عندما يصاب الإنسان بجروح في جسده، يلجأ عادة إلى الطبيب، فيصف له العلاج المناسب، وما يخفّف عنه الألم، ويريحه. ولكن الإنسان قد يتعرض لجروح قاسية لا يراها قريب، ولا يداويها طبيب، تنزف بصمت، تهز الروح، و تنعكس على طبيعة الحياة فتجعلها موجَعة، وباكية.
مثل هذه الجروح التي تصيب القلب فتكسره، وتعرّضه لآلام مبرحة يصعب علاجها، قد تترك ندوباً في النفس، لفترة طويلة يمكن أن تمتد لسنوات، وفي أحيان كثيرة قد تؤدي إلى مرض فعلي ظاهر للعيان، ولكن أسبابه تظل طيّ الكتمان.
من أسباب جروح القلب
ما من امرئ إلا وتعرّض خلال حياته لجروح قاسية، ونازفة في القلب، ومن يقل إنه قد سلِم من هذه الأوجاع، فهو على الأغلب لن ينجو منها، فهناك أناس يجرحون، ويؤذون، ويحدثون في القلب آلاماً قد تغدو دروساً قاسية، يتعلم منها الإنسان كيف يواجه عواصف العلاقات، فيصبح أقوى، وأقدر على التحمّل.
علامات تدل على الإصابة بجروح في القلب
قد يكابر الإنسان بعد إصابة روحه وقلبه بالخذلان، والغدر، ويحاول أن يكذب على نفسه، وعلى الآخرين فيواري مشاعره التي لا تلبث أن تتغلب عليه، ليوقن أنه مصاب بجروح عميقة لا بد من إيقاف نزفها، ومداواتها.
ثمة بعض العلامات التي تشير إلى ضرورة علاج النفس من آلامها:
أسباب جروح القلب
ها أنت ذا، قلبك ممزق، تجول بين أنقاض الجزء القاتم من حياتك، تتنقل من الحمام حيث تذرف الكثير من الدموع، إلى المكتب حيث تحاول كبت مشاعرك التي لا بد أن تكشفها ملامحك. ومن المكتب إلى السرير حيث تنفرد بنفسك، وتسقي الوسادة من حزن قلبك.
قد يتعرض الإنسان، ذكراً كان أو أنثى، لصدمات عاطفية، يكون تأثيرها أكبر كلما كانت سنّه أصغر، وأسباب جروح القلب كثيرة، لكن معظمها يرتبط بالعاطفة التي تقوم على أساسها العلاقات البشرية، خصوصاً بين الأقارب والأصدقاء، سنذكر منها القليل ونبحث معاً عن أساليب العلاج.
في مرحلة الطفولة
ليست مرحلة الطفولة سهلة وممتعة في كل الأسر، فقد يتعرض الطفل لأنواع من القسوة لا يستطيع أن يتحمّلها، أو يحلّلها بتفكيره وقدراته المحدودة..
نذكر منها سوء معاملة الوالدين، أو الأقرباء، التنمّر في المدرسة، سواء من المدرس أو الزملاء، فقد أحد الوالدين أوكليهما، أو أخ، أو أخت، أو حتى حيوان أليف كان الطفل يربّيه، ويعتني به.. مثل هذه الظروف القاسية تترك ندوباً في الروح قد لا يمحوها الزمن، ولا تداويها الأيام.
في مرحلة المراهقة
حينما يجتمع الشباب والفتوة بانكسار القلب، يولد أصعب شعور قد يمرّ به الإنسان في حياته، وأكثر انكسارات القلب شيوعاً في مرحلة المراهقة هي آلام الحب الأول الذي يظن الفتى، أو الفتاة، خلاله أنه قد خسر حياته إلى الأبد، مع خسران حبيبه.
لكن هذه الجروح يمكن أن تداويها الأيام، وتعلّم المرء كيف يواجه العواصف العاطفية، ويتغلب عليها، كما قد تترك ندوباً تؤثر في حياة الإنسان، وعلاقاته المستقبلية.
في مرحلة النضوج
الخذلان والانكسار قد يأتيان في أيّ وقت، ومن أقرب الناس. وأصعب أنواع الغدر الخيانة، وأكثرها إيلاماً الخيانة الزوجية، بعد سنوات من الحب، والحياة المشتركة، تحت سقف واحد.
لن نتحدث عن الصدمات العاطفية الأخرى في الحياة، ففي جعبة كل إنسان صدمة عاطفية، أو أكثر هزت كيانه، وعرّضت روحه لمخاطر ظنّ أنه لن يتجاوزها.
كلمة واحدة تنهي سنوات طويلة من المودّة والأمل
على الرغم من كل المشكلات التي يعانيها معظم الأزواج، لكنّ كثيراً منهم لا يتخيّلون أن الرماد الأسود البارد يمكن أن يخفي تحته نيراناً حمراء متقدة.
وعندما يقع الانفصال تسوَدّ الدنيا في العيون، ويشتعل القلب بالحزن.. فكيف نداوي أنفسنا، وننقذ أرواحنا من الاحتراق؟
تأثير العاطفة في الدماغ
يقال إن القلب المكسور والموجَع لا يداويه ويرمّمه إلا الدماغ، وليس سهلاً أن يشعر المرء بأنه مرفوض ومغدور به.
ولأن هذا الشعور مؤلم وموجِع، فإن أول من يستقبله هو الدماغ. فإن استطعت أن تستغل دماغك بالشكل السليم، فسوف تتغلب بالتأكيد على مشاعرك الحزينة، وستنهض مجدداً.
ولتوثيق تأثير الدماغ في مداواة جروح القلب، أجرى فريق من علماء الأعصاب الأمريكيين فحصاً لأدمغة 40 شخصاً بالتصوير بالرنين المغناطيسي، تعرّضوا لصدمات عاطفية، كالانفصال، في الأشهر الستة السابقة للتصوير.
وفي أثناء الفحص طُلب من هؤلاء الأشخاص النظر إلى صور شركائهم السابقين، والمناسبات التي جمعتهم بهم. وتبيّن أن النظر إلى الصور، وتذكّر المواقف المشتركة يحفّزان في الدماغ الشعور بالألم، تماماً كما يحدث عند التعرض لإصابة بدنية مؤلمة.
فالذكريات الصعبة تحث الدماغ على النشاط بشكل يجعل الشخص يتألم كما لو أنه يعاني مرضاً في جسمه.
كما تبيّن من خلال هذه الدراسة، وغيرها من الدراسات السابقة، أن الانفصال والنبذ من أشد الأحداث إيلاماً، ولكن الدماغ مع ذلك يستطيع السيطرة على هذا النوع من الألم، وإن بدا للمصاب أنه لن يشفى، وأنه لن ينسى.
ففي الواقع يتحول الشعور بالخذلان، وما يرافقه من غضب ورغبة في الانتقام، مع مرور الوقت، إلى مشاعر مفيدة ونافعة، إن تعلّمنا كيف نساعد الدماغ بأفكارنا الإيجابية. فلا تخشَ انكسار القلب، ولكن اخشَ ردّ فعل دماغك.