02 أغسطس 2023

نايلة الخاجة: أفلامي "علاج نفسي" من عقد الطفولة... وهدفي تغيير الصورة النمطية للمرأة العربية في السينما

محررة في مجلة كل الأسرة

نايلة الخاجة: أفلامي

لم تختر أن تكون امرأة «الظل»، وهو اسم أحد أفلامها بحيث لمع اسمها محلياً كأول إماراتية تخوض مجال صناعة الأفلام وعربياً كونها من ضمن أقوى 50 شخصية مؤثرة في السينما العربية وحصولها على العديد من الجوائز والتكريمات إلى بصمتها السينمائية عالمياً حيث مضمون ما تقدمه والأدوات والمؤثرات المستخدمة تتمايز عن غيرها من المخرجين وبالأخص سمة «التلوين بالإضاءة» والتي تعتبر تكتيكاً وتقنية خاصة بها ترفدها إلى عوالم من السحر الأخاذ.

نايلة الخاجة: أفلامي

في حوارنا معها، تخرج المخرجة الإماراتية وكاتبة السيناريو نايلة الخاجة من عباءة المخرجة ولو جزئياً إلى عباءة الطفلة التي عاشت طفولة صعبة وأهمية هذه المرحلة في تكوين شخصية الطفل. تستعيد نشأتها في أسرة مفككة وتتحدث عن تماس مضامين أفلامها مع الكثير من واقع عاشته ولا تغفل الحديث عن المرأة العربية وصورتها «المشوهة» في السينما الغربية كما عن أسرتها الصغيرة التي استقت منهم الشغف للاستمرار في هذا المجال وزوجها الذي ينتشلها من حالة الإحباط دوماً:

نايلة الخاجة: أفلامي

نرصد عوالم نايلة الخاجة إخراجياً. ففي حال أردت تجسيد سرد قصتك إخراجياً، ما هو عنوانها وما هي أبرز المراحل التي تركزين عليها؟

لا أشعر أن حياتي يمكن أن تتحول إلى قصة في المرحلة الراهنة ولكن ربما بعد عشر سنوات، وبعد عرض مجموعة من الأفلام الطويلة لي في صالات السينما عالمياً.قد تكون حينذاك قصة جميلة تجسد كيفية تحقيق المرء لحلمه. أحتاج إلى أن يكون فيلماً روائياً درامياً لنحو ساعة ونصف الساعة وأرغب، عبره، التركيز على مرحلة الطفولة حيث أؤمن أن شخصية الفرد تتكون خلال سنواتنا الأولى وبالأخص بين 7 إلى 10 سنوات ومن الضروري تناول هذه الفترة من حياتي ووضعها في سياق الفيلم، في حال إنجازه، للإطلالة على كيفية تكون شخصية الفرد والعوامل المؤثرة في الطفولة وكيفية تبلورها لاحقاً في حياته اليومية وفي سياق علاقاته مع المجتمع وتجسيد أبعادها في مضامين أفلامي.

نايلة الخاجة: أفلامي

ما أكثر ما أثر في طفولتك؟

أنا آتية من أسرة مفككة.أهلي تطلقوا في عمر 7 سنوات وكنت أقيم مع والدتي التي كانت تعمل في دوامين أو على فترتين لتعيلنا حيث تلمست بعيني تضحية الأم وعظمة الأمومة. علاقتي بوالدي جيدة بيد أن فترة الطلاق والسنوات التي تلتها كانت فترة صعبة لي حيث فقدت حنان الأب ووجوده في حياتي، وهذا أثر في كطفلة ولكن الأمر الإيجابي أن والدي كان كثير السفر ونحن صغار، ما ساعدنا على التعرف إلى ثقافات وأديان ومعتقدات مختلفة وأنتج لدينا تفكيراً غير تقليدي، وذلك ما بين السبعينيات والثمانينيات حيث نمط حياتنا كان مختلفاً وكنا نحتفل بكل المناسبات ونمارس التسامح وتآلف الثقافات في طفولتنا بشكل عملي. كل هذه الخطوط والملامح موجودة في أفلامي ولربما فيلم «ثلاثة» يجسد التفكك الأسري وتشابك الثقافات وغنى الأفكار المختلفة حيث نضجت في عالم فيه الكثير من التناقضات بين الالتزام إلى حد التشدد والانفتاح الكبير واختلاف بين المدارس الفكرية التي شكلت الكثير من مسارات أفلامي.

