السكن مع الأهل بعد الزواج أم في منزل مستقل.. ما هو الخيار الأفضل؟
في بداية الحياة الزوجية، يواجه الزوجان تحدياً كبيراً، يتمثل في اتخاذ قرار السكن مع الأهل أو الاستقلالية في بيت مستقل حيث تتفاوت الدوافع والظروف الاقتصادية والعوامل الاجتماعية والنفسية، فالبعض يختار السكن مؤقتاً مع الأهل..
في حين يفضل بعض المقبلين على الزواج الوقوع تحت وطأة الديون واختيار السكن المستقل، درءاً للمشكلات مع الأهل في بداية حياتهما الزوجية.
بيد أن ليس هناك قاعدة ثابتة في تلك المعادلة التي ترتبط بها أطراف عدّة بدءاً من الزوجة، أهل الزوج وبالأخص الحماة، كما الزوج وأهل الزوجة.
ينادي محمد (يرفض ذكر اسمه كاملاً) بالاستقلالية عن الأهل «كوني مقبلاً على حياة جديدة ومن الطبيعي أن يكون لي منزلي الخاص» ولا يدرج رأيه في خانة العقوق «بالعكس، أهلي أنفسهم يرغبون في أن نسكن مستقلين عنهم، وهذا ما انسحب على اثنين من إخوتي اللذين تزوجا واستقلا كلٌ في منزله الخاص».
في بعض الحالات، تتبدى الرغبة متبادلة من قبل المقبلين على الزواج ومن قبل الأهل أنفسهم، والسبب يعزوه محمد إلى «طبيعة الحياة التي تغيّرت وحتى ظروف عمل الزوج في بعض الأحيان في إمارة أخرى أو حتى سفر البعض لاستكمال تعليمهم».
يعتبر السكن مع الأهل خياراً إيجابياً في بعض نواحيه، إذ يتيح للزوجين الاستفادة من الدعم العاطفي والمادي، خاصة في السنوات الأولى من الزواج، كما في تعزيز الروابط الأسرية وتوفير بيئة مملوءة بالدفء في تربية الأبناء.
وعلى الجانب الآخر، يوفر خيار الاستقلالية في منزل خاص الحرية للأزواج في بناء حياتهم الخاصة بعيداً عن تدخل الأهل، وفرصة لتقوية العلاقة بين الطرفين وتطوير هويتهما كعائلة.
تؤيد ثريا العوضي، سيدة أعمال، سكن المقبلين على الزواج مع الأهل «أؤيد هذا التوجه لاعتبارات عدة تتعلق بعمل الزوجة راهناً بحيث يمكن للجدة والجد البقاء مع الطفل عِوضاً عن بقائه مع الخادمة وما يترتب على ذلك من مشكلات تتعلق بالطفل، فالجدان قادران على مراعاة الطفل وتعليمه الكثير من المهارات واحتوائه وإشعاره بالأمان».
أكثرية فتيات اليوم «دلّوعات» بسبب التنشئة الأسرية ويستعن بالخادمة لمراعاة الأبناء
العوضي هي أم لـ5 بنات وابنين «في تجربتي مع أبنائي، حتمت الظروف سكن ابنتي الكبيرة في إمارة أخرى لظروف تتعلق بعمل زوجها، وإلا لم تكن لترفض السكن مع أهل الزوج لأنها تربت على فكرة المشاركة والتقبل»..
وهو ما ينسحب على العوضي، الأم نفسها، التي تؤكد أنها لم تكن لترفض السكن مع أهل الزوج «علاقتي بأهل زوجي علاقة جيدة قائمة على الحب والاحترام، فأم زوجي هي عمتي وكانت تحبني..
ولكن منذ بداية زواجي أقمنا في أمريكا لعشر سنوات واعتمدت اعتماداً كلياً على نفسي لإدارة شؤون منزلي وأبنائي في الغربة، وبعد عودتي بـ10 سنوات بقينا في أبوظبي وكانت حماتي تزورنا دورياً».
