يبدو الزواج الثاني من أخرى ذا إشكاليات معقدة نوعاً ما من دون علم الزوجة الأولى. فعدا عن المطبات الأسرية والاجتماعية التي قد تنتظره عند علم الأولى أو حتى الأضرار النفسية التي قد تلحق بها وبالأبناء، فإنّ الشرع أجاز هذا الزواج من دون علم الزوجة ولكن حسن العشرة ومبدأ العدل قد يرتّبان على الزوج تعاملاً آخر مع المسألة.
في مصر، التوجه قائم حول إقرار قانون يجرّم الزواج الثاني دون إخطار الزوجة الأولى رغم أن التعدد «جائز شرعاً»، إلا أنه قد يشكّل (أي القانون)، وفق المتابعين، حلاً لتعدد الزوجات وضبط هذه الظاهرة لجهة مراعاة حق الزوجة الأولى وما يلحق بها من أضرار نفسية واجتماعية قد تؤثر في حياتها وفي علاقتها بأبنائها وذلك لتحقيق العدل بين الزوجات «وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة».
«كل الأسرة» واكبت هذه الإشكالية ورصدت آراء اختصاصيين رأوا أن الالتزام بشرط الزواج الأساسي، وهو العدل، «مفقود» في أغلب الحالات، حيث الكثير من الزيجات الثانية التي تمّت بالخفاء أنتجت مشكلات وصلت أروقة المحاكم وهدمت الكثير من استقرار الأسر:
المرأة لا تقبل بتاتاً بوجود امرأة أخرى في حياة الزوج
ترصد الدكتورة هالة الأبلم، استشارية نفسية وتربوية، أنّه «من المفترض على الزوج إعلام الزوجة بإقدامه على الزواج من أخرى من باب الوفاء والاحترام، لأن المفاجأة بالزواج عليها من أخرى قد تكون لها تداعيات أقوى من آثار اعترافه بعد إتمام الخطوة». ومن خلال خبرتها في مجال الاستشارات، تؤكد أن المرأة لا تقبل بتاتاً بوجود امرأة أخرى في حياة الزوج «بعض الرجال يعترفون ويعربون عن نيتهم بالارتباط من أخرى، وآخرون يعتمدون الزواج الثاني كوسيلة تهديد للمرأة، وفي حالات كثيرة يتزوج الرجل بالسر ولا يكون اعترافه إلا تحت وطأة الظروف أو ينكشف الأمر بعد وفاته».
وتعلّق د. الأبلم «فيما يعرب بعض الأزواج عن نيته بتحقيق العدل بين زوجاته مادياً وعاطفياً واجتماعياً، ثمة نساء يفضلن معرفة «خيانة» الزوج وخوضه غمار علاقة خارج الزواج على سماع الارتباط الرسمي بأخرى، رغم أن العلاقة خارج إطار الزواج تخالف الشرع ولكن اعترافه قد يطّل به على مشكلات مع الزوجة الأولى ودعاوى في المحكمة وحرمانه من حضانة أبنائه»، موجهة النصح للمرأة لأن تكون «ملكة العرش في قلب الرجل بذكائها العاطفي والحفاظ على أسرتها بغريزة الأمومة».
هناك امرأة وثّقت كل أملاكها الخاصة باسم الزوج وأعطته حق التصرف بها، وعند وفاته اكتشفت ارتباطه بأخرى
يؤكد الاستشاري أمجد أبوسويد، مشرف برامج تربوية ومُحاضر معتمد، أنه لا يتوافر نص شرعي يلزم الزوج بإعلام الزوجة بزواجه من أخرى «تندرج هذه الخطوة في سياق العدل ولاعتبارات تتعلق بالإرث وغيرها حيث إن قوله تعالى «وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» هو إشارة إلى العدالة في الإنفاق والمبيت والواجبات». ويكشف أبو سويد عن حالات كثيرة لنساء اكتشفن ارتباط أزواجهن بأخريات، مما وضعهن أمام مشكلات قانونية واجتماعية وحتى نفسية وأدخلهن في أروقة المحاكم «هناك امرأة وثّقت كل أملاكها الخاصة حتى التي ورثتها عن أهلها باسم الزوج وأعطته حق التصرف بها، وعند وفاته اكتشفت ارتباطه بأخرى شاركتها في مالها الخاص بعد الوفاة، وهذا يندرج ضمن عدم العدل والإنصاف».
