نقط فاصلة هي مرحلة الانفصال ، تتغير معها الحياة ويمر فيها الأشخاص بمنعطفات خطرة تترك أثرها في عاطفة الفرد ونفسيته، يستسلم بعضهم للموقف بضعف فتكون نظرتهم للمستقبل ضيقة ويستثمر التجربة آخرون في إثبات ذواتهم وزيادة ثقتهم بأنفسهم متجاوزين آلام الماضي وما حملته من مآسي وأوجاع ماضين قدماً لخوض تجارب مقبلة، بعد أن تحول انفصالهم إلى خطوة إيجابية نحو حياة باسمة.
تشير البروفيشنال كوتش واستشاري العلاقات الأسرية، كرستين جمال، «مع صعوبة أخذ قرار الانفصال وتحدياته إلا أنه يكون أحياناً من المهم اتخاذه قبل أن تمر فترة أطول على عمر العلاقة، فعلى سبيل المثال في فترة الخطوبة يتعرف الخطيبان إلى بعضهما فإن لم يتأكدا من توافق الميول والأفكار يكون قرار الانفصال قاسياً لكنه أفضل بكثير فيما لو أخذت هذه الخطوة بعد الزواج».
تبين جمال تأثير الانفصال في الرجل والمرأة «الانفصال بعد الزواج قرار صعب بالنسبة للرجل والمرأة على حدٍ سواء على الرغم من تميز المرأة بالعاطفة إلا أن الرجل يزداد تأثراً مع زيادة قوة وصدق العلاقة مع الطرف الآخر، حيث يسيطر عليه الإحساس بالخيبة وتقل طاقة تحمله النفسي لضغوط الحياة وصعوباتها، ويجعله في حالة من عدم التوازن تفقده الاستقرار العاطفي والوظيفي والأسري».
ترصد جمال أبعاد الانفصال سلبياً على الرجل أكثر من المرأة «اعتياده على مشاركة شريكة الحياة جوانب حياته المختلفة، وطبيعته التي تميل للكتمان والتظاهر بالقوة وإخفاء المشاعر السلبية على خلاف ما تواجهه المرأة بعد الانفصال من إحساس بعدم الثقة والضعف الظاهر».
كما تشرح تأثير الانفصال في المرأة «يصبح الانفصال خطراً وأشد تأثيراً في الأسرة بوجود الأطفال، تحتاج فيه المرأة لفترة تعافٍ أطول لإحساسها بالذنب، وحتى في حال تخطيها الأمر عليها أن تتحلى بقوة وإرادة تساعدها على مواجهة المجتمع وإرغامه على تقبلها لتتمكن من النجاح وتجاوز الأزمة».
توضح حقيقة يرفض الكثيرون تقبلها «الفشل والنجاح وارد في أي علاقة، وفشل الزواج لا يعني على الإطلاق أن الزوجين شخصان فاشلان إنما هو الصعوبة في الوصول إلى التفاهم، لابد من اتخاذ مثل هذا القرار بعد تفكير عميق وبشكل خاص عند وجود أطفال، كما من المهم تجنب استخدام أسلوب الإهانة وتشويه صورة الطرف الآخر احتراماً للعشرة ومشاعر الأبناء».
تنوه جمال «يكون الانفصال بقرار حاسم وسريع في الخلافات الزوجية وخاصةً حالات العنف الجسدي حفاظاً على حياة الطرف الآخر، وحالات الخيانة الزوجية التي لا يمكن للزوج غفرانها أو نسيانها».
تتطرق د. هالة الأبلم، استشارية الصحة النفسية والخبيرة التربوية الأسرية، إلى الأسباب الحقيقية وراء اتخاذ قرار الطلاق، فتبين «لكونه من أهم القرارات المصيرية التي تنتج عنها آثار سلبية سواء في نفسية الزوجين أو الأطفال، فهو في كل الحالات يترك آثاراً تحتاج لفترة لتخطيها، لكنه قد يكون أحياناً الحل الوحيد في العلاقات التي تكثر فيها النزاعات ويشعر فيها أحد الشريكين بإحكام الطرف الآخر فيسعى للانفصال لاستعادة ثقته بنفسه، ويكون وسيلة فعالة للحصول على الراحة النفسية والهدوء بعد نزاعات غالباً ما استهلكت الكثير من الطاقة».
كيف تتعلم من التجربة؟
ترى استشارية الصحة النفسية أن «فشل العلاقة لا يعني مطلقاً نهاية الحياة، بل تجربة تساعد الشريكين على تعلم الكثير، الأمر الذي يسهل لهم عملية البحث عن شريك جديد بالمواصفات المرغوبة بعد التخلص من التوتر، لربما بعد نهاية عصر من النزاعات المستمرة مع الشريك، فقد وجدت دراسة حديثة أن المنفصلين ذوي الشخصيات المنفتحة هم أكثر ميلاً للزواج بسرعة من جديد، في حين الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية أكثر ميلاً للبقاء بدون زواج طوال السنوات السبع التالية للانفصال، أو الدخول في سلسلة علاقات متعددة وقصيرة الأمد، وتشير كلتا الحالتين إلى عدم الرغبة في الالتزام بعلاقة دائمة مرة أخرى، في نفس الوقت تشير الدراسة إلى أن الأشخاص الذين سجلوا أعلى نقاط في مشاعر الحيطة والحذر كانوا أكثر ميلاً لإقامة علاقة جدية جديدة، وفي النهاية الزواج ممن ارتبطوا به والعيش مع الشريك لمدة طويلة».
نظرة المجتمع للمطلقين
وعن نظرة المجتمعات للمطلقين، تعلق الأبلم «تقديم مبررات وأسباب واضحة، الطريقة الأفضل لإقناع المجتمع خاصة بالنسبة للمرأة التي يكون طلبها للطلاق مستهجناً لتتردد في أخذ القرار، فهناك من ترضى البقاء في بيت زوجها وهي شبه مطلقة خوفاً من نظرة العائلة والمقربين والمجتمع، كما هناك من ترضى بالذل والتحقير خوفاً من العيش بعيداً عن أبنائها»
تختم الأبلم «الاستسلام يؤدي للعديد من المشاكل النفسية والاضطرابات السلوكية، لكن تبقى مسألة الانفصال محكومة بالفروق الفردية للأشخاص فهناك من يفضله وهناك من يصبر على الظلم والمعاناة واتباع التعاليم الدينية من نصائح وإرشادات في كيفية التعامل مع الزوج، خاصةً المرأة، تجنباً لتشرد وتفكك لأسرة».