يعد حفظ الأسرار بين الناس من علامات المروءة والنبل، وهناك من يتحلى بالقدرة على كتمها وآخرون لا يستطيعون، إلا أنها تتحول إلى أزمة كبيرة عندما ترتبط بالأسرار العائلية لتشتكي بعض الزوجات ممن يرتبطن بشركاء حياة يعتبرون إخبار الأهل بشؤون أسرهم وما يحدث فيها أحد حقوقهم عليهم، لتتحول أدق التفاصيل وأحياناً أبسطها مكشوفة لكثير من الأشخاص، وهو ما يرهق نفسية شريكة الحياة ويقهرها ويجعلها في صراع بسبب شعورها بأن زوجها صاحب شخصية ضعيفة أمام أهله، يستلزم التعامل معها بطريقة مختلفة.
تحكي لنا أمل سعيد، ربة منزل، «أختي طلقت بسبب خصال زوجها التي لم تستطع أن تتكيف معها، فهو ابن وحيد لوالدته على 6 شقيقات، وتعتبره بعد وفاة زوجها أهم ما تملك، فهي تريد أن تنتقي له ما يأكله وما يشربه وحتى خططه للسفر للاستمتاع هو زوجته تختار الوجهة التي يذهبان إليها، ناهيك عن التدخل في مسألة الإنجاب والإلحاح في أن تحمل زوجة ابنها رغماً عنها، وغيرها من التفاصيل التي جعلت أختي تطلب الانفصال لقناعتها بعدم قدرته على تغيير طباعه والحفاظ على حياته الخاصة بعيداً عن تدخلات والدته ونصائحها التي لا تنتهي».
تدخل الأهل يخرب الحياة الزوجية
ناعمة الشامسي، مستشارة نفسية وأسرية وزوجية، توضح «الحفاظ على أسرار البيت من أهم الأسس التي تبنى عليها العلاقة الزوجية الصحيحة، لذلك عندما تفشى هذه الأسرار تتزعزع تلك العلاقة والتي من المفترض أنها تبنى على قوانين معينة وخطوط حمراء يجب ألا يتجاوزها أحد، حتى يكتب لها القدرة على تخطي أي مشكلات، فعندما يتشارك الزوجان الحياة عليهما إدراك شيء مهم وهو أن نجاح علاقتهما لا يتحقق سوى بهما فقط، وتدخل الأهل في تلك الحياة يخربها، إذ يعد كشف المستور عن تفاصيلها حتى ولو كانت بسيطة يعكر صفوها، فأحياناً قد لا يدرك أحد الزوجين أن التحدث عن أموره الخاصة أمام الأهل قد يزعج الطرف الآخر.
وتكمل ناعمة الشامسي "الأم على سبيل المثال تعيش مع أبنائها مراحل حياتهم المختلفة ودائماً ما تشعر بمسؤولياتها تجاههم، فتظل مهمومة بمشاكلهم وتتدخل في تفاصيلها من باب الحرص على توجيههم وتعديل مسار سلوكهم، ولكنها لا تدرك أنها مع الوقت لابد وأن تعطي هذا الدور لشريكة الحياة وعليها هي أن ترتاح ولا تسهم في جعل ابنها عصفورة في بيته تعرف من خلاله كل ما يدور في الكواليس، فكم من مشكلات تأتي إلينا بسبب فتح الباب أمام الأهل وكشف تفاصيل الحياة وهو ما يدع مجالاً للتدخل في شؤون أبنائهم بشكل يزعج الأطراف الأخرى، فاليوم يجري الابن كي يشتكي زوجته لوالدته وغداً تتدخل الأخت لإبداء الرأي ومناصرة الأخ وكلها سلوكيات خطأ، فإذا كان هناك ما يعكر صفو البيت فعلى الزوجين اللجوء إلى المختصين، الذين لا ينحازون إلى طرف دون الآخر، بل يقدمون النصيحة بشفافية كبيرة".
وتتابع «عندما ترفع عن البيوت غطاء سترها يؤدي ذلك إلى خلل في العلاقة الزوجية، والتكتم عن الأسرار أحياناً، أي أنه بمجرد شعور أحد الطرفين بأن الآخر يفشي أسرار البيت فيصبح حريصاً في قول أشياء كثيرة مما يخلق الحواجز في العلاقة الزوجية، ناهيك عن فقدان الثقة بين الشريكين وعدم ارتياح الآخر لقول كل ما يجول في خاطره».
