هل تقلّل دورات التأهيل والفحوصات النفسية نسب الطلاق في السنوات الأولى من الزواج؟
يقع الكثير من المقبلين على الزواج في فخ سوء اختيار شريك الحياة، حيث يقدم البعض على خطوة الخطبة والزواج دون أن يكون مؤهلاً لاختيار الشريك المناسب ودون أن يعي ويدرك أهم الأمور التي من المفروض أن يتأكد منها قبل إتمام الزواج.
أمور كثيرة مهمة جداً يجب معرفتها والتأكد منها، أمور أخرى مهمة جداً يجب عدم التهاون فيها وعدم الاكتفاء فيها بمشورات الأهل والمقربين؛ لأنها تتسبب في مشاكل كبيرة بعد الزواج، ومع ذلك نتغافل عن كل ذلك ونمضي في طريقنا دون أن نلتفت إليها وتبدأ بعدها خلافات زوجية ثم طريق مسدود ثم النتيجة الحتمية وهي الطلاق.
خبراء العلاقات الزوجية والعلاج الزواجي يرون أن السبب في ذلك هو أننا لم نتعلم أهم شيء في حياتنا وهو كيف نبني بيوتنا من الألف إلى الياء..، طرحت «كل الأسرة» هذه القضية على عدد من هؤلاء الخبراء وسألتهم: هل تنجح دورات التأهيل للزواج في تقليل معدلات الطلاق خاصة تلك التي تحدث في السنوات الأولى للزواج؟ وما هي الفحوصات النفسية التي يجب أن يخضع لها المقبلون على الزواج؟ وما أهميتها؟ وكيف تنبئنا بأننا على مشارف حياة محفوفة بالمخاطر مع شريك حياة غير مؤهل لإقامة حياة زوجية «وفتح بيت»؟!
متى يجب أن يخضع الشباب للفحص النفسي؟
بداية، يؤكد الدكتور وائل السيد خفاجي، استشاري الطب النفسي والأعصاب بالقاهرة، أن أكثر المشكلات الزوجية التي تقع بين المتزوجين حديثاً لم تكن لتحدث لو خضع المقبلون على الزواج لدورات تأهيل وإعداد تساعدهم على التعرف على حقيقة الحياة الزوجية وتزودهم بالمعلومات والمهارات الضرورية للعيش معاً بسلام ورضا.
ويسرد أهمية هذا التأهيل:
- التخفيف من الضغوط والمشكلات التي قد تواجه الأزواج الجدد في حياتهم الزوجية.
- مساعدتهم على بناء علاقة زوجية صحية ومستقرة.
- الحفاظ على سلامتهم النفسية والعاطفية.
- تعزيز الإحساس بالاستقرار والأمان في الحياة الزوجية ليحققا معاً السعادة والرضا عن حياتهما الزوجية.
لكن الاستشاري الأسري يرى أن المشكلة الحقيقية تكمن عندما يكون الاهتمام بهذا الجانب من طرف واحد من طرفي العلاقة الزوجية، لأن الكثير من الدراسات والإحصاءات، تؤكد أن الاهتمام بهذا الأمر كبير من جانب الفتيات، بينما يهمل الشباب هذا الأمر؛ ما يسبب خللاً في التوازن بين الطرفين.. «يؤدي ذلك لازدياد المشكلات الزوجية التي تواجهنا يومياً والتي قد تصل إلى حد الطلاق في بعض الحالات خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الزواج».
ومن جانب آخر، يشدّد الدكتور وائل خفاجي على أهمية الكشف النفسي على طرفي عقد الزواج لأن ذلك يؤكد مدى توافق الزوجين ومدى قدرتهما على العيش معاً لتكوين أسرة سليمة نفسياً وسعيدة وتحدد مدى اللياقة النفسية للشخص وقدرته على الزواج في الوقت الراهن، بالإضافة إلى أنه يكشف مدى سلامتهم النفسية وخلوهم من أيّة أمراض عصبية، قد تضر بالحياة الزوجية وتؤثر سلباً على الأسرة في المستقبل الآن، هذا الأمر إذا ما تم كشفه مبكراً سيرحمنا من تزايد حالات القتل والإيذاء التي بين الأسر.
