عندما تتصادم رغبة الآباء مع اختيار الأبناء.. أهلي لا يحبون شريك حياتي: ماذا أفعل؟
أخطر ما يهدد الحياة الزوجية ويؤثر في استقرارها هو عدم وجود توافق بين الأهل وشريك الحياة، فأحياناً يكون من قدر الإنسان أن يكمل حياته مع شخص قد لا يراه الأهل مناسباً وشيئاً فشيئاً تنقطع حبال الود والتواصل بين الزوج والزوجة وأهلهما بسبب عدم التوافق وكراهية الأهل للزوج أو الزوجة، أو أن يعيش الطرف الذي يعاني هذا الأمر في صراع طويل من المنغصات بين البر بالأهل والحصول على رضاهم وبين إقامة حياة زوجية ناجحة وهادئة بعيدة عن المشاكل والخلافات.
رغم أن التوافق بين زوجين من أهم الأمور التي تضمن لهما حياة زوجية مستقرة إلا أن ذلك مشروط أيضاً بوجود رضا وموافقة من الأهل على الزوج أو الزوجة، وعدم الالتفات إلى هذا الأمر من قبل الأبناء والإصرار على الارتباط بأطراف لا يلقون الترحيب الكامل من الأسرة قد يكون سبباً في الكثير من الخلافات مستقبلاً.
طرحت «كل الأسرة» هذه القضية على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية وسألتهم: هل الزواج دون رغبة الأهل يهدد استقرار الحياة الزوجية وينذر بفشل العلاقة مبكراً؟ وكيف يستطيع الزوج أو الزوجة الذي يقع في دائرة هذا الصراع أن يوفق بين حق الأهل في البر وحقه هو وشريكه في حياة زوجية هادئة وهانئة؟ وهل يمكن أن تستمر حياة الزوجين سعيدة ومستقرة رغماً عن رغبة الأهل؟
التوافق منذ البداية.. أفضل
في البداية، تؤكد الخبيرة الأسرية هند البنا، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، أنه يجب التوافق منذ البداية بين رغبة الأبناء في اختيار شركاء حياتهم وبين رغبة الأهل في مباركة هذا الاختيار وإبداء ملاحظاتهم، وهذا في الحقيقة لا يعتبر تدخلاً سيئاً أو زائداً عن الحد لأن الأهل يكون لهم خبرات حياتية تجعلهم أكثر قدرة على قياس الأمور بشكل صحيح وهدفهم في البداية والنهاية هو حماية أولادهم من سوء الاختيار والتسرع، حيث عادة ما يندفع الشباب خلف عواطفهم مما قد يؤثر سلباً في قراراتهم المصيرية إذا صح التعبير.
ولكن، تقول البنا «هذا لا يعني أن الأهل دائماً يكونون على صواب في رفضهم لشريك الحياة، فقد يدفعهم خوفهم الزائد على الأبناء إلى اتخاذ قرارات متعنتة معهم فيما يتعلق باختيار شريك الحياة ثم يتضح بعد ذلك أنهم على خطأ في رفضهم للشريك الذي قد يظهر معدنه الأصيل لاحقاً. وأحياناً يكون رأيهم هو الأصوب ويتضح ذلك في المستقبل بعد أن يكون قد دفع الابن، أو الابنة، حياته كلها بسبب سوء الاختيار وتنتهي علاقته الزوجية بالفشل ويشتت شمل أسرته ولا يورث أبناءه سوى الألم والمشاكل النفسية».
وترى الدكتورة هند البنا أنه من الأفضل أن يدرك الأبناء أن الزواج لا يكون بين الشاب والفتاة فقط بل يكون بين عائلتين لذا لابد من موافقة الشاب والفتاة وأهل الشاب وكذلك أهل الفتاة لأنه في النهاية سيكون هناك أسرة وينجب الزوجان أطفالاً لهم أعمام وخالات واجب أن يسود الحب والتوافق بين الجميع وألا يحرم الزوجان أولادهما من التربية وسط الأهل. كما أن الزواج ممن لا يرضاه الأهل ولا يحبونه دائماً ما تصحبه مشاكل كثيرة خاصة عندما تبرز الخلافات الشخصية بين الزوجين، فهنا لن يستطيع الزوج أو الزوجة الرجوع للأهل لأنهم سيقلبون في القديم والجديد ويحملون الأبناء مسؤوليات اختياراتهم ونتائجها.
