مشاركون في ملتقى 'قيم': المنصات الاجتماعية 'سلاح' إيجابي.. ولكن أحياناً مدمر
في ظلّ الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، تبرز تأثيرات عميقة لصناعة المحتوى في الأسر، واستقرارها النفسي والاجتماعي، حيث أصبحت المنصات الرقمية ساحة للتعبير عن الأفكار، ومشاركة التجارب. ومع تنامي هذا التأثير، يأتي دور الأسرة في توجيه أبنائها نحو إنتاج محتوى إيجابي، وهادف، يعزز القيم المجتمعية، ويدعم تطوّرهم الشخصي
ضمن هذا السياق، عكس ملتقى «قيم» الثاني، الذي نظّمته إدارة الفعاليات الدينية والثقافية في جمعية النهضة، بدبي، هذه التأثيرات عبر مجموعة من صنّاع المحتوى والأكاديميين الذين التقت بهم «كل الأسرة»، للتعرف إلى أهم الأبعاد السلبية التي يمكن أن يتعرّض لها الأطفال والمراهقون، على مواقع التواصل الاجتماعي، وأهمية النماذج الإيجابية لصنّاع المحتوى الذين يُسهمون في عكس رسائل إيجابية بنّاءة.
الإعلام ومسؤولية تقديم نماذج ملهمة
أدار جلسات الملتقى الإعلامي يوسف الحمادي، الذي ركّز في حديثه على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في استقرار الأسرة، وصحة أبنائها النفسية، مشيراً إلى أن «هذه المنصات قد تكون «سلاحاً ذا حدّين»، يمكن استخدامها لنشر الإيجابية، فيما ينحو البعض الآخر إلى استخدامها بشكل سلبي مؤثر في المجتمع، وهنا تبرز أهمية إنتاج محتوى هادف يسهم في تعزيز القيم المجتمعية، ونشر المعرفة، ففي عالم مملوء بالمعلومات، ننسى أحياناً وجود جمهور متابع ينظر إلى تجارب الآخرين على أنها رسائل ودروس يمكن أن ينتفع منها، لذلك، يقع على عاتقنا، كإعلاميين، أن نقدم نماذج ملهمة، ومواقف واقعية من حياتنا المهنية».
التوازن بين الحياة الشخصية والعمل
يتجسد نجاح صانع المحتوى، سيف الذهب، وبروزه كوجه إيجابي، بفضل صورته الطيّبة، والتزامه بمبادئ المجتمع، ودعم أسرته التي شكّلت جزءاً كبيراً من مسيرته، حيث تزامنت بدايته مع تصاعد أهمية صناعة المحتوى، بخاصة بعد إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أكاديمية الإعلام الجديد، التي أصبحت إحدى ركائز السياسات والاستراتيجيات الوطنية.
يتحدث الذهب عن انطلاقته في مجال صناعة المحتوى، وبداياته «بينما يسلك معظم الشباب المسار المعتاد من الدراسة المدرسية إلى الجامعية، ومن ثمّ سوق العمل، توجهت للانخراط في العمل التطوعي الذي فتح لي آفاق التواصل، بشكل أوسع، نحو عالم صناعة المحتوى، وبعد أن اكتشفت شغفي بهذا المجال، عملت على إنتاج مقاطع قصيرة على «الإنستغرام»، وتدريجياً، تحوّل الاهتمام إلى إنتاج محتوى أكثر تكاملاً، ومع تحفّظ والدي، وقلقه بشأن مستقبلي، اتخذت القرار بتغيير مجال التخصص من الأعمال إلى «الإعلام»، لأتمكن من الجمع بين الدراسة، واهتمامي بمجال صناعة المحتوى».
وعلى الرغم من النجاح، إلا أن الطريق لم يكن خالياً من من التحدّيات، فقد عاش صانع المحتوى صعوبات عدّة خلف الكواليس، تجسدت في ليالٍ طويلة من التفكير، والترقب، ولحظات التعب، والقلق، لكنه كان يجد في دعوات الأهل الأمان، والدعم المعنوي الذي كان يحتاج إليه، ففي كل موقف صعب يمرّ به، بحسب قوله، كان يجد الدعم من والديه، ويشير الذهب إلى أبرز التحدّيات «التكيّف مع الانتقادات السلبية التي تصلني بشكل دائم، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من عالم التواصل الاجتماعي، كان من أبرز التحدّيات التي تمكنت من التعامل معها بالروح المرحة، مفضلاً تجاهل التعليقات الجارحة، والتركيز على الانتقادات البنّاءة التي تساعدني على تطوير المحتوى، إضافة إلى التوازن بين الحياة الشخصية، والعمل، والتي كان للأهل دور كبير في تجاوزها، لصعوبة إدارة الوقت في ظل متطلبات العمل المستمرة».
