوجة بعد الانسحاب الإيجابي فإنه يبدأ في علاقة على مستوى عال من المحبة والحنان والود».
ويشير عويس إلى أن فهم المرأة لدورة المحبة لدى الرجل يؤدي إلى إثراء العلاقة، ولكن للأسف أحياناً يساء فهم هذا الانسحاب من المرأة مما يؤدي إلى مشاكل غير ضرورية في الحياة الزوجية. والمرأة عندما تفكر في أخطاء ارتكبتها أدت إلى انسحاب الرجل وتبدأ بلوم نفسها وتحاول الإصلاح والتقرب من الرجل بالوقت الذي يحب فيه أن يبتعد، يؤدي ذلك إلى مزيد من الخلافات.
ومن دون فهم هذا الأمر يكون من الصعب استمرار الحياة بدون مشاكل، وهناك قاعدة ذهبية للزوجات كلما أخذ الرجل حقه من الشعور بالانسحاب الموجب أصبح لديه شعور قوي في الاقتراب من الزوجة.
ويشدد عويس على ضرورة وجود مسافة تسامح وود بين الزوجين بقدر أهمية الحفاظ على استقرار تلك الأسرة، وأنه إذا وجدت هذه المساحة من الود والحب بين الزوجين ستختفي كل هذه المشكلات التي غالباً ما تنشأ بين الطرفين بسبب ضياع التفاهم والانسجام والرغبة في العناد.
معظم الأزواج لا يميلون إلى التحدث مع زوجاتهم عن حقيقة مشاعرهم العاطفية ويرون في ذلك ضعفاً
وتتفق معه الدكتورة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، في أنه يجب على الزوجات إدراك أنه إذا ما أصرت المرأة على الاقتراب من الزوج والجري خلفه سيحاول أن ينأى بنفسه ويهرب بعيداً عن التفاعل.
وتقول «المرأة أحرص من الرجل دائماً على الحياة الزوجية واستمرارها، إذ تبحث دائماً عن الحلول من أجل حياة سعيدة ومستقرة، فهي بطبيعتها لا تحب الصراع وتشعر بالندم إذا ارتكبت خطأ، ودائماً ما أنصح الزوجات بإجادة وتعلم فن الحديث مع الزوج وأن تعبر عن مشاعرها وتعطيه فرصة هو الآخر للتعبير عن مشاعره ولا تثقله بالطلبات والأعباء».
وتضيف «على الزوجة أن تعرف أيضاً عن الرجل أن معظم الأزواج لا يميلون إلى التحدث مع زوجاتهم عن حقيقة مشاعرهم العاطفية ويرون في ذلك ضعفاً يوقعهم في دائرة التوحد مع المرأة وفقدان ذكوريتهم، فالمجتمع يطلب من الرجل أن يكون خشن الطباع وجاف الأحاسيس والمشاعر ويجب ألا يعبر عن عواطفه».
وتنصح الدكتورة هبة العيسوي الزوجة بأن تتعامل مع زوجها على أساس أنه بطبيعة شخصيته لا يحب البقاء في المنزل فترات طويلة ولا ينغمس كثيراً في أمور المنزل، لأن تغيير الأشخاص تماماً غير منطقي ولن يحدث إلا بإرادته هو وسيكون تغييراً بسيطاً لأن طبيعة شخصية شريك الحياة سببها أسلوب التربية ومفاهيم معينة نشأ وتعود عليها وبالتالي فإن التغيير لن يحدث في يوم وليلة، ولكنه سيحدث بالتكرار وبالتدريج. لذا عليها أن تقوم بتكرار ملاحظاتها الخاصة بتغيير كل مفهوم من المفاهيم لديه حتى يقتنع أن ما لديه من أفكار عن الزواج هي أفكار خاطئة.