وتحذر الاستشارية الأسرية الزوج أو الزوجة اللذين يجدان في أسرة الطرف الآخر عدم ترحيب وتوافق معهم من تحريض شريك الحياة على قطع صلته بأهله والضغط عليه للانفصال عنهم، لأن ذلك يكون تحريضاً على العقوق وهو أمر مرفوض دينياً واجتماعياً.
الوصاية الزائدة من الأهل.. مرفوضة
ويتفق معها الدكتور أشرف ثابت، أستاذ الأمراض النفسية والخبير في تعديل السلوك بالقاهرة، في أنه يجب الأخذ بنصائح الوالدين في اختيار الزوج أو الزوجة لما لهم من خبرة كبيرة في الحياة تجعلهم أكثر قدرة على الحكم الدقيق على الأشخاص.
لكنه في المقابل يرى أن الأهل يجب أن يتخلصوا في عصرنا الحالي من شعور الوصاية الدائمة على الأبناء حتى بعد أن يتزوجوا ويستقلوا لأن هذا الأمر لا يجعلهم يفسدون حياة أبنائهم فقط ولكنهم يخسرون زوج ابنتهم أو زوجة ابنهم نتيجة تدخلهم في كل صغيرة وكبيرة، متجاوزين كل الخطوط الحمراء وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً بأولادهم بمنحهم كل خبراتهم الحياتية.
ويضيف «عند وقوع الخلافات يتحيز بعض الأهل بشكل غير مبرر لأولادهم ويكون تدخلهم في حياتهم الزوجية بشكل ظالم وسافر مما يتسبب غالباً في خلق مشاعر الجفاء والعداوة بين الأهل وشركاء حياة أولادهم، ويكون نتيجة ذلك مزيد من التفكك والفرقة وهدم ترابط الأسرة وكذلك اعتداء مباشر على خصوصية الزوجين ومصادرة لحريتهما ومنعهما من أن يعيشا حياتهما بطريقتهما وكما يريدان. ولهذا وجب على الزوجين أن يتعاونا ويضعا حدوداً وإطاراً صحيحاً للعلاقات بالأهل والأصدقاء مما يضمن لهما حياة مستقرة خالية من المشاكل والمنغصات وكذلك علاقة جيدة بالأهل دون تدخل حتى لا تفسد العلاقات بين الأسرة والأبناء وشركائهم».
البيوت أسرار فلا تتخطوا الأبواب المغلقة
أما الدكتور عادل خضر، أستاذ الطب النفسي بجامعة بنها، فيرى هو الآخر أن محاولات فرض الوصاية على الأبناء بعد الزواج أمر مرفوض حتى وإن كان بحجة الخوف عليهم ومساعدته، وكذلك يجب على الأهل إخفاء مشاعرهم تجاه زوج الابنة أو زوجة الابن إن لم يكونوا على توافق معه حتى لا يتسببوا في مشاكل وضغط نفسي لأولادهم.
وكذلك لا يحق لأهل الزوجة أو أهل الزوج أن يتدخلوا في حياة الزوجين بأي حال من الأحوال ما دام الزوجان متفاهمين فيما بينهما، ولا يحق للزوج أو الزوجة أن يسمحا لأهليهما بتعكير صفو حياتهما وتعكير الود بينهما مهما بدت النية في الظاهر صادقة ومخلصة.
ويطالب أستاذ الطب النفسي الزوجين بأن يكونا أكثر ذكاء وألا يتسرعا في إشراك الأهل في المشاكل بينهما إلا في حالة تفاقم مشكلة ما لدرجة العجز عن الوصول للتفاهم فيما بينهما، لأن معظم المصائب وحالات الانفصال يكون من ضمن أسبابها الرئيسية تدخل الأهل في حياة الزوجين أو كراهية الأهل شريك حياة أولادهم.
ويوكد د. عادل «عدم التوافق بين الزوجة وأهل الزوج هو أسرع الطرق لتحطيم الزواج وأهم أسباب الطلاق، لذلك دائماً ما أنصح للأمهات والحموات بمحاولة التغلب على غريزة التملك وأن يتركوا لأولادهم الفرصة ليعيشوا بسلام مع بعض حتى يكونوا على قدر المسؤولية ويستطيع كل طرف منهم أن يؤدي حقوق الطرف الآخر على أكمل وجه».
