09 يونيو 2024

الـ"بيرسينج" ظاهرة قديمة حديثة.. ماذا نعرف عنها وعن محاذيرها؟

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

الـ

الـ«بيرسينج»، أو تثقيب الجسم في أماكن معينة، عادة قديمة العهد، حديثة الجنون، فالشابات اليوم يُقبِلن بشغف على عمل ثقوب في أماكن مختلفة من أجسامهنّ، يضعن فيها مجوهرات وحلقات ليبرزن مفاتنهنّ، و يلفتن إليهنّ الأنظار.

كيف بدأت ظاهرة الـ«بيرسينج»؟ وما أسباب انتشارها اليوم؟ وهل لهذه الثقوب مخاطر صحية؟

من العصر الحجري إلى عصر التكنولوجيا

تثقيب مناطق في الجسم بيرسينج) ليس فعلاً حديثاً، وهو أكثر من مجرد موضة عصرية، وله جذور ضاربة في تاريخ البشرية، عابرة للثقافات، والقارات، وقد كان الثقب في الجسم رمزاً اجتماعياً، وروحياً، وجمالياً، على مر العصور. ففي شهر مارس الماضي، اكتشف علماء آثار في جنوب شرق تركيا، قطعاً صغيرة من الحجر حول أفواه وآذان هياكل عظمية عثر عليها في مدفن عمره 11 ألف عام، قالوا إنها كانت تستخدم حُليّاً، وقطعاً للزينة.

ويدل ذلك الاكتشاف في تركيا، وغيره من الاكتشافات السابقة، كما يبين التوغل في دراسة عادات القبائل وتاريخها، على اهتمام الإنسان القديم بهذا الفعل التجميلي الذي يحمل أيضاً أبعاداً اجتماعية، وروحية. وما الفصوص المثقوبة لمومياء «أوتزي»، التي توفيت قبل أكثر من 5000 عام، إلا شهادة على أن الـ«بيرسينج» كان أمراً معروفاً على مر العصور؛ ففي مصر القديمة، على سبيل المثال، كان أفراد الطبقات الاجتماعية الراقية هم من يضعون الأقراط الذهبية في الأذنين، أما ثقب السرّة فقد كان حكراً على الفرعون، وعائلته.

ولدى قبائل المايا، كان الكهنة يثقبون ألسنتهم كوسيلة للتواصل مع الآلهة بزعمهم. وفي العديد من الثقافات الأخرى كان ثقب مناطق في الجسم لوضع الزينة يعد طقساً سحريّاً، وروحيّاً.

وفي القرن الماضي، تطور الـ«بيرسينج» فصار موضة سائدة. عندما اشتهر به الهيبيون في السبعينيات، وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شاع ثقب السرّة، واعتمده العديد من المشاهير.

عادات ما زالت سائدة

الـ

في الهند، كان ثقب الأنف، وما زال، سائداً في العديد من الثقافات، وهو يرتبط تقليدياً بالزواج، إذ يسود الاعتقاد لدى بعض سكان الهند بأنه تكريم بارفاتي، «آلهة الزواج». أما ثقب اللسان فله دلالة روحيّة، وغالباً ما يرتبط بالطقوس الدينية، وأعمال التطهير الروحي. وقد يجري ثقب الأنف كطقس من طقوس الانتقال إلى مرحلة البلوغ.

«بيرسينج» اليوم إكسسوار أزياء عالمي

الـ

على الرغم من تضاؤل المعاني التقليدية، يحدث شباب اليوم في جميع أنحاء العالم ثقوباً في الفم، في غضروف الأذن، في الأنف، أو حتى في السرّة، وغيرها من المناطق في الجسم، من أجل الزينة، وإبراز المظهر الجمالي، وللتعبير عن مفاهيم، بحسب رأيهم، تتعلق بالشخصية، كالجرأة، والحرية، وإثبات الذات.

وقد يشير عمل الـ«بيرسينج» في مناطق معينة من الجسم، إلى مطالب اجتماعية، وجماعية، فقد أصبح تثقيب الجسم وسيلة للتعبير، وهو يستقطب جمهوراً واسعاً، وبشكل متزايد في بعض المجتمعات، ويعكس عندهم أسلوب حياة، ويشير إلى أصول عائلية، وطبقات اجتماعية.

وسواء كان الـ«بيرسينج» نهجاً جمالياً، أو مطلباً جماعياً، أو عملاً احتجاجياً، فإنه يظل ممارسة قديمة تجمع بين التطور المجتمعي، وظاهرة الموضة.

وبما أن العصر حالياً يتجه نحو البساطة، فإن قواعد الموضة هناك توصي بوضع حلقة صغيرة إما في أسفل الأنف، على غرار ويلو سميث، أو تثبت على الصدر، مثل كيندال جينر، كما يمكن وضع الكثير من الأقراط المرصوصة على شحمة الأذن، وغضروفها، مثل مايلي سايروس.

محاذير صحيّة لـ«البيرسينج»

الـ

يمكن للمجوهرات التي توضع في ثقوب اللسان أن تحدث تشققاً، وتورماً في اللسان مع حركتي، المضغ والبلع، وأحياناً مع التنفس، أما تلك التي توضع على الأسنان، فقد تسبب تشققا في الأسنان، وتلفاً في اللثة، وفي الشفتين، كما قد يؤدي الثقب في الفم إلى تلوث الطعام الداخل إلى المعدة.

في الأماكن الأخرى من الجسم، قد يسبب الـ«بيرسيج» التهابات في الجلد، تؤدي إلى الاحمرار، و التورّم، وأحياناً إلى إفرازات صديدية.

أما بالنسبة إلى الأنف، فالأوردة فيه تتصل بالدماغ والجيوب الأنفية، وقد تحدث تورماً دموياً، إذا لم يجرِ الثقب شخص متخصص.

أما الثقب في منبت شعر الحاجب، فقد يسبب ضموراً يتوقف على إثره نمو الشعر في المنطقة.

من أجل كل هذه المحاذير، يجب أن يتم الـ«بيرسيج» في أماكن متخصصة، ومرخّصة لهذا الإجراء والتأكد من تعقيم الأدوات المستخدمة، وخبرة الشخص الذي يقوم بعمل الثقوب.

وأخيراً، يفضل عدم التقليد، والالتزام بالتقاليد، والحرص على الحفاظ على صحة الجسم ومظهره، والتفكير كثيراً في أبعاد الـ«بيرسينج».