كيف تختارين زوجاً لائقاً نفسياً؟!
أما الاستشارية الأسرية الدكتورة هند البنا، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، فترى أن دورات التأهيل النفسي للمقبلين على الزواج وكذلك الفحوصات النفسية قبل الزواج، تستطيع أن تختصر الكثير من المعاناة لأفراد المجتمع من خلال كشف خبايا الاضطرابات والأمراض النفسية، التي بعضها قد لا يكون ظاهراً للمحيطين بالشخص.. فكم من شاب أو فتاة أقدموا على خطوة الزواج وبارك لهم الأهل متناسين أو متجاهلين وضعهم النفسي وهل سيسمح لهم بالزواج وإقامة أسرة مستقرة أم لا.
وتضيف «التوافق النفسي أيضاً بين الزوجين مهم على جميع الأصعدة، والفحص النفسي المبكر للزوجين سيحدّ -حتماً- من المشاكل الزوجية ويقننها، فمعظم حالات القتل العمد التي وقعت بين المتزوجين -حديثاً- كان من الممكن تلافيها وحماية الطرفين من الوقوع فيها إذا ما تم توقيع الكشف النفسي عليهم قبل الزواج ومصارحتهم بحالة الطرف الآخر النفسية، للأسف قد تستهين بعض الأسر بالأمر، لكن في الحقيقة، معظم المشكلات الأسرية تكون ناتجة عن عدم توافق الزوجين سلوكياً ومنشأها الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية التي ربما لا يعلم عنها الزوجان أو لا يرغبان الإفصاح عنها».
السبب الرئيسي لآلاف القضايا الموجودة في محاكم الأحوال الشخصية يكمن في سوء اختيار الزوج من البداية
لكن في المقابل تشدد الاستشارية الأسرية على أهمية أن تكون الدورات التدريبيّة التي يتلقاها المقبلون على الزواج على يد كوادر عليا متخصصة في إكساب الخاضعين لهذه الدورات المهارات اللازمة للاختيار السليم والتعامل الجيد مع المشكلات الزوجية.
وتشدد د. هند البنا على أهمية عدم التخلي عن هذه الخطوة، حتى يعيش الزوجان حياة سليمة ويستهلان حياتهما على أسس قوية، «إذا ما ألقينا نظرة فاحصة ودقيقة على آلاف القضايا الموجودة في محاكم الأحوال الشخصية، وجدنا السبب الرئيسي لها، يكمن وراء سوء اختيار الزوج من البداية وأن الأسس التي تم الاختيار عليها واهية».
لافتة إلى أهمية التنبيه على كلّ شاب وفتاة مقبلين على الزواج -من خلال دورات التأهيل النفسي والزواجي- أن أهم العقبات التي قد تعترض الزوجين خلال بدايتهما هي تعامل كل منهما مع طباع بعضهما البعض، «نقاط ضعف»، خاصة إذا كانا من بيئتين مختلفتين، ولعل سنين الزواج الأولى هي الأكثر حساسية في الحياة الزوجية كلّها فإذا استطاعا إنجاح زواجهما ستستقر حياتهما ويعيشان في هدوء بلا عواصف، لكن ليس هذا معناه أن الحياة الزوجيّة خالية من المشكلات مهما بلغ تفاهم الزوجين، المهم هو أن يتعاملا بحكمة مع هذه الأمور.
وحول الطريقة الأنسب للتأكد من الاتزان النفسي لشريك الحياة قبل البدء في الارتباط به، تبين الدكتورة هند البنا «يجب التأكد جيداً عن طريق ملاحظة علاقة الزوج مع عائلته من خلال اللقاءات الأسرية المتبادلة مثل طريقة تعامله مع أهله، أمه وأبيه وإخوته، هل هناك احترام وألفة بينه وبينهم، حاولي التأكّد للكشف عن شخصيته أكثر، لأن أخلاقه وطباعه تكشف لك وحدك عن طريقة التعامل التي ستشاركينه إياها خلال رحلة الحياة، من المعروف أن أغلب الرجال الذين يتمتعون بعلاقة جيدة مع الأسرة يكونون عادة جديرين بثقة المرأة، أما الرجل الذي لا يستطيع احترام وتقدير أهله لا يستطيع بناء عائلة جيدة يسودها الحب والاحترام».