نايلة الخاجة: أفلامي
من أجواء تصوير فيلم «ثلاثة»

حاولت التنفيس عن هذه العقد عبر أفلامك، هل شعرت أن جزءاً من العبء الذي تحملينه انزاح؟

سؤال جداً مهم. فعلاً، كل فيلم قمت بإنجازه كان بمثابة 100 جلسة علاج مع طبيب نفسي.كل فيلم شكل عملية علاج بحد ذاته. ففيلم «حيوان» موجود على منصة «نتفلكس»، وهو يتماهى مع أهمية التنفيس عن أعبائنا النفسية إذ إن آخر عشر ثوان من الفيلم تجسد موقفاً شبيهاً عشته وقصة ألم مختزن وإن لم يكن بنسبة 100%.

فالكثير من المواقف عشتها والكثير من المواقف في طفولتي ومراهقتي وشبابي أستقي منها التراكمات الداخلية وأخرجها بطريقة إبداعية وهذه الطريقة تعالج داخلي الكثير من الأمور القديمة العالقة داخلي وتخرج مني وأرتاح نفسياً. فالفن طريقة للعلاج كما الموسيقى كما الرسم وأي نوع من التعبير النفسي.

%90 من أفلامي مستوحاة من الواقع وحقيقية وتصب في سياق القضايا الاجتماعية ولو بصبغة داكنة أو رعب نفسي. كلها مستوحاة من قصصي الخاصة أو من التراث الإماراتي.

نايلة الخاجة: أفلامي

كما قلت تستوحين قصصك من واقع الحياة التي نعيشها. سؤال من وحي هذا التوجه: هل السينما تجمل الواقع أم أن الواقع هو أكثر تماهياً؟

ليس من واقع منقول بل يأخذ كل فيلم دوماً نظرة المخرج أو بروباغندا معينة أو أجندة. من المستحيل أن تكون هناك نظرة صافية إلا إذا حملت كاميرا وصورت مشهداً حدث أمامي كما هو من دون «أي تقطيع» وحتى هذا المشهد قد يحلله المشاهد وفق أفكاره وحسب معتقده. كمخرجة، لي طابع في الفيلم بطريقة الإخراج وعدسة الكاميرا وتمثيل المخرجين، بما يخدم الرسالة التي أريد إيصالها.

عشت في بيئة منفتحة وأسفار والدي ونحن صغار أمدتنا بزاد كبير حول الثقافات المختلفة

تعتبرين نفسك جسراً بين الشرق والغرب كونك نشأت في بيئة منفتحة. هل استطعت تجسيد صورة المرأة الإماراتية «الوسطية»؟

ممكن. فأنا أتسم بشخصية متوازنة لكوني لست شخصية منفتحة إلى حد كبير ولست شخصية منغلقة وأفلامي تترجم هذا التوازن.تستند أخلاقي إلى احترام الثقافات والأديان بعيداً عن إثارة الجدل من غير جدوى وتحمل أفلامي رسالة إنسانية ولا أجد أن إيصال هذه الرسالة يحتاج إلى إثارة الجدل.

«عربانة» من أفلامي الأولى عن التحرش الجنسي بالأطفال، وهو موضوع حساس وثقيل، حاولت معالجته بطريقة استخدام الرمزية كي أتفادى «القيل والقال» وخرج الفيلم بشكل قوي ونجحت الفكرة ولاقى ردة فعل إيجابية من وزارة الشؤون الاجتماعية في الإمارات ومنظمة اليونيسيف.فأي موضوع يمكن أن تتبلور فكرته دون المساس بمشاعر الجمهور.