كلما كانت الخلافات ضمن نطاق ضيق في البيت كلما زادت فرص حلها
من جانبه، يؤكد يعقوب الحمادي، أخصائي اجتماعي، «البيت محفظة أسرار والتعامل معه بغير ذلك يربك الحياة الزوجية ويجعلها تدخل في صراعات جانبية كثيرة، وبشكل عام تعد الخلافات الزوجية أحد أهم الأسرار التي يجب المحافظة عليها ضمن نطاق المنزل، لأنه في حال تم البوح بأسباب الخلافات للأصدقاء أو الأهل سوف يتدخل العديد من الأطراف وتكثر الآراء التي تدعم أحد الطرفين في العلاقة مما يجعل المشكلة أكثر تعقيداً، لذلك كلما كانت الخلافات ضمن نطاق ضيق في البيت كلما زادت فرص حلها بشكل أسرع، فكم من حالات جاءت تشتكي من سوء معاملة الزوج وإفشاء ما يحدث بينهما من تعامل في البيت أمام الأهل حتى كرهوا الزوجة ودفعوا الابن للبحث عن الخلاص بالانفصال.
ونصيحتي دائماً للزوج أن يجعل من بيته أشبه بالقلعة التي لا يخترقها أحد وليحل مشاكله بنفسه ولا يدخل أطراف أخرى، ولا أقصد بحديثي ألّا ينفس الشخص عما يحمله من هموم ربما يحتاج فيها لسماع مشورة ورأي لتخطي المشكلة ولكن نطالب نحن كتربويين ومتخصصين باختيار المناسب والأنسب لهذه المهمة، ولا أقصد بحديثي التعود على إفشاء الأسرار».
ما حكم الشرع في الرجل الذي يفشي أسرار بيته؟
يتبنى المفكر الإسلامي الدكتور خالد البزايعة رأي الشرع، قائلاً «حفظ الأسرار من الأمانات التي حث عليها الدين الإسلامي، ورغب فيها، فشرعاً لا يجوز للرجل أن يفشي أسرار بيته من مشاكل وخلافات، فالبيوت المستقرة هي تلك التي يحافظ أصحابها على أسرارها ويستعينوا على قضاء حوائجهم فيها بالكتمان، ودائما ما أنصح الشباب من الجنسين بألا يخبروا الأهالي بأي شيء يخصهم، حتى لا يقع زوج ضعيف الشخصية فريسة أخت تريد أن تعرف تفاصيل حياته، ولا حماة متسلطة ترغب في التدخل بشؤون ابنتها، فعن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال «إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة».
إن من أقبح القبائح وأشنعها أن يفشي أحد الزوجين أسرار حياته
ويكمل «لا تستقر الحياة الزوجية على أسس متينة من الحب والألفة إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين الزوجين، وأحد أهم أوجه هذا الاحترام أن يحافظ كل منهما على سر الآخر، وإن من أقبح القبائح وأشنعها أن يفشي أحد الزوجين أسرار حياته، بل يجب الكتمان كونه رعاية للأسرة وصوناً لكرامتها وتقوية لدعائمها حتى تستقر على أسس سليمة. فالزوج ذو الخلق القويم يحافظ على شخصيته وعلى كرامته وكرامة زوجته ولا يتدنى إلى هذا المستوى الذي يشيع أسرار بيته على الملأ، فهيبة البيت تنشأ عندما يشعر الجميع بأن هناك من يحرص على عدم كشف غطاء حياته وما فيها من أسرار، ونصيحتي للأهل أن يحترموا ذلك وأن يساعدوا أبناءهم على برهم بطرق أخرى غير التدخل في شؤونهم، فللأم منزلة كبيرة وللزوجة مكانة أخرى وينبغي أن يعطي لكل واحدة منهما دورها دون تبادل لتلك الأدوار، التي تضر أكثر ما تفيد».
اقرأ أيضًا: الأزهر: كشف أسرار العلاقة الزوجية جريمة محرمة شرعًا