في رصده للواقع، يرى أن هذه الخطوة هي رهن مفهوم الزواج وأهدافه «من الضروري أن ننظر إلى أهداف وغايات الزواج وليس إلى كماليات الزواج، وأتلمس قصوراً كبيراً عند الأزواج في هذه الناحية، أهم عقد بين الطرفين ليس عقد الشراكة بل عقد الميثاق الغليظ لأنها أفضت إليه وأفضى إليها وهذا الميثاق إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان حيث إن المعروف أقل من الإحسان والإحسان أكثر بلاغة وعمقاً من المشاركة».
من هذا المنطلق، يلفت إلى فئة كثيرة واعية من الرجال تعترف قبل الإقدام على خطوة الزواج وهي تعرف حقوق الزوجة حق المعرفة، في حين هناك فئة لا تعترف لأسباب عدة. يكون الخوف من المواجهة هو الدافع الأكبر لعدم الاعتراف بالزواج من أخرى والدخول في متاهة مشكلات كبرى «أبرز ملامح الضرر التي تلحق بالمرأة، إلى جانب الضرر النفسي الذي يطالها وأسرتها، هو التعثر بالإنفاق مع عدم اهتمام الزوج بعائلته من هذه الناحية وعدم «استثمار ربيع الوقت» مع أبنائه».
ووفق علم النفس التربوي، نادراً ما تقبل امرأة بوجود امرأة أخرى في حياة الزوج، ولذا يرى أبو سويد الحل حيث «القانون الأفضل يقوم على تأهيل وترخيص ينص على حقوق وواجبات كل طرف واضح الأهداف والغايات.. من الأجدى أن تكون العلاقة مرخصة واضحة للطرفين، وعندما يحصل أي تحدّ أو تصادم لا تنفرط الأسرة حيث الأركان والأهداف توضح المحاور الرئيسية لتلك العلاقة».
الطلاق للضرر المادي أو المعنوي في السياق القانوني
تجد المحامية شوق الكثيري أن ثمة قصوراً في إعلام الزوجة الأولى في حقها بالطلاق عند ارتباط زوجها بأخرى، في حال الضرر.
تقارن بين القانونين المصري والإماراتي:
إعلام الزوجة بالزواج التاني في القانون المصري
«جرى نص المادة 11 مكرر من القانون رقم 25/1929 المعدل بالقانون رقم 100/1980 بشأن أحكام الأحوال الشخصية المصري على أن «على الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجاً فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب محل مقرون بعلم الوصول، ويجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها، فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة، ويسقط حق الزوجة في طلب التطليق لهذا السبب بمضي سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى إلا إذا كانت قد رضيت بذلك صراحة أو ضمنا، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوج عليها بأخرى، وإذا كانت الزوجة الجديدة لم تعلم أنه متزوج بسواها ثم ظهر أنه متزوج فلها أن تطلب التطليق كذلك».
وتوضح «البين من هذا النص أن المشرع المصري قد أجاز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق – حتى ولو لم تشترط في عقد الزواج على زوجها بألا يتزوج بأخرى – شريطة أن يلحقها ضرراً مادياً كان أو معنوياً طالما تعذر معه دوام العشرة، ومن ثم فإنه ووفقاً للنص المار ذكره، فإن الزواج بأخرى ليس سبباً موجباً للطلاق في ذاته ما لم يتحقق الضرر وفقاً للمعيار المتقدم».