وتحذر الدكتورة هبة العيسوي الزوجات من النكد والرغبة المستمرة في إثارة المشاكل، وتوضح «بعض الزوجات يتوفر لديهن كل ما يردن من حب وحسن وعشرة وحنان ورغم ذلك تكون متقلبة المزاج مع زوجها تنكد عليه فرحته لأمر يخصه. وبمرور السنوات ينشأ لكل من الزوج والزوجة حياة منفصلة تدور حول العمل بالنسبة للمرأة و المنزل بالنسبة للزوجة، لكن على الزوجة أن تعرف أن الأبناء ليسوا بديلاً عن الزوج وليس هناك مانع من استشارة الزوج في كل كبيرة وصغيرة والترحيب برأيه والأخذ به حتى ينغمس ويعود للحياة الزوجية من جديد».
وتطالب استشارية العلاج النفسي الزوجة والأبناء التحلي بقدر كبير من الذكاء والمرونة في استعادة الزوج الهارب من المنزل، فهم يحتاجون إلى بعض الجلسات معه ومشاركته اهتماماته وامتصاص عصبيته وتقبل نقده بصدر رحب.
كثيراً ما أحذر الأزواج والزوجات من الروتين القاتل، فالعلاقة الزوجية تبرد عندما تمر الأيام متشابهة، ويختفي التفاعل بينهما إذا وقعا أسيرين للروتين مراراً وتكراراً
الدكتور هشام حتاتة، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية، يرى أن الزوجة مطالبة بأن تدرك جيداً أنها قد تكون في بعض الأحيان مسؤولة عن هروب الرجل من البيت، ويؤكد «من الطبيعي أن الرجل يأوي إلى البيت للاستراحة من إرهاق العمل والضوضاء والصياح، معنى هذا أن الزوجة يجب أن تحافظ على الهدوء في البيت قدر الإمكان ولا تثير الضجيج والصياح وأن تتكلم بهدوء ووقار وإن كان لديها أمر يستلزم رفع صوتها فمن الأفضل أن تقترب منه حتى تتكلم بصوت منخفض، وهذه إحدى مفردات السكن المنوط بالحياة الزوجية».
ويشير د. حتاتة إلى أن بعض الزوجات أيضاً هن من يبدأن بالهروب وعدم الاهتمام بالزوج لفترات طويلة، مثل السيدات اللاتي يمكثن لفترات طويلة لدى بيت أهلهن، وهنا يكون رد فعل الزوج إما خطف الاهتمام منها عن طريق منعها من الخروج ولقاء الأهل والأصدقاء أو هروبه هو الآخر إلى أماكن أخرى للقاء الأصدقاء والمقاهي أو حتى لمواقع التواصل الاجتماعي والبقاء وحيداً حتى وهو داخل المنزل.
وينصح حتاتة الزوجات الراغبات في استعادة الزوج الهارب بأن يتوقفن فوراً عن النكد، ويطالب الزوجة بأن تكون ذكية وواعية وأن ترتدي لزوجها وهو في المنزل أفضل الثياب وتحرص على ألا يشتم الزوج منها إلا أفضل الروائح وأن تحرص على إرسال رسائل حب متكررة له بين اللحظة والأخرى لتشجيعه على العودة للمنزل وأن تقابله بابتسامة مرحة عند عودته للمنزل. فالأزواج جميعاً يفضلون الزوجة المرحة البشوشة.
ويضيف «قد تكون الزوجة جميلة ولكنها تحجب جمالها بالإهمال ولا تحاول أن تعف زوجها فتدفع شريك حياتها المسكين بالنظر إلى من تهتم بنفسها وإلى من تشعر الزوج برجولته، وكثيراً ما أحذر الأزواج والزوجات من الروتين القاتل، فالعلاقة الزوجية تبرد عندما تمر الأيام متشابهة، ويختفي التفاعل بينهما إذا وقعا أسيرين للروتين مراراً وتكراراً، والواجب فعله هو إيجاد أنشطة للأسرة بها حركة وخارج منطقة المألوف، فلا تجعلوا عطلة نهاية الأسبوع هي نفسها كوسط الأسبوع».
ويشدد حتاتة على أهمية استقرار العلاقة الخاصة بين الزوجين، فهي كفيلة بتحسين الحالة المزاجية وتقليل المشاكل والنكد فيما بينهما، كما يحذر استشاري الطب النفسي كلا الزوجين من إهمال هذه الزاوية بينهما بدعوى الخصام والزعل لأن صلاح علاقتهما في الفراش كفيل بالقضاء على النكد تماماً.