12 فبراير 2022

د. باسمة يونس تكتب: رقمنة الحب

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: رقمنة الحب

تقول كلمات أغنية «الحب الرقمي»، الليلة الماضية حلمت بك، في هذا الحلم، كنت أرقص بجانبك تمامًا، مع ازدحامنا، يصبح الإيقاع أقوى، لكن فجأة تسطع الشمس قبل أن أعرف ذلك، ويذهب الحلم بالكامل.

وتعبر كلمات الأغنية عن واقع الوقوع في الحب في عصر هيمنت عليه وسائل التواصل الاجتماعي وأتيح استخدامها مجاناً لمن عانوا طويلاً تجاهل مشاعرهم واستبداد الوحدة بهم.

لقد جاءت هذه الوسائل مثل حلم لأولئك الذين فرقتهم الأيام والحوادث وأبعدتهم، وأنهكهم الانتظار، وأدمى قلوبهم البعد. لكننا لا نعرف ما إذا كان الإنترنت بمكوناته الإلكترونية وتطبيقاته الرقمية قد نجح حقا في صون مشاعر الحب الجياشة وحقن العواطف المرهفة وما إذا كان قادراً على إبقائها دفيئة لتنمو وتزدهر كما يجب عليها أن تفعل، أم أنها ستنقضي مع رحيل الحلم وتبدده مع سطوع الشمس؟

لقد قلل الإنترنت، برأي الكثيرين، من قيمة الحب وأهدر هيبته عندما أنقص الكثير من زمن مراحله وقلل من درجاته كي يتناسب مع منصة مواعدة عبر جهاز محمول باليد بحجم ست بوصات، ومع هذا لا ندري إن كان يمكننا القول بأن هناك فرقاً ملموساً بين حب حديث أسرع في التواصل وآخر يسير ببطء سلحفاة، أو بأن هناك حب أفضل من الآخر، لأن الذي نعرفه يتعلق بالمشاعر ولا يتوقف على الأدوات المستخدمة في التعامل.

ورغم أن البعض يلحون على أن الحب الذي كان مسيطراً على العقول قبل القلوب ومهيمناً على الأرواح بشخصيته الجبارة في الماضي رغم قلة موارده وقسوة الظفر به، هو الحب الحقيقي لأنه يجئ بصعوبة ولا يرحل بسهولة ولا يمكن محوه بالسرعة التي تبدئ فيها الأشياء ثم تنسى وكأنها لم تكن يوما،ً لكن الحب الصادق لا يزال أشبه بالشمعة التي لا يرتسم نورها ولا يزهو إلا في ظل يجنبها اشتداد رياح ستطفئها أو تشعل نيرانها لتحرق قلوب من حولها، ولا يمكنه أن يرتفع كشمس تحرق بهجيرها الظهيرة وتقرص رأس أجرأ العشاق وأكثرهم فروسية.

ويبدو التفكير بالمقارنة بين حب الماضي والحاضر أمرا مثيرا للاهتمام لأنه من الشائع أن الناس كانوا لا يميلون للكشف عن مشاعرهم العميقة وأهمها الحب، بل كان انكشافه يعرضه للتبدد ويحاكم طرفيه في مسائلة عسيرة، واليوم يتسابقون لعرض مكنوناتهم بغض النظر عن صدقها من خلال دردشة أو رسائل نصية أو حتى مكالمات هاتفية وكأنهم يعرون سترها ويرفعون بوابات بقيت تحصنها طويلاً.

إن وسائل التواصل الاجتماعي التي تسمح للجميع اليوم بمقابلة أشخاص خارج حدودهم الجغرافية ودوائرهم الاجتماعية، قد تسهل برموزها وضغطات أزرار الإعجاب على الآلاف الوقوع في وهم الحب، وتجذب الملايين إلى حفرة إغواء منصات اللقاء عبر التطبيقات الرقمية، لكنها لا تؤمن لهم حباً صادقاً ولا تعدهم بالكثير.

وكما يخيل للبعض بأن تبادل رموز الإعجاب بصورهم وكتابة التعليقات والانضمام والتعارف في الشبكات الاجتماعية ومنصات المواعدة لاختيار من يحبون تسهل عليهم العثور على الحب المناسب، لكنها في الواقع، لن تحل فعلياً محل التواصل المباشر ولا يمكنها أن تحتل منزلة الحب الذي يهيمن بدون استدعاء ولا يتبدد كالحلم مع طلوع الشمس وفي ظل سيادة تزييف الصور والمشاعر في هذا الزمن.

 

مقالات ذات صلة