نايلة الخاجة: أفلامي

نايلة الخاجة أول مخرجة إماراتية وأول إماراتية تقتحم هوليوود وأول كاتبة سيناريو. ماذا تضيف لك هذه الألقاب من حماسة للعمل وإثبات الذات أم إحباط في كون أجواء المنافسة «غير مشتعلة» في ظل غياب الدعم للسينما؟

بالضبط، الدعم للسينما غائب وهذا القطاع ليس أولوية.فالألقاب لا تعني لي بقدر ما يعني لي إخراج فيلم طويل أنجزه وينجح وهنا أجد الوزن الحقيقي.وأنوه بأن الثقافة الغربية تفرز «صورة بشعة» للمرأة العربية في معظم الأحيان وتصور حاجتها إلى الحرية وإلى أشياء أخرى وأنا أرغب، عبر أفلامي، بطريقة غير مباشرة ولكن بطريقة قوية أن أجسد المرأة العربية وطريقة تفكيرها ومعاملتها وحتى في فيلمي «ثلاثة» صورت امرأتين بفكرين مختلفين وبالتالي لا يمكن صب أو تجسيد المرأة بقالب واحد، وهذا أمر خطأ.

أرغب بتجسيد الألوان والأفكار المختلفة للمرأة العربية. وللأسف، الثقافات الغربية وحتى الثقافة الآسيوية، حيث صورت في تايلاند فيلمي «ثلاثة»، تكون فكرة خطأ عن المرأة وعن العرب ككل.أرغب أن أخصص، في مرحلة من حياتي، فيلماً أو فيلمين يتركان صدى كبيراً ويغيران نمط التفكير الخطأ عن المرأة العربية.

نايلة الخاجة: أفلامي

هل فكرت بإنجاز فيلم عن الوالدة كونها تشكل جزءاً محورياً في تكوينك وحياتك؟

أسئلتك تصيب في الصميم. صحيح، فهناك فيلم جاهز عن الوالدة (تضحك) وربح في جائزة «الأي دبليو سي» جائزة الوصيف (runner up)وكان السيناريو نفسه السيناريو الوحيد في الإمارات الذي ربح كرسياً في حلقة المنتجين في مهرجان «كان» السينمائي، وكان مثار دهشة لي.

فالسيناريو جاهز ولكني لست جاهزة لإخراجه لأنه موضوع جداً حساس عن أمي وأبي وسآخذ وقتي و«غير مستعجلة» وقد يكون مشروع العمر، وهو مستقى من فيلم «حيوان» الذي يعرض على منصة «نتفلكس» مع تغيير في العنوان، على نحو ما تم استلهام الفيلم الروائي الطويل «ثلاثة» من الفيلم القصير «الظل» الذي يعرض على «نتفلكس» أيضاً.

التلوين بالإضاءة

كنت من الشخصيات المؤثرة في السينما العربية.ما البصمة المتمايزة عن غيرك من المخرجين ومن كتاب السيناريو؟

البصمة هي كون فيلمي ليس عربياً صافياً، بل هو خلطة ثقافات مختلفة وهذا الطابع موجود في أفلامي كلها حتى نمط تصويري، أسلوب إخراجي يسودها نكهات غير عربية بالصوت والموسيقى. مزيج بين الثقافات، وهذا ما يمايزني عن الأفلام العربية البحتة.أفلامي تعكس الحياة التي عشتها وكثيراً ما أركز على أن ألون بالإضاءة والتلوين بالإضاءة يعتبر لمسة خاصة بي حيث كنت أرسم بالألوان الزيتية على الكانفا وأمتلك «غاليري» قبل خوض مجال الإخراج.

أهوى الأفلام التي تتسم بنوع من التشويق والإثارة لأنها تأخذنا إلى عوالم من السحر المرئي والغموض وهذه العوالم تحتاج إلى رسم والتلوين بالإضاءة، وهذا أسلوب قوي أتقنه بمهارة عالية ومنذ سنوات.