ويلفت الدكتور عادل خضر إلى أن للبيوت أسراراً، فيجب ألا نتخطى الأبواب المغلقة منعاً للمشكلات، كما أن تدخل الأهل في حياة الزوجين ينبغي أن يكون في حدود حتى لا يضره مصلحتهما، «الحياة الزوجية علاقة شديدة الخصوصية ولذلك من المهم أن تظل أسرار الحياة الزوجية بينهما فقط خاصة أن تدخل أهل أحد الزوجين أو كلاهما، سواء بحجة حل مشاكلهما أو من باب الفضول والسيطرة، هو من أحد أهم الأسباب وراء وجود العديد من الخلافات والمشاكل في الحياة الزوجية، وفي كثير من الأوقات يكون هذا التدخل بوابة النهاية للحياة الزوجية».
حمامة سلام تهدئ النفوس
ومن جانبها تؤكد الدكتورة أميرة الساعي، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الزوجية بالقاهرة، أن الأهل يجب أن يكون لهم كل الاحترام والتقدير، ويجب أن يكون لهم تواجد مستمر في حياة كل زوجين، لكن دون أن يكونوا على علم بمجريات الأمور حتى عند حدوث خلاف أو مشكلة، إذ يفضل أن يعتاد الزوجان على حل مشاكلهما بمفردهما إلا في حالات متقدمة يحتاجان خلالها استشارة شخص كبير في الأسرة لأنه في النهاية يمكن للزوجين أن يتجاوزا أو يغفرا الأخطاء لبعضهما البعض لكن الأهل يظل الخطأ عالق في أذهانهم وهو ما لا نرجوه أبداً.
توضح الاستشارية الأسرية أن علاج هذه المشكلة يحتاج إلى صبر وحكمة حتى يتفهم الزوج أو الزوجة أن الأهل لا يرفضون وجوده، وكذلك حتى يتفهم الأهل أن حياة أولادهم مع هذا الشريك الجديد حياة هادئة وناجحة وظانه الشخص المناسب، ويجب أن يفصل الزوجان بين علاقتهما ببعضهما البعض وبين علاقة كل طرف منهما بأهله، وعليهما أن يدركا أهمية الفصل في العلاقة المتوازنة والحيادية بين المشاعر والمواقف التي تجمع بين الأهل بشريك الحياة.
وتنصح الدكتورة أميرة الساعي الشباب والفتيات في فترة الخطوبة بعدم إخبار الأهل وكذلك الشريك المنتظر بكل ما يكنه كل منهما للآخر، فلا داعي لإخبار الفتاة خطيبها أن أسرتها لا تحبه أو لا تفضله، وكذلك ينبغي أن يلعب الشاب دور حمامة السلام بين زوجته وأسرته فلا ينقل أي مشاعر سلبية بين الطرفين بل يعمل دائماً على إطفاء أي حرائق قد تشتعل بين الطرفين، لأن نقل المشاعر بشكل صريح يجعل النفوس لا تصفو أبداً ويفسد حياة الطرفين ويجعل القطيعة عنوان العلاقة بينهم جميعاً.
وتنصح الاستشارية الأسرية الزوجات بالتوقف فوراً عن أي محاولات لأبعاد الزوج عن أهله بسبب غضبها من رفضهم لها، لأن الزوج حتى وإن بقي معها سيكون ممزق القلب بين رغبته في أن يود أهله ويكون على تواصل معهم وبين حرصه على استمرار حياته الزوجية مع الزوجة التي يحبها وأبنائه، وكذلك الأمر بالنسبة للزوج الذي يبرهم بحجة أنهم لم يكونوا على وفاق معه، لأن ذلك فيه إهدار لحق الزوجة دينياً ونفسياً في أن تظل على مقربة من أهلها، ولكن في حالة عدم وجود توافق مع الأهل وشركاء الحياة يجب أن تظل الأسرار الزوجية والخلافات الزوجية بعيدة عن أعين الأهل حتى لا تكون ذريعة لتفاقم الخلافات وتصيد الأخطاء وتحميل الأبناء المسؤولية كاملة عن اختياراتهم.