فقد يشكّل وجود الأهل مصدراً للراحة والاستقرار، ويسهم في تربية الأطفال، عندما تزوج أحد أبناء العوضي، عاش معها لسنوات «كنت أعامل زوجة ابني كابنتي وهي لم ترفض السكن معنا بفضل معاملتنا واحترامنا لها»..
متلمسة أهمية «أن تتسم الأمهات باللطف وعدم التدخل في حياة أبنائهم واحترام خصوصياتهم في حال سكن الأبناء معهم ولا بد من ،أن يكون الآباء قدوة لأبنائهم، وتعزيز العلاقة بين الأحفاد والأجداد».
يعتمد الخيار الأفضل على ظروف الزوجين ومدى تحقيق التوازن بين ثمار الاستقلالية والتحديات في حال اتخاذ القرار بمشاركة الأهل السكن.
لدى فاطمة الحواي، أم وناشطة مجتمعية، وجهة نظر موضوعية، تبين «للسكن مع الأهل بعد الزواج اتجاهان، الاتجاه الأول قد يكون ناجحاً ويتميز بالانسجام بين الأهل والزوجين والتقدير من الجانبين، والاتجاه الآخر يتسم بالفشل والتصادم المستمر وكثرة المشكلات، والأسباب قد تكون اجتماعية، مادية أو نتيجة اختلاف ثقافات أو طباع، إلى عوامل أخرى».
تجد أنّ شباب اليوم يفضلون الاستقلالية عن الأهل في حال كانوا ميسوري الحال «في هذا الصدد، لا بد أن يكون الشاب حكيماً في اتخاذ القرارات بحيث لا تؤثر على حياته اللاحقة مع أسرته لكون بعض حالات السكن مع الأهل قد ترسي لتدخلات في حياة الزوجين..
كما اقتحام خصوصيتهما ينتج عنه مشكلات، في حين تترتب، في بعض الحالات، صعوبات كأعباء مادية واقتصادية وتحمل مسؤولية تجهيز بيت، وعلى الزوجة إدارة البيت ويجب أن تكون مؤهلة لذلك».
كل ذلك يتطلب نضجاً وعقلانية في اتخاذ القرارات سواء السكن مع الأهل أو الاستقلالية عنهم، بحيث «لا يكون الاختيار لحظياً ومتسرعاً، ولا بد أن يتعلم الشباب المقبلون على الزواج أن الحياة تتطلب توازناً في الأمور واعتدالاً في كافة أمور الحياة، كالترفع عن الترهات والاختلافات التي قد تنتج عن وجود الزوجين مع الأهل..
ولا بد أن يتسم الأهل بسعة الصدر وتقدير هذه الأسرة الصغيرة وإعطائها الفرصة لتكوين أسرة مستقلة وعدم التدخل في خصوصيتها وفرض الرأي عليها».
كأم، تعيش الحواي في حالة تناقض داخلي «لدّي ابن وابنة وكلاهما في سن الزواج وأتمنى لابني أن يستقل بحياته مع زوجته منذ اليوم الأول لزواجه وحتى إن لم يستطع مادياً قد أشجع والده أن يساعده مادياً..
وعلى صعيد ابنتي تتجاذبني مشاعر أن يكون لديها منزل مستقل وأتخوف أن تعيش مع أهل الزوج وتنجم عن الوضع مواقف تعكر صفو التوافق مع أهل الزوج، وفي الوقت نفسه أتمنى أن تكون معي وقريبة مني وأفكر فيها كطفلتي المدللة التي أوفر لها كل احتياجاتها».
تخلص الحواي «لا بد من تأهيل هذا النشء على تحمل المسؤوليات ليكون لديه منزل مستقل وأسرة مستقلة ولتربية الأبناء دون تدخل الأجداد، ما يساعد في تكوين أسرة سعيدة تحافظ على استمرارية علاقتها بأهل الزوجة وأهل الزوج وكما يقول المثل المصري: «روح بعيد وتعال سالم».
وإذا كانت الاستقلالية هي خيار أغلبية المقبلين على الزواج، فقد يتطلب هذا الخيار تحمل المسؤوليات المالية والاعتماد على النفس في إدارة شؤون الحياة اليومية.