يستذكر الذهب بداياته في صناعة المحتوى، حيث واجه الكثير من التساؤلات حول مستقبله المهني، والطريق الذي سيختاره، بخاصة مع غياب مفهوم «صانع المحتوى»، ومصطلحات، مثل «المؤثر»، و«المشهور»، التي لم تكن معروفة بشكل واسع كما هي اليوم»، ويضيف «كانت العائلة، خصوصاً والدي، يرغبون في ضمان اتجاهي في الطريق الصحيح، وكنت أواجه أسئلة حول ما إذا كان هذا المجال سيحقق لي الاستقرار المهني، أم لا، لكن ما إن بدأت ملامح النجاح تظهر، وجدت منهم كل الدعم، والتشجيع، واليوم أصبح والدي يتابع حساباتي بفخر، ويشعر بالاعتزاز بكل ما أقدّمه».
كيف يجب أن يتعامل الأهل مع منصات التواصل الاجتماعي؟
فيما أشارت الدكتورة ابتسام العوضي، مدير كلية الدراسات العليا في شرطة دبي، إلى أنه رغم الفوائد الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي، وما توفره من فرص لتعليم أبنائنا، وتطوير مهاراتهم، لا يمكن تجاوز ما يتعرّضون له فيها من تحدّيات، تقول «أبناؤنا اليوم، سواء كانوا أطفالاً أو مراهقين، معرّضون لتأثيرات متنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، بل حتى في استخدامهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، ونحن كأهل، يجب أن نكون مستعدّين لحمايتهم من خلال امتلاكنا الوعي الكافي لهذه المنصات، لنتمكّن من توجيههم بشكل صحيح، فاليوم اصبحنا نواجه أنواعاً متعدّدة من الجرائم الإلكترونية، مثل التنمّر، والابتزاز الإلكتروني، والتحرّش وهو أمر لم يكن موجوداً في الماضي».
توضح د. العوضي أهم أساليب توجيه الأبناء للاستخدام الآمن والإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي «الحوار المفتوح من أفضل الطرق التي تساعد الأبناء على الشعور بالراحة، والتوجه للأهل عند أيّ مشكلة يمكن أن يتعرّضوا لها على هذه المنصات، حيث يمكن للأهل أن يعرضوا قصصاً وأمثلة عن مواقف حقيقية مشابهة، قد يواجهها أطفال في أعمارهم، ليوضحوا لهم كيفية التعامل معها، كما لا يمكن اتّباع أسلوب المراقبة، وتحديد وقت معيّن للاستخدام للحد من التأثير السلبي».
وتطرح د. العوضي، أهمية توعية الأبناء على الجرائم الإلكترونية «من المهم التنبيه على التبعات القانونية لقضية التنمّر، ومسؤولية ما يكتب على وسائل التواصل، وخطورة نشر الشائعات، ومشاركة المعلومات قبل التأكد من دقتها، فالتوعية تبدأ أولاً من الأسرة، وبتعاون الوالدين يتجنب الأبناء الكثير من المخاطر، ويتمكنون من استخدام التقنية الحديثة بطريقة آمنة، ومفيدة».
وتوجّه د. العوضي لأهمية وجود وقت اجتماعي للعائلة «في ظلّ انشغالات الحياة اليومية ينغمس الأبناء في استخدام أجهزتهم الذكية حتى نهاية اليوم، لذلك يكون على الوالدين تخصيص بعض الوقت للتفاعل الاجتماعي، لتجنب التأثيرات السلبية التي تفرض نوعاً من العزلة في الحياة الواقعية للطفل، وتبعده عن محيطه الاجتماعي».
المؤثرون على مواقع التواصل.. بين الخفي والمعلن
في حديثها عن تجربتها، تؤكّد سميحة آل علي، صانعة محتوى، أن الشفافية والعفوية هما ما يجعلان المحتوى الذي تقدّمه، مع أسرتها، قريباً من المتابعين، توضح «عندما أشارك لحظات، صعبة أو صادقة، من حياتي، ألاحظ تفاعلهم بشكل كبير، فنحن كعائلة نحاول أن ننقل إليهم صورة حقيقية، ونذكّرهم بأن الحياة مملوءة بالضغوطات، وليست مثالية، وهذا ما يخلق قنوات تواصل حقيقية بيننا وبينهم».
وتحرص آل علي، التي بدأت بالدخول في هذا المجال بعد أن لاحظت عدم وجود محتوى عربي مناسب للأبناء والأسرة على اليوتيوب «نحاول من خلال المحتوى الذي نقدّمه التأكيد على دور الأسرة في دعم أبنائها، وتوجيههم نحو استخدام وسائل التواصل بشكل إيجابي، بخاصة الأطفال والمراهقين، واستغلال أوقات الإجازات والعطل لتطوير مهارات الأبناء، من خلال النشاطات، الرياضية والفنية، المناسبة».
* تصوير: السيد رمضان