نايلة الخاجة: أفلامي

على أبواب يوم المرأة الإماراتية، كيف تبلورين مسيرة المرأة الإماراتية وكيف تصفين نفسك؟

المرأة في الإمارات خاضت مسيرة استثنائية وحصلت على الكثير من المكتسبات والحقوق سواء في المجال الشرطي، القضائي، مجالات العلوم النفسية والاجتماعية والطبية.لقد اخترقت كل الميادين والزوايا إلا السينما للأسف.

تحتاج المرأة الإماراتية إلى دخول المجال السينمائي وبقوة حتى تصبح أحد مجالات الاقتصاد في الدولة وآمل الاهتمام أكثر بهذا القطاع الثقافي المهم. فاليوم، كل فيلم إماراتي يصبح سفيراً لبلاده خاصة مع المنصات الرقمية في العالم التي تشكل نوعاً من الديمقراطية الرقمية حيث اللغات لم تعد هي العنصر الأهم ومن الضروري أن نأتي بأفلام إماراتية بمستوى عالمي تبث عبر المنصات الرقمية لتجسيد ثقافتنا.

المرأة الإماراتية خاضت كل المجالات ولكن وجودها في مجال صناعة الأفلام والسينما ضئيل

وعلى صعيد شخصي، هذا العام هو الأهم بالنسبة لي على صعيد النجاحات الشخصية مع إطلاق أول فيلم روائي طويل لي لأن هذا التاريخ يجسد تحقيق حلم طال منذ 20 عاماً.

نايلة الخاجة: أفلامي

هو فيلم «ثلاثة» الذي يعرض قريباً في صالات السينما. كيف يمكن دعوة الجمهور إلى حضوره؟

أتمنى استخدام أساليب تشويقية للجمهور في مجال التسويق.فالبوستر والتريلر يحملان الكثير من التشويق وبالأخص أن الفيلم «غير ممل» ويتسم بوتيرة متسارعة من الأحداث. فهناك خمسة مشاهد ترفع الأدرينالين وحتى المضمون نفسه يتحدث عن «السحر الأسود»، وهذا لا ينحصر وجوده في العالم العربي فقط وإن كان الفيلم يجسد عائلة إماراتية.فهذا النوع من السحر موجود في آسيا وإفريقيا وقارات أميركا الجنوبية وفي الغرب وأنا أجسده في سياق قصة محلية تروي كيف أصبحت الأم ضحية لتدخل الناس في علاج ابنها من السحر والجن ووقوعها فريسة في أيد شريرة.هذا الفيلم يدعو الأسر إلى الانتباه على أطفالها وتم تصويره بين الإمارات وتايلاند على مدى 24 يوماً ولا بد لي من توجيه الشكر لـ «طيران الإمارات» كونها الراعي الرسمي.

نايلة الخاجة: أفلامي

أصبحت مخرجة أفضل بفضل أسرتي!

ماذا تحدثيننا عن أسرتك؟

أسرتي هي حياتي وأنا أصبحت مخرجة أفضل بفضل ابنيّ دانة ونوح اللذين زوداني بحنان الأم حيث «قلبي لم يعد له حدود» وأستقي هذا الشغف من حبهم وأوظفه في نمط حياتي ونفسيتي وأفلامي وأنا ممتنة لهم للأبد. وزوجي هو «الأول والآخر» حيث يولي اهتماماً بالأطفال أثناء غيابي وهو شخصية إيجابية ومساند أول ودائم عند شعوري بالإحباط.

سؤال أخير: رسالة لنفسك؟

أقول لنفسي أن الفرد يجب ألا ييأس ويجب أن يستمر.النجاح صعب، ولكن الأصعب الاستمرارية، وهذه نصيحة للكل كما أتمنى أن تصبح السينما مجالاً حيوياً للمرأة وأحد مجالات الاقتصاد في الدولة.