تبدي أمينة إبراهيم، أم وناشطة مجتمعية، رأيها في توجه الشباب نحو السكن المستقل عن أسرته بعد زواجه «الرأي السائد يقول بوجوب توفير مسكن الزوجية تكون الزوجة فيه مرتاحة ومستقلة..
ولكن البعض يحبذ أن تكون السنة الأولى من الزواج عند أهله لكي تشعر الزوجة بالأنس والاستقرار ومعرفة طباعه وطباع أهله ولتتعايش مع الوضع الجديد لحياتهما العائلية».
على صعيدها الشخصي، تروي «ابني غيث تزوج منذ نحو 9 سنوات واستقر معنا ورُزق بطفلين ونحن سعداء بأجواء الألفة مع الأحفاد وزوجة ابني، ولكن بالطبع أرى أن من حقهما أن يستقلا في بيت خاص بعد أن يكبر الأبناء إذ يحتاجون إلى غرف إضافية ومستلزمات لا بد من توافرها في البيت الجديد».
ثمة تحديات تتعلق باستقلالية الأبناء بعد الزواج، توضح أمينة «يتطلّب قرار الزوجين بالسكن بعيداً عن أهل الزوج تفاهماً واضحاً خلال فترة الخطبة، وغالباً ما يختار الأبناء الاستقلال لتجنب المضايقات الزوجية، ما يؤدي إلى استئجار منزل جديد إلى حين بناء بيتهما الخاص..
ومن جهة أخرى، تكون إقامة الزوجة مع أسرة الزوج فرصة لتعزيز الألفة والتجانس الأسري، فالكثير من المنازل تحتوي على ملحقات سكنية يقطنها الأبناء بعد الزواج، ما يتيح لهما التزود بخبرات الحياة الأسرية».
كما تلفت إلى اختلاف الحياة الزوجية الراهنة عن الماضي «كان من الشائع أن تعيش الزوجة مع أهل الزوج، ولكن اليوم يتمتع الكثير من الأزواج بمرونة أكبر في تحديد مسار حياتهم الزوجية، بما يتناسب مع احتياجاتهم وظروفهم الشخصية، فالعيش مع أسرة الزوج قد يكون مفيداً للزوجة لكن القرار يعتمد على نوعية الأسرة نفسها..
فإذا كانت أسرة الزوج معروفة بالتعامل الطيب والمعاشرة الحسنة، فإن العيش معهم يمكن أن يكون تجربة غنية ومفيدة، أما إذا كانت الأسرة خلاف ذلك، فمن الأفضل للزوجين العيش بعيداً لتجنب أي مضايقات قد تؤثر سلباً على حياتهما الزوجية».
تعتمد هذه القرارات على طبيعة الأسرة وظروف الزوجين، ومن الواجب التوافق على الخيار الأنسب لبداية حياة مشتركة مستقرة وسعيدة. فالأساس هو تقوى الله من قبل الزوج..
ومن هنا تنطلق أحلام هلال، مستشارة أسرية وتربوية ومدرب دولي معتمد، في حديثها من قوله تعالى «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» لكون أصل الحياة الزوجية عِشرة ومودة يتعرف كل من الزوجين إلى الآخر بوضوح دون تدخل خارجي.
من وجهة نظرها، تفضل أحلام هلال استقلالية السكن للأبناء، إذ «يتعرف كل من الزوجين إلى الآخر بصفاته وأخلاقه وطباعه و ما يحب وما يكره وبالتالي يتقبل كل منهما الآخر، وتعتبر السنة الأولى من أصعب سنوات العمر في الزواج..
وبعض علماء النفس يؤكد أنها تمتد من السنة الأولى إلى الخامسة حيث إن الزوجين عبارة عن نهرين مختلفين حتى يتعرفا إلى بعضهما بعضاً وفي السنة الخامسة يصب كل منهما في مجرى واحد».
توضح المستشارة الأسرية «خلال تلك السنوات، من المهم أن يكون الزوجان مستقلين ليتعرف كل منهما إلى الآخر ولكن إن لم تسمح ظروف الزوج المادية أو طبيعة عمله على الاستقلالية..