إعلام الزوجة بالزواج التاني في القانون الإماراتي
في المقابل، تلفت المحامية الكثيري إلى أن «القانون الإماراتي رقم 28/2005 لم يتضمن نصاً صريحاً نظيراً للنص المشار إليه، وإن كان قد نص بالمادة 117 منه على أن «لكل من الزوجين طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف بينهما ولا يسقط حق أي منهما في ذلك، ما لم يثبت تصالحهما».
وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون المذكور أن معيار الضرر الذي يصيب أحد الزوجين، ويتعذر معه دوام العشرة بينهما، والذي لا يكون بين أمثالهما عادة، هو معيار شخصي، يختلف باختلاف بيئة الزوجين ودرجة ثقافتهما، والوسط الاجتماعي الذي يحيط بهما، ولا فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها في طلب التطليق للضرر في المذهب المالكي، إذ مناط التطليق هو الضرر. ومن ثم فإنه حتى وإن لم يكن هناك نص صريح يقضي بإجازة الحق للزوجة بطلب التطليق للزواج بأخرى دون علم الزوجة الأولى، إلا أن نص المادة 117 من القانون رقم 28/2005 قد أخذ بالضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة ويؤدي للشقاق كأحد الأسباب التي تجيز للزوجة طلب التطليق وأعتبر أن معيار الضرر الذي يتحقق به تلك الإجازة معيار شخصي وفقاً للبيئة والوسط الاجتماعي، فإنه وفي رأينا يتسع ليشمل حالة الزواج بأخرى إن تحقق بهذا الزواج الضرر بالزوجة الأولى سواء كان هذا الضرر مادياً أو معنوياً.
ما موقف الشرع؟
يؤكد الشيخ الدكتور عبدالله محمد الحمادي، كبير الوعاظ في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف أنّ «من تشريعات الله سبحانه وتعالى مشروعية تعدد الزوجات بشروط وضوابط شرعية، والإسلام تميز بضبط هذا الموضوع الخطير المحوري في حياة الناس ضبطاً دقيقاً عادلاً واضح المعالم بكل وضوح من خلال نصوص الكتاب والسنّة، كما بينه أهل العلم بجلاء».
يضيف «للتعدد حِكَمٌ كثيرة بارزة، منها: ضبط الغريزة التي غرزها الله في نفوس الذكور والإناث، القضاء على شبح العنوسة ومخاطرها الاجتماعية والنفسية، كبح عجلة الجرائم، كالاغتصاب وإنجاب الأولاد غير الشرعيين، زيادة النسل، زيادة الأجر والثواب بزيادة النفقات والقيام على الزوجات، والقضاء على الأمراض الخطيرة الناتجة من انتشار جريمة الفاحشة والخيانات الزوجية».
بيد أن لهذا التعدد ضوابط شرعية يلفت إليها كبير الوعاظ منها: مقدرة الزوج الجسدية الصحية بحيث يفي بحق الزوجات، العدل في المبيت بتوزيع الأوقات، العدل في النفقة من حيث المسكن والملبس والمأكل وغير ذلك، كل بحسب حاجتها».
ويكمل «أما شرط موافقة الزوجة الأولى على زواج الزوج من الثانية، فلا يوجد عليه دليل شرعي يشترط هذا الشرط من الناحية الشرعية فالرجل الحكيم يعلم من أين تُؤكَلُ الكتف، وكيف يمهد للموضوع، فلا يبني بيتاً جديداً ويهدم بيته القديم، بل يحافظ على القديم ويبني الجديد مكوناً أسرة جديدة يسعد بها المجتمع ويزداد قوة ومنفعة. وإذا كان ثَمَّةَ رجل لم يحسن التصرف في أسلوب التعدد، وطريقةَ ولوجه لهذه الحياة الجديدة، فهذا خلل في تصرفات هذا الرجل، الذي يحتاج إلى توجيه وحكمة، وليست المشكلة في مشروعية التعدد أو عدم أخذ إذن الزوجة الأولى».