6 ديسمبر 2022

د. حسن مدن يكتب: وقتٌ لمن تحب

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: وقتٌ لمن تحب

ضمن أربع أو خمس وصفات قرأتها للتعبير عن مشاعر الحب والمودة تجاه من نكنّ لهم هذه المشاعر، أتى الحديث عن قضاء أوقات أطول معهم، فذاك يعدّ معياراً مهماً في الحب، يجب أن يحظى بأولوية قصوى، فدرجة حبك لمن تحب، مهما بلغت من قوة، لن تصله بالصورة الكافية إن لم تمنحه أوقاتاً أطول، فذاك أحد أهم ما يقيس به مدى حبك له، وطبيعي أن الحديث يدور هنا عن اللقاءات المباشرة، وجهاً لوجه، طالما كان ذلك متاحاً، وإن لم يكن متاحاً فيجب السعي إليه.

هناك من يرى أن الوقت ما هو إلا وحدة قياس، وقد تكون وحدة القياس هذه مخيفة أحياناً، لأنها تذكرنا بأن مشاريعنا في الحياة هي على الدوام أكثر وأوسع وأكبر من المساحة التي يتيحها لنا الوقت، إنه لا يمتد كي يمكننا من أن ننجز كل ما نريد، ولو أنه امتدّ لربما اكتشفنا أن مشاريع أخرى جديدة قد نشأت تبعاً لذلك.

والمدهش أننا في عصر السرعة، حيث التسهيلات الضرورية متاحة وهي توفر لنا أوقاتا إضافية لم تكن متيسرة لأسلافنا، ومع ذلك فإننا نشكو من قلة الوقت.

لكن الوقت، من جهة أخرى، هو وحدة قياس للتعبير عن مشاعرنا تجاه من نحبهم، فبمقدار ما نمنحهم من وقت، رغم مشاغلنا الكثيرة، وتوزع وقتنا عليها، نكون قد أوصلنا لهم أن مكانتهم في النفس والقلب كبيرة، لأننا نمنحهم الأولوية على بقية المشاغل والالتزامات، والعبرة لا تكمن في الوقت بحد ذاته وإنما في كونه وحدة قياس للمشاعر.

لعلنا نجد شرحاً لهذه الفكرة في ما ورد في إحدى روايات ميلان كونديرا، لعلّها «خفة الكائن التي لا تحتمل»، حيث تستوقفنا عبارة على لسان رجل سأله أحدهم، وهو يشكره على خدمة أجزاها له: «أنت تقدّم الكثير من وقتك»، فردّ الرجل: «المرء لا يقدّم وقتاً أبداً. إنه يقدّم اهتماماً، نصائح، معلومات، صداقة، ما أدراني ماذا أيضاً؟ الوقت ليس ملكاً لأحد إنه أداة قياس».

لكن تجاربنا في الحياة تظهر أن الوقت يمكن أن يكون عصيّاً على القياس، تبعاً للحال النفسية والمزاجية التي نكون فيها، فكم من المرات التي شعرنا فيها أن الوقت يمرّ بطيئاً، خانقاً، رتيباً، حتى نشعر بأن الدقائق فيه ساعات طوال، نودّ لو أنها تنتهي، لما نشعر به خلالها من ملل أو ضيق أو حزن، وكم من المرات التي شعرنا فيها أن «الأوقات» الجميلة، الحنون، تمرّ بسرعة مذهلة، لأننا في حضرة من نحبّ أو نود، حتى لنكاد نردّد مع السيدة أم كلثوم: «ونقول.. للشمس تعالي تعالي.. بعد سنة، مش قبل سنة».

 

مقالات ذات صلة