لا يمنع أن يسكن الزوجان مع أهل الزوج ولكن في شقة مستقلة في البيت نفسه، وذلك لأهداف عدة منها تحمل الزوجة لمسؤولياتها، ديمومة الحياة الزوجية بالتفاهم والوضوح بين الزوجين دون تدخل خارجي لكون السكن مع العائلة الكبيرة قد يفرز نوعاً من التدخل وقد تكون الزوجة مراقبة من قبل أم الزوج التي تقيم المقارنات في كل خطوة، ما يؤدي إلى توتر العلاقة بين الزوجين».
في حال سكن الزوجين مع الأهل، لا بد من الشعور بالاستقلالية والخصوصية مع مراعاة الوالدين وصلة الرحم
فلا بد من دراسة الحاجات الأساسية للزوجين في حالة سكنهما مع الأهل لإشباع هذه الحاجات بطريقة مناسبة تبعدهما عن الإحباط والتوتر وتقربهما من إرساء أسس الأسرة السعيدة.
يعبر هرم ماسلو عن تحقيق التوازن بين الحاجات الإنسانية وحياة الزوجية السعيدة، تشرح هلال «يبدأ هرم ماسلو بالحاجات الفسيولوجية الأساسية مثل التنفس والطعام والماء والحاجة إلى الجنس و إذا توفرت هذه الاحتياجات في ظل وجود الزوجين في أسرة متفهمة، فإنها تحقق لهما الاستقرار الأساسي..
وتأتي الحاجة إلى الأمن في المرتبة التالية، حيث تمنح الطمأنينة والهدوء النفسي، هذه الحاجة تصبح أكثر أهمية إذا كانت الأم، سواء أم الزوج أو أم الزوجة، حنونة ولا تتدخل في شؤون الزوجين..
في هذه الحالة، يمكن للأزواج السكن مع أسرهم بسلام، وتتبدى الحاجات الاجتماعية كالحب والاهتمام ضرورية لتقوية العلاقة بين الزوجين والأسرة الكبيرة، فإذا استطاع الزوجان تحقيق هذه الحاجات، فإن حياتهما ستكون سعيدة ومستقرة».
يتناول هرم ماسلو للحاجات الإنسانية العديد من الجوانب التي تنعكس على الحياة الزوجية، تخلص هلال «حاجة التقدير مهمة حيث يتعين على الزوجين تقدير واحترام بعضهما بعضاً وإعطاء قيمة لذات الزوج أو الزوجة واهتمامات الشريك إلى جوانب أخرى تتعلق بالمعرفة والجوانب العاطفية».
ترصد هلال أبعاد هذا التوجه «تعتبر هذه الحاجات مهمة، خاصة إذا كان هناك توازن عاطفي بين الزوجين وأسرتيهما، ما يخلق بيئة مستقرة ومتناغمة، فالحاجة إلى تحقيق الذات هي أحد أبرز عناصر هرم ماسلو وإذا استطاع أحد الزوجين تحقيق ذاته في إطار علاقته الزوجية، سواء كان ذلك في شقة مستقلة أو مع الأسرة..
فإن ذلك يعزز شعوره بالرضا والاستقلالية، من الضروري أن يتمكن الزوجان من تحقيق الحاجات الأساسية التي ذكرها ماسلو دون مشاكل مع الأسرة، مع إعطاء كل طرف حقه دون التقليل من دور الوالدين اللذين أسهما في تكوين شخصيتيهما».
وفي ما يتعلق بمسؤوليات الزوجة تجاه أهل الزوج، توجز المستشارة الأسرية «الزوجة غير ملزمة شرعاً بالعناية بأهل الزوج، ولكن من باب حسن التربية يجب أن تظهر الاحترام والتقدير لهم..
يمكن أن تكون السنة الأولى من الحياة الزوجية مع أهل الزوج تجربة تعليمية مهمة، إلا أن الحاجة إلى الاستقلالية تظهر لاحقاً مع نمو العائلة ويمكن للزوجين تحقيق السعادة في حياتهما الزوجية من خلال تطبيق هرم ماسلو بطريقة تناسبهما وتناسب الوالدين، ما يحقق التوازن دون إلحاق الضرر بأي طرف».