نصائح الخبراء لحماية الشباب من شركاء الحياة «المعقدين»
تتفق معها الدكتورة نوران فؤاد، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية والزوجية في القاهرة، في أن قرار الزواج من أخطر القرارات التي يمكن أن يتخذها المرء في حياته، إذ على أساس هذا الاختيار تبنى حياة كاملة مستقبلية؛ لذلك يجب أن ندرّب أولادنا وبناتنا على الاختيار السليم وأن نؤهّلهم لذلك، من خلال المتخصصين في هذا الشأن، وكذلك إجراء الفحوصات النفسية اللازمة قبل البدء في أي خطوات مع الشريك للتأكد من أهليته النفسية.
وتقدم الدكتورة نوران فؤاد مجموعة من النصائح للشباب والفتيات المقبلين على الزواج حتى يتمكنا من إقامة حياة زوجية مستقرة خالية من الاضطرابات والمشاكل النفسية:
- لابد من إعداد برامج وندوات للتوعية بثقافة الصحة النفسية والحث على أهمية الفحص النفسي قبل، -كذلك بعد- إتمام الزواج؛ لتبصير الشباب من الجنسين بمتطلبات مرحلة الزواج ليضمن الزوجان لنفسيهما حياة مستقرة وسعيدة بعيداً عن الخلافات المستحيلة.
- الفحص النفسي للمقبلين على الزواج يحمي المجتمع من إنجاب أبناء يرثون من الأب أو الأم اضطرابات نفسية ونجد أنفسنا أمام جيل جديد من المرضى النفسيين والمعقدين والمضطربين الذين يضرون المجتمع.
- يجب أن تعمل هذه الدورات التدريبية للمتزوجين على توجيه وتبصير الأزواج والزوجات بأسلوب التعامل المناسب فيما بينهما، والتمسك بالاحترام المتبادل وإشاعة الثقة وتجنب أسلوب التسلط وفرض السيطرة من طرف ضد الآخر.
- يجب الإكثار من مكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية ورفع مستوى الخدمات التي تقدمها هذه المراكز وتأهيل متخصصين للقيام ببحث الظروف المحيطة بالأسر المعرضة للتصدع ومد يد العون لإنقاذها.
- يجب إعطاء الشباب والفتيات على حدّ سواء الحرية في اختيار شريك الحياة مع مراعاة عناصر الكفاءة في المؤهل والسن والظروف؛ حتى تكون فرص النجاح في الزواج أكبر.
- إدراج الفحص النفسي كجزء من الفحص الطبي للمقبلين على الزواج، يساهم بشكل واضح في الوقوف على المشكلات النفسية التي قد يعاني منها هؤلاء الشباب والفتيات، وبالتالي إمكانية متابعتها وعلاجها في الوقت المناسب.
- الدورات التدريبية للمتقدمين للزواج لن تكفي وحدها للقيام بهذا الدور المطلوب ولكن يجب أن تقوم وسائل الإعلام جميعها بالتكاتف وتثقيف الأهل والأبناء بأهمية الفحص النفسي وعدم الاستهانة بالأمراض النفسية قبل الزواج.
- لبناء أسرة سعيدة يجب أن نوعّي الشباب بأهمية أن يبحث كل شاب وفتاة عن الزوج الذي يناسبه ويشبهه حتى يمكن عمل علاقة جيدة ومثمرة معه. فالبحث عن شريك روحك، الذي يشبهك في الطباع والأفكار والهوايات، يشكل الأساس لعلاقة صحيحة بين أي شخصين يفكران بالارتباط، وكثيراً ما ننصح الفتيات المقبلات على الزواج بتخصيص فترة الخطوبة؛ للتدقيق في هذه المواضيع وألا تحاول الحصول على سعادة مؤقتة، فمعرفتك بزوج المستقبل قد تعني سعادة تدوم طوال حياتك.
اقرأ أيضاً:
- تحديات يواجهها المقبلون على الزواج وكيفية تجاوزها
- شخصيات ابتعدي عنها عند اختيار شريك الحياة