لو حصل لأي شابة ما حصل لبياتريس فيو، لاعتكفت في غرفتها، وتوارت عن أنظار العالم. لكن هذه الإيطالية التي اشتهرت باسم «بيبي فيو»، واجهت قدَرها بشجاعة، وواصلت حياتها بعد بتر أطرافها الأربعة، وخاضت الدورات الأولمبية للمعاقين، وقضمت بأسنانها الميدالية الذهبية. وقبل أيام دُعيت لحضور مهرجان «كان» السينمائي في فرنسا، وسارت على السجادة الحمراء بفستان للسهرة، لا يخفي «مفاتنها».
مساء الجمعة 17 مايو الجاري، خطفت شابة شقراء ذات شعر قصير الأضواء من ممثلات شهيرات، وخفت لها قلوب كل من شاهدها في تلك اللحظات، أو تابعها على شاشات التلفزيون. إنها بياتريس فيو، الرياضية صاحبة الميداليات الأولمبية في المبارزة بالسيف، وقد حضرت الدورة 77 من مهرجان «كان» السينمائي الدولي، جنوب فرنسا، لتشاهد الفيلم الجديد «أنواع من الحنان»، للمخرج اليوناني يورجوس لانتيموس المدرج في المسابقة الرسمية.
بياتريس فيو.. من فراش الموت إلى منصات التتويج
اسمها بياتريس فيو، واسم الدلع «بيبي فيو». وقد بدت رائعة وهي تمشي بساقين صناعيتين على السجادة الحمراء، مرتدية فستاناً لا يخفي ما عاناه جسدها الشاب من آلام، وعمليات جراحية، وتأهيل إعجازيّ. كان جمالها ساطعاً تحت أشعة الشمس المتأخرة في المغيب بحيث غطت على نجمات من مثيلات إيفا لونجوريا، وكريستن دانست، وديمي مور. كيف لا تحرّك القلوب وهي التي لم تغادر طفولتها حين هاجمها داء خبيث أوقعها في الغيبوبة، وكان يتعين بتر ساقيها ونصفي ذراعيها لكي تعيش؟!
قصتها الاستثنائية تابعها الملايين من خلال الفيلم الذي خصصته لها منصة «نتفليكس»، بعنوان «مثل طائر الفينيق» عام 2020. فهذه البطلة ولدت في البندقية، أجمل مدن العالم، في ربيع 1997، وفيها عاشت طفولتها، ومارست هواية المبارزة بالسيف الكهربائي منذ سن الخامسة، ونالت أول كأس وهي في الحادية عشرة حين حلّت خامسة في مباراة دولية. وبذلك الإنجاز المبكر فإن مستقبلاً زاهراً كان في انتظارها. لكن صحتها تراجعت في عام 2008 بسبب إصابتها بمرض التهاب السحايا، مترافقاً مع نخر في العظام.
أفاقت من الغيبوبة لتجد نفسها مرغمة على حل لا ثاني له: بتر أطرافها، أو فقدان حياتها. وهي تشرح مشاعرها يومذاك في الفيلم المخصص لها، بالقول «كانت هناك أجزاء من جسمي تحاول قتلي. كان الأمر أشبه بمباراة. وعليّ أن أقاتل لقهر المرض»، وتضيف في مقطع آخر «كان أبي وأمي خائفين إلى درجة أنني كنت مضطرة لاتخاذ القرار بالنيابة عنهما. قلت للأطباء إذا كان هناك احتمال بنسبة واحد في المائة بأنني سأنجو بفضل البتر فابتروا أطرافي!». لكن حتى الأطباء لم يكونوا واثقين من نجاتها التي كانت بمثابة معجزة. لقد قاومت وحش الموت بكل ضراوة.
واصلت الشابة تمارين التأهيل، وكانت تعود بين الحين والآخر إلى صالة العمليات لإجراء جراحات تجميلية ومحو آثار النخر على جسدها. وبعد عام واحد أصبحت أول امرأة تستخدم طرف صناعياً فريداً من نوعه يسمح لها بالإمساك بسلاح الدفع الخاص باللعبة، لكي تتمكن من استئناف رياضة المبارزة. لكنها لن تتنافس هذه المرة في الدورة الأولمبية العادية، بل في دورة ذوي الاحتياجات الخاصة... أولمبياد المعاقين.
بياتريس فيو.. رمز المقاومة والشجاعة
تلقت بياتريس هدية من والدها لا تقدّر بثمن: أربعة أطراف صناعية من الجيل الأحدث في التكنولوجيا، طلبها لها خصيصاً من مدينة بولونيا الإيطالية الصناعية بمساعدة عدد من الخبراء.
في سِن السابعة والعشرين، أصبحت بيبي فيو بطلة لأوروبا خمس مرات، وبطلة للعالم أربع مرات، وفازت مرتين بالذهب الأولمبي في دورتي ريو دي جانيرو وطوكيو للمعاقين. وهناك مليون و300 ألف متابع لحسابها في «إنستجرام»، وهو رقم هائل لرياضية في هذه اللعبة. وإلى جانب ميدالياتها تحولت هذه المرأة إلى رمز للمقاومة والشجاعة، وملهمة لآلاف الفتيات في الشرق والغرب من اللاتي يواجهن الإعاقة والمرض.
أطلقت بيبي مؤسسة Art4Sport لدعم الرياضيين الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة. والدعم ماليّ وعمليّ، أي مساعدتهم على الحصول على العلاج والأطراف الصناعية. وبفضل هذه السمعة الطيبة راحت شركات التجميل الشهيرة تتنافس لكي تجعل منها سفيرة لها، باعتبارها رمزاً لجيل جديد. وقبل سنتين اختيرت هذه البطلة ناطقة رسمية بلسان شركة «لوريال» الفرنسية. وفي العام الماضي، أصبحت وجهاً من وجوه الحملة الإعلانية لحقيبة «ليدي» التي تصنعها دار الأزياء الباريسية «ديور». أما آخر الإبداعات فهو إطلاق شركة «ماتيل» لصناعة ألعاب الأطفال دمية باربي بملامح وجسد